الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين
[148]
عَن مَعبَدِ بنِ هِلالٍ العَنَزِيُّ؛ قَالَ: انطَلَقنَا إِلَى أَنَسِ بنِ مَالِكٍ وَتَشَفَّعنَا بِثَابِتٍ. فَانتَهَينَا إِلَيهِ وهو يُصَلِّي الضُّحَى. فَاستَأذَنَ لَنَا ثَابِتٌ. فَدَخَلنَا عَلَيهِ، وَأَجلَسَ ثَابِتًا مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ. فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا حَمزَةَ! إِنَّ إِخوَانَكَ مِن أهل البَصرَةِ يَسأَلُونَكَ أَن تُحَدِّثَهُم حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ. فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ، مَاجَ النَّاسُ بَعضُهُم إِلَى بَعضٍ، فَيَأتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ: اشفَع لِذُرِّيَّتِكَ. فَيَقُولُ: لَستُ لَهَا، وَلَكِن عَلَيكُم بِإِبرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللهِ. فَيَأتُونَ إِبرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَستُ لَهَا، وَلَكِن عَلَيكُم بِمُوسَى، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللهِ. فَيُؤتَى مُوسَى، فَيَقُولُ: لَستُ لَهَا، وَلَكِن عَلَيكُم بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ، فَيُؤتَى عِيسَى، فَيَقُولُ: لَستُ لَهَا، وَلَكِن عَلَيكُم بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَأُوتَى فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا. فأَنطَلِقُ فَأَستَأذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤذَنُ لِي، فَأَقُومُ بَينَ يَدَيهِ، فَأَحمَدُهُ بِمَحَامِدَ لا أَقدِرُ عَلَيهِ الآنَ يُلهِمُنِيهِ اللهُ، ثُمَّ أَخِرُّ له سَاجِدًا. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارفَع رَأسَكَ، قُل يُسمَع لَكَ، وَسَل تُعطَه، وَاشفَع تُشَفَّع. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي. أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انطَلِق فَمَن كَانَ فِي قَلبِهِ مِثقَالُ حَبَّةٍ مِن بُرَّةٍ أو شَعِيرَةٍ مِن إِيمَانٍ فَأَخرِجهُ مِنهَا. فَأَنطَلِقُ
ــ
(61)
ومن باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أد ل النار من الموحدين
(قوله: فيقال: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبةٍ من برّة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها إلى أن قال: أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان) اختلف الناس في هذا الإيمان المقدّر بهذه المقادير، فمنهم من قال: هو اليقين، ورأى أنّ العلم يصحّ أن يقال فيه: إنه يزيد باعتبار توالي أمثاله على قلب المؤمن، وباعتبار دوام حضوره، وأنّه ينقص بتوالي الغفلات على قلب المؤمن.
فَأَفعَلُ. ثُمَّ أَرجِعُ إِلَى رَبِّي فَأَحمَدُهُ بِتِلكَ المَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا. فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ! ارفَع رَأسَكَ، وَقُل يُسمَع لَكَ، وَسَل تُعطَه، وَاشفَع تُشَفَّع. فَأَقُولُ: أُمَّتِي. أُمَّتِي. فَيُقَالُ لِي انطَلِق فَمَن كَانَ فِي قَلبِهِ مِثقَالُ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ مِن إِيمَانٍ فَأَخرِجهُ مِنهَا. فَأَنطَلِقُ فَأَفعَلُ. ثُمَّ أَعُودُ إِلَى رَبِّي فَأَحمَدُهُ بِتِلكَ المَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا. فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ! ارفَع رَأسَكَ، وَقُل يُسمَع لَكَ، وَسَل تُعطَه، وَاشفَع تُشَفَّع، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي. أُمَّتِي. فَيُقَالُ لِي: انطَلِق فَمَن كَانَ فِي قَلبِهِ أَدنَى أَدنَى أَدنَى مِن مِثقَالِ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ مِن إِيمَانٍ فَأَخرِجهُ مِنَ النَّارِ. فَأَنطَلِقُ فَأَفعَلُ.
ــ
وهذا معقول، غير أنّ حملَ هذا الحديث عليه فيه بعدٌ؛ لما جاء من حديث أبي سعيد (1)، حيث قال الشافعون: لم نذر فيها خيرًا؛ مع أنه تعالى مخرج بعد ذلك جموعًا كثيرة ممن يقول: لا إله إلا الله وهم مؤمنون قطعًا، ولو لم يكونوا مؤمنين، لما خرجوا بوجهٍ من الوجوه، ولذلك قال تعالى: لأُخرّجن من قال لا إله إلا الله. وعن إخراج هؤلاء عبّر بقوله: فيقبض قبضةً فيخرج قومًا لم يعملوا خيرًا قط، فإذًا الأصحّ في تأويل هذا الحديث أن يكون الإيمان هنا أطلق على أعمال القلوب، كالنية والإخلاص والخوف والنصيحة وشبه ذلك من أعمال القلوب (2)، وسمّاها إيمانًا؛ لكونها في محل الإيمان أو عن الإيمان، على عادة العرب في تسمية الشيء باسم الشيء إذا جاوره، أو كان منه بسبب. وإنما قلنا: أراد به أعمال القلوب هنا دون أعمال الأبدان، لقوله: من كان في قلبه ووجدتم في قلبه فخصّه بالقلب، ولا جائز أن يكون التصديق على ما تقدّم، فتعيّن ما قلناه، والله أعلم. وذكر الحبّة ونصفها والمثقال ونصفه وأدنى من ذلك، هي كلها عبارات عن كثرة تلك الأعمال وقلتها.
(1) حديثُ أبي سعيد يأتي برقم (149).
(2)
ساقط من (م).
هَذَا حَدِيثُ مَعبَد عَن أَنَسٍ، وَزَادَ الحَسَنِ عَنهُ: ثُمَّ أَرجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ، فَأَحمَدُهُ بِتِلكَ المَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ! ارفَع رَأسَكَ، وَقُل يُسمَع لَكَ، وَسَل تُعطَ، وَاشفَع تُشَفَّع، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! ائذَن لِي فِيمَن قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللهُ. قَالَ: لَيسَ ذَاكَ لَكَ - أو قَالَ: لَيسَ ذاكَ إِلَيكَ - وَلَكِن وَعِزَّتِي! وَكِبرِيَائِي! وَعَظَمَتِي! وَجِبرِيَائِي! لأُخرِجَنَّ مَن قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللهُ.
رواه البخاري (7510)، ومسلم (193).
* * *
ــ
و(قوله: وعزتي وكبريائي وعظمتي) العزّة: القوة والغلبة، ومنه: وَعَزَّنِي فِي الخِطَابِ؛ أي: غلبني، ويقال أيضًا: عزَّ الشيء إذا قلّ، فلا يكاد يوجد مثله، يعِزّ عِزًّا وعزازة، وعزّ يعِزُّ عزَّةً، إذا صار قويًّا بعد ضعف وذلَّةً، فعزّة الله تعالى قهره للجبابرة وقوَّته الباهرة، وهو مع ذلك عديم المثل والنظير: لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.
وأما الكبرياء والكِبر، فكلاهما مصدر كَبر في نفسه يكبر، وأصله من كِبَر السن أو كِبَر الجرم، لكن صار ذلك بحكم عُرف الاستعمال عبارة عن حصول كمال الذات يستلزم ترفيعا لها على الغير. ومن هاهنا كان الكبر قبيحًا ممنوعًا في حقنا، واجبًا في حق الله تعالى. وبيانه: أنَّ الكمال الحقيقيَّ المطلق لا يصحّ إلا لله تعالى، وكمال غيره إنما هو عرض نسبيّ، فإذا وصَف الحقُ نفسَه بالكِبَر ونسبه إليه، كانت النسبة حقيقةً في حقه؛ إذ لا أكملَ منه ولا أرفعَ، فكلّ كاملٍ ناقص، وكل رفيع محتقر بالنسبة إلى كماله وجلاله. والعظمة بمعنى الكبرياء، غير أنها لا تستدعي غيرًا يُتَعاظم عليه كما يستدعيه الكِبر على ما بيّنا، وأيضًا فقد يُستعمل الكبير فيما لا يُستعمل فيه العظيم، فيقال: فلان كبير السنِّ، ولا يقال: عظيم السن.
و(قوله: وجِبريائي بكسر الجيم، فمعناه: بجبروتي، والجبّار: العظيم