المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

(2) كتاب الطهارة

(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

[166]

عَن أَبِي مَالِكٍ الأَشعَرِيِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الطُّهُورُ شَطرُ الإِيمَانِ،

ــ

(2)

كتاب الطهارةِ

(1)

باب: فضل الطهارة

(قوله عليه الصلاة والسلام: الطهور شطر الإيمان) الطَّهُور بفتح الطاء: الاسم، وبضمها: المصدر، ومنه قوله تعالى:{وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} . وكذلك الوضوء والوقود والوَجور (1) والفطور (2) الفتح للاسم، والضم للمصدر.

وحكي عن الخليل في الوضوء الفتح فيهما، ولم يعرف الضم، قال ابن الأنباري: والأول هو المعروف والذي عليه أهل اللغة. فأما الغسل

(1)"الوجور": الدواء يُصَبُّ في الحَلْق.

(2)

ساقط من (ع).

ص: 473

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالفتح للمصدر، والضم للماء، عكس الوضوء، على ما حكاه الجوهري، وقد قيل في الغسل ما قيل في الوضوء.

والطهور والطهارة مصدران بمعنى: النظافة. تقول العرب: طَهَرَ الشيء: بفتح الهاء وضمها، يطهُر بضَمِّها لا غير طهارةً وطهورًا، كما تقول: نظف ينظف نظافةً، ونزه ينزه نزاهَةً، بضمها لا غير، وهي التنزه عن المستخبثات المحسوسة والمعنوية، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا. والشطر: النصفُ، وقد تقدم، والشطر أيضًا: النحو والقَصد، ومنه: شَطرَ المَسجِدِ الحَرَامِ وقول الشاعِر (1):

أقول لأم زنباع أقيمي

صدُور العيس شطرَ بني تميم

أي: نحوهم، ويقال: شطر عنه؛ أي: بعُدَ، وشطر إليهِ؛ أي: أقبل. والشاطر من الشبان: البعيد من الخير.

وقد اختُلِف في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: الطَهُور شطر الإيمان؛ على أقوالٍ كثيرةٍ؛ أولاها: أن يقال: إنه أراد بالطهور الطهارةَ من الم تخبثات الظَاهرِة والباطنةِ. والشطرُ: النصف، والإيمان هنا: هو بالمعنى العام، كما قد دللنا عليه بقوله عليه الصلاة والسلام: الإيمان تصديق بالقلب، وإقرارٌ باللسان، وعملٌ بالأركان (2).

ولا شك أن هذا الإيمان ذو خصال كثيرة، وأحكام متعددةٍ، غير أنها منحصرةٌ فيما ينبغي التنزه والتطَهر منه، وهي كل ما نهى الشرع عنه، وفيما

(1) هو أبو زنباع الجذامي.

(2)

رواه الخطيبُ في تاريخه (9/ 386)، وفيه عبد الله بن أحمد الطائي، لم يكن بالمرضي. وذكر الذهبي أوله في ميزان الاعتدال (2/ 616) وفيه عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، ليس بثقة.

ص: 474

وَالحَمدُ لِلَّهِ تَملأُ المِيزَانَ، وَسُبحَانَ اللهِ وَالحَمدُ لِلَّهِ تَملآنِ - أَو تَملأُ - مَا بَينَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ،

ــ

ينبغي التلبس والاتصاف به، وهي: كل ما أمر الشَّرعُ به، فهذان الصنفان عبر عن أحدهما بالطهارة على مستعمل اللغة، وهذا كما قد روي مرفُوعًا: الإيمان نصفان: نصف شكر ونصف صبر (1)، وقد قيل: إن الطهارة الشرعية لما كانت تكفر الخطايا السابقة كانت كالإيمان الذي يجبُّ ما قبله؛ فكانت شطر الإيمان بالنسبة إلى محو الخطايا، وهذا فيه بعدٌ؛ إذ الصلاة وغيرها من الأعمال الصالحة تكفر الخطايا؛ فلا يكون لخصوصية الطهارة بذلك معنًى. ثم لا يصح أيضًا معنى كون الطهارة نصف الإيمان بذلك الاعتبار؛ لأنها إنما تكون مثلاً له في التكفير، ولا يقال على المثل للشيء: شطره، وقيل: إن الإيمان هنا يراد به الصلاة، كما قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم؛ أي: صلاتكم على قول المفسرين، ومعناه على هذا: أن الصلاة لما كانت مفتقرة إلى الطَّهارة كانت كالشطر لها، وهذا أيضًا فاسد؛ إذ لا يكون شرط الشيء شطره لا لغة ولا معنًى، فالأولى التأويل الأول، والله أعلم.

فإن قيل: كل ما ذكرتم مبني على أن المراد بالطهور: الطهارة، وذلك لا يصح؛ لأنه لم يروه أحدٌ فيما علمناه: الطُّهور، بالضم، وإنما روي بالفتح، فإذا هو الاسم على ما تقدم. قلنا: يصح أن يقال: يحمل هذا على مذهب الخليل كما تقدَّم، ويُمكن حمله على المعروف، ويراد به استعمال الطَّهور شطر الإيمان.

و(قوله: والحمد لله تملأ الميزان) قد تقدم معنى الحمد، وأنه راجعٌ إلى الثناء على مُثنى مَّا بأوصاف كماله، فإذا حمد الله حامدٌ مستحضرًا معنى الحمد في

(1) رواه الديلمي في الفردوس (378)، والقضاعي في الشهاب (112)، والبيهقي في الشعب (9715)، وانظر: فيض القدير (3/ 188) من حديث أنس رضي الله عنه. وفيه: عتبة بن السكن: متروك، ويزيد بن أبان: متروك أيضًا.

ص: 475

وَالصَّلاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرهَانٌ،

ــ

قلبه امتلأ ميزانه من الحسنات، فإن أضاف إلى ذلك: سبحان الله، الذي معناه تبرئة الله، وتنزيهه عن كل ما لا يليق به من النقائص، ملأت حسناته وثوابها زيادة (1) على ذلك ما بين السماوات والأرض؛ إذ الميزان مملوء بثواب التحميد، وذكر السماوات والأرض على جهة الإغياء (2) على العادة العربية، والمرادُ: أن الثواب على ذلك كثيرٌ جدًّا، بحيث لو كان أجسامًا لَمَلأ ما بين السماوات والأرض.

و(قوله: والصلاة نور) معناه: أن الصلاةَ إذا فعلت بشروطها: المصححة والمكملة نوّرت القلب؛ بحيث تشرق فيه أنوار المكاشفات والمعارف، حتى ينتهي أمر من يراعيها حق رعايتها أن يقول: وجعلت قرة عيني في الصلاة (3). وأيضًا: فإنها تنوِّر بين يدي مراعيها يوم القيامة في تلك الظلم، وأيضًا: تنوَّر وجه المصلي يوم القيامة، فيكون ذا غرةٍ وتحجيل، كما قد ورد في حديث عبد الله بن بسر مرفوعًا: أمتي يوم القيامة غر من السجود محجلون من الوضوء (4).

و(قوله: والصدقة برهان) أي: على صحة إيمان المتصدق، أو على أنه ليس من المنافقين الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات، أو على صحة محبةِ المتصدق لله تعالى، ولما لديه من الثواب؛ إذ قد آثر محبة الله تعالى وابتغاء ثوابه، على ما جُبل عليه من حُبّ الذهب والفضّة؛ حتى أخرَجُه لله تعالى.

(1) في (ع) زائد.

(2)

"الإغياء": أغيا الرجل: بلغ الغاية.

(3)

سبق تخريجه ص (143).

(4)

رواه أبو أحمد الحاكم وقال: غريب. (كنز العمال 34534). وانظره في فيض القدير (2/ 184).

ص: 476

وَالصَّبرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرآنُ حُجَّةٌ لَكَ أو عَلَيكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغدُو، فَبَائعٌ نَفسَهُ، فَمُعتِقُهَا أو مُوبِقُهَا.

ــ

و(قوله: والصبر ضياء) كذا صحت روايتنا فيه، وقد رَوَاهُ بعض المشايخ: والصوم ضياء بالميم، ولم تقع لنا تلك الرواية، على أنه يصح أن يُعبر بالصبر عن الصوم، وقد قيل ذلك في قوله تعالى: وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلَاةِ فإن تنزلنا على ذلك؛ فيقال في كون الصبر ضياء؛ كما قيل في كون الصلاة نورًا، وحينئذ لا يكون بين النور والضياء فرق معنوي بل لفظي. والأولى أن يقال: إن الصبر في هذا الحديث غير الصوم؛ بل هو الصَّبر على العبادات والمشاق والمصائب، والصبر عن المخالفات، والمنهيات، كاتباع هوى النفس والشهوات وغير ذلك، فمن كان صابرًا في تلك الأحوال، متثبتًا فيها، مقابلاً لكُلِّ حالٍ بما يليق به ضاءت له عواقب أحواله، ووضحت له مصالح أعماله، فظفر بمطلوبه، وحصل له من الثواب على مرغوبه، كما قيل:

فَقَل من جدَّ في أمر تطلبه (1)

واستعمل الصبر إلا فاز بالظفر

و(قوله: والقرآن حجة لك أو عليك) يعني: أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجَّة لك في المواقف التي تسأل فيها عنه، كمسألة الملكين في القبر، والمسألة عند الميزان، وفي عقبات الصراط، وإن لم تمتثل ذلك احتجّ به عليك، ويحتمل أن يراد به: أن القرآن هو الذي يُنتهى إليه عند التَنازُع في المباحث الشرعيَّة والوقائع الحكمية، فبه تَستَدلُّ على صحة دعواك، وبه يستدل عليك خصمك.

و(قوله: كل الناس يغدو. . الحديث) يغدو بمعنى: يبكر، يقال:

(1) في (ل) و (م): يطالبه، والمثبت من (ع).

ص: 477

رواه أحمد (5/ 342 و 343 و 344)، ومسلم (223)، والترمذي (3517)، والنسائي (5/ 5 - 6).

[167]

وَعَن مُصعَبِ بنِ سَعدٍ؛ قَالَ: دَخَلَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ عَلَى ابنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وهو مَرِيضٌ، فَقَالَ: أَلا تَدعُو اللهَ لِي يَا ابنَ عُمَرَ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لا تُقبَلُ صَلاةٌ بِغَيرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةٌ مِن

ــ

غدا إذا خرج صباحًا في مصالحه، يغدو. وراح: إذا رجع بعشي، ومعنى ذلك أن كل إنسان يصبح ساعيًا في أموره مُتصرفًا في أغراضه، ثم إما أن تكون تصرفاته بحسب دواعي الشرع والحق، فهو الذي يبيع نفسه من الله، وهو بيع آيل إلى عتق وحرية، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأَموَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ. وإما أن تكون تصرفاته بحسب دواعي الهوى والشيطان، فهو الذي باع نفسه من الشيطان فأوبقها؛ أي: أهلكها، ومنه: أَو يُوبِقهُنَّ بِمَا كَسَبُوا. ومنه قول ابن مسعود: الناس غاديان، فبائع نفسه فموبقها، أو مفاديها فمعتقها (1).

و(قوله: لا يقبل الله صلاة بغير طهور) دليلٌ لمالكٍ وابن نافع على قولهما: إن من عدم الماء والصَعيدَ لم يصلِّ، ولم يقضِ إن خرج وقت الصلاة؛ لأن عدم قبولها لعدم شرطها يدلّ على أنه ليس مخاطبًا بها حالة عدم شرطِها فلا يترتب شيء في الذمة، فلا تقضى؛ وعلى هذا فتكون الطهارة من شروط الوجوب. واختلف أصحاب مالك في هذه المسألة لاختلافهم في هذا الأصل، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 236): رواه الطبراني، وإسناده جيد.

ص: 478

غُلُولٍ، وَكُنتَ عَلَى البَصرَةِ.

رواه أحمد (2/ 57)، ومسلم (224)، والترمذي (1).

[168]

وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا تُقبَلُ صَلاةُ أَحَدِكُم إِذَا أَحدَثَ، حَتَّى يَتَوَضَّأَ.

رواه أحمد (2/ 308)، والبخاري (135)، ومسلم (225)، وأبو داود (60)، والترمذي (76).

* * *

ــ

والغلول هنا: الخيانة مطلقًا، والمال الحرام. وذِكر ابن عمر هذا الحديث لابن عامر حين سأله في الدعاء، إنما كان على جهةِ الوعظ والتذكير، حتى يخرج عن المظالم، وكأنه يشير له إلى أن الدعاء مع الاستمرار على المظالم لا ينفع، كما لا تنفع صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول.

و(قوله: وكنتَ على البَصرَة) تنبيه على الزمان الذي تعلقت به فيه الحقوق، حتى يحاسب نفسه على تلك المدة، فيتخلص مما ترتب عليه فيها.

و(قوله: لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) الحدث هنا كناية عما يخرج من السبيلين معتادًا في جنسه وأوقاته (1)، عند مالكٍ وجُلِّ أصحابه، وقال ابن عبد الحكم والشافعي: المعتبر الخارج النجس من المخرجين. وقال أبو حنيفة: المعتبر الخارج النجس وحده، فمن أي مَحلٍّ خرج نقض وأوجب.

(1) الأوقات تُطلق على الأزمان والأماكن، والمقصود بها هنا: الأماكن.

ص: 479