المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(14) باب الاستقامة في الإسلام، وأي خصاله خير - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(14) باب الاستقامة في الإسلام، وأي خصاله خير

(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

[32]

عَن سُفيَانَ بنِ عَبدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلتُ: يَا رسولَ الله، قُل لِي فِي الإِسلَامِ قَولاً لَا أَسأَلُ عَنهُ أَحَدًا بَعدَكَ - وَفِي رِوَايَةٍ: غَيرَكَ - قَالَ: قُل: آمَنتُ بِاللهِ، ثُمَّ استَقِم.

رواه أحمد (3/ 413) و (4/ 385)، ومسلم (38).

ــ

(14)

وَمِن بَابِ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

(قوله: قُل لِي فِي الإِسلَامِ قَولاً لَا أَسأَلُ عَنهُ أَحَدًا بَعدَكَ) أي: علِّمني قولاً جامعًا لمعاني الإسلام، واضحًا في نفسه، بحيثُ لا يحتاجُ إلى تفسيرِ غيرك، أعمَلُ عليه، وأكتفي به؛ وهذا نحو ممَّا قاله له الآخر: عَلِّمنِي شَيئًا أَعِيشُ بِهِ فِي النَّاسِ، وَلَا تُكثِر عَلَيَّ فَأَنسَى، فَقَالَ: لَا تَغضَب (1). وهذا الجوابُ، وجوابُهُ بقوله: قُل: آمَنتُ بِاللهِ، ثُمَّ استَقِم؛ دليلٌ على أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُوتِيَ جوامعَ الكَلِمِ، واختُصِرَ له القول اختصارًا؛ كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم مُخبِرًا بذلك عن نفسه (2)؛ فإنّه عليه الصلاة والسلام جمَعَ لهذا السائلِ في هاتَين الكلمتَين معانيَ الإسلام والإيمانِ كلَّها؛ فإنَّه أمره أن يجدِّدَ إيمانَهُ متذكِّرًا بقلبه، وذاكرًا بلسانه.

ويقتضي هذا استحضارَ تفصيلِ معاني الإيمانِ الشرعيِّ بقلبه، التي تقدَّم ذكرُهَا في حديثِ جبريل (3)، وأَمرِهِ بالاِستقامةِ على

(1) رواه أحمد (2/ 362، 466، و 5/ 34، 372، 373)، والبخاري (6116)، والترمذي (2021)، والموطأ (2/ 906) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أوتيتُ جوامع الكلم. . ." رواه أحمد (2/ 250، 314، 442، 501)، ومسلم (523).

(3)

تقدّم الحديث في تلخيص مسلم برقم (7).

ص: 221

[33]

وعَن عَبدِ اللهِ بنِ عمرو؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الإِسلامِ خَيرٌ؟ قَالَ: تُطعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَن عَرَفتَ وَمَن لَم تَعرِف.

ــ

أعمال الطاعات، والانتهاءِ عن جميع المخالفات؛ إذ لا تتأتَّى الاستقامةُ مع شيء من الاعوجاج، فإنَّها ضِدُّه.

وكأنَّ هذا القولَ منتزَعٌ من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَامُوا} أي: آمَنُوا باللهِ ووحَّدوه، ثم استقاموا على ذلك وعلى طاعتِهِ إلى أن تُوُفُّوا عليها؛ كما قال عمرُ بنُ الخَطَّاب: استَقَامُوا واللهِ على طاعتِهِ، ولم يَرُوغُوا رَوَغَانَ الثعالب، وملخَّصُهُ: اعتَدَلُوا على طاعة الله تعالى، عَقدًا وقولاً وفعلاً، وداموا على ذلك.

و(قوله: أَيُّ المُسلِمِينَ خَيرٌ) أي: أيُّ خصالهم أفضلُ؟ بدليل جوابه بقوله: تُطعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَن عَرَفتَ وَمَن لَم تَعرِف، وكأنَّه عليه الصلاة والسلام فَهِمَ عن هذا السائلِ أنَّه يسألُ عن أفضلِ خصالِ المسلمين المتعدِّيَةِ النفعَ إلى الغير، فأجابَهُ بأعمِّ ذلك وأنفعِهِ في حقِّه؛ فإنَّه عليه الصلاة والسلام كان يجيبُ كُلَّ سائلٍ على حَسَبِ ما يُفهَمُ منه، وبما هو الأهمُّ في حقِّه والأنفعُ له.

و(قوله عليه الصلاة والسلام: وَتَقرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَن عَرَفتَ وَمَن لَم تَعرِف) قال أبو حاتم: تقول: قَرَأَ عليه السلام وأقرَأَهُ الكتابَ، ولا تقول: أَقرَأَهُ السلامَ إلَاّ في لغة سُوء، إلَاّ أن يكونَ مكتوبًا فتقول: أَقرِئهُ السلامَ، أي: اجعلهُ يقرؤه. وجمَعَ له بين الإطعامِ والإفشاء؛ لاجتماعهما في استلزام المحبَّةِ الدينيَّة، والأُلفةِ الإسلاميَّة؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: أَلَا أَدُلُّكُم عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلتُمُوهُ تَحَابَبتُم؟ أَفشُوا السَّلَامَ بَينَكُم (1).

وفيه: دليلٌ على أنَّ السلام لا يُقصَرُ

(1) رواه أحمد (2/ 391)، ومسلم (54) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والترمذي (2512) من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه.

ص: 222

وَفِي أُخرَى: أَيُّ المُسلِمِينَ خَيرٌ؟ قَالَ: مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ.

رواه البخاري (12)، ومسلم (39)، وأبو داود (5194)، والنسائي (8/ 107)، وابن ماجه (3253).

[34]

وعَن جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

ــ

على من يُعرَفُ، بل على المسلمين كافَّة؛ لأنّه كما قال عليه الصلاة والسلام: السَّلَامُ شِعَارٌ لِمِلَّتِنَا، وَأَمَانٌ لِذِمَّتِنَا (1). ورَدُّ السلامِ أوكَدُ من ابتدائه، وسيأتي القولُ فيه، إن شاء الله تعالى.

و(قوله: أَيُّ المُسلِمِينَ خَيرٌ؟ فقَالَ: مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ) هذا السؤالُ غيرُ السؤالِ الأوَّل وإن اتَّحَدَ لفظهما؛ بدليلِ افتراق الجواب، وكأنَّه عليه الصلاة والسلام فَهِمَ عن هذا السائلِ أنه إنما سأل عن أحقِّ المسلمين باسم الخيريَّة وبالأفضليَّة، وفَهِمَ عن الأوَّل أنَّه سَأَلَ عن أحقِّ خصالِ الإسلامِ بالأفضليَّة، فأجاب كُلاًّ منهما بما يليقُ بسؤاله، والله تعالى أعلم، وهذا أولى مِن أن تقول: الخبران واحد، وإنَّما بعضُ الرواة تسامَحَ؛ لأنَّ هذا التقديرَ يرفَعُ الثقةَ بأخبارِ الأئمَّةِ الحفَّاظِ العدول، مع وجودِ مندوحةٍ عن ذلك.

(1) رواه الطبراني في الصغير (1/ 75)، بلفظ:"السلام تحية. . ."، وفي الكبير (7518)، والخطيب في تاريخه (4/ 396)، والشهاب في مسنده (184). وفي إسناده: طلحة بن زيد، وهو متهم، قال ابن عدي: روى بهذا الإسناد ستة أحاديث موضوعة، وأورده صاحبُ "الدر الملتقط" برقم (17)، وابن الجرزي في الموضوعات (3/ 79) لأنَّ فيه عصمة وهو كذاب.

ص: 223

المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ.

رواه مسلم (40).

* * *

ــ

و(قوله: المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ) أي: مَن كانت هذه حالَهُ، كان أحقَّ بهذا الاسمِ، وأمكنَهُم فيه.

ويبيِّن ذلك: أنَّه لا ينتهي الإنسانُ إلى هذا، حتَّى يتمكَّنَ خوفُ عقابِ الله تعالى مِن قلبه، ورجاءُ ثوابه، فيُكسِبُهُ ذلك وَرَعًا يحمله على ضَبطِ لسانه ويده، فلا يتكلَّمُ إلَاّ بما يعنيه، ولا يفعلُ إلَاّ ما يَسلَمُ فيه؛ ومَن كان كذلك، فهو المسلمُ الكامل، والمتَّقي الفاضل.

ويقرُبُ من هذا المعنى بل يزيدُ عليه: قولُهُ عليه الصلاة والسلام: لَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ (1)؛ إذ معناه: أَنَّهُ لَا يتمُّ إيمانُ أحدٍ الإيمانَ التامَّ الكامل (2)، حتَّى يَضُمَّ إلى سلامةَ النَّاسِ منه إرادته الخيرِ لهم، والنُّصحَ لجميعهم فيما يحاوله معهم. ويستفادُ من الحديث الأوَّل: أنَّ الأصلَ في الحقوقِ النفسيَّة والماليَّة المنعُ؛ فلا يحلُّ شيءٌ منها إلَاّ بوجهٍ شرعيٍّ، واللهُ تعالى أعلَمُ بغيبه وأحكم.

* * *

(1) رواه أحمد (3/ 176، 272، 278)، والبخاري (13)، ومسلم (45)، والترمذي (2517)، والنسائي (8/ 115)، وابن ماجه (66).

(2)

قوله: الإيمان التام الكامل، من (ط).

ص: 224