الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) كتاب الطهارة
(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة
[166]
عَن أَبِي مَالِكٍ الأَشعَرِيِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الطُّهُورُ شَطرُ الإِيمَانِ،
ــ
(2)
كتاب الطهارةِ
(1)
باب: فضل الطهارة
(قوله عليه الصلاة والسلام: الطهور شطر الإيمان) الطَّهُور بفتح الطاء: الاسم، وبضمها: المصدر، ومنه قوله تعالى:{وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} . وكذلك الوضوء والوقود والوَجور (1) والفطور (2) الفتح للاسم، والضم للمصدر.
وحكي عن الخليل في الوضوء الفتح فيهما، ولم يعرف الضم، قال ابن الأنباري: والأول هو المعروف والذي عليه أهل اللغة. فأما الغسل
(1)"الوجور": الدواء يُصَبُّ في الحَلْق.
(2)
ساقط من (ع).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فالفتح للمصدر، والضم للماء، عكس الوضوء، على ما حكاه الجوهري، وقد قيل في الغسل ما قيل في الوضوء.
والطهور والطهارة مصدران بمعنى: النظافة. تقول العرب: طَهَرَ الشيء: بفتح الهاء وضمها، يطهُر بضَمِّها لا غير طهارةً وطهورًا، كما تقول: نظف ينظف نظافةً، ونزه ينزه نزاهَةً، بضمها لا غير، وهي التنزه عن المستخبثات المحسوسة والمعنوية، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا. والشطر: النصفُ، وقد تقدم، والشطر أيضًا: النحو والقَصد، ومنه: شَطرَ المَسجِدِ الحَرَامِ وقول الشاعِر (1):
أقول لأم زنباع أقيمي
…
صدُور العيس شطرَ بني تميم
أي: نحوهم، ويقال: شطر عنه؛ أي: بعُدَ، وشطر إليهِ؛ أي: أقبل. والشاطر من الشبان: البعيد من الخير.
وقد اختُلِف في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: الطَهُور شطر الإيمان؛ على أقوالٍ كثيرةٍ؛ أولاها: أن يقال: إنه أراد بالطهور الطهارةَ من الم تخبثات الظَاهرِة والباطنةِ. والشطرُ: النصف، والإيمان هنا: هو بالمعنى العام، كما قد دللنا عليه بقوله عليه الصلاة والسلام: الإيمان تصديق بالقلب، وإقرارٌ باللسان، وعملٌ بالأركان (2).
ولا شك أن هذا الإيمان ذو خصال كثيرة، وأحكام متعددةٍ، غير أنها منحصرةٌ فيما ينبغي التنزه والتطَهر منه، وهي كل ما نهى الشرع عنه، وفيما
(1) هو أبو زنباع الجذامي.
(2)
رواه الخطيبُ في تاريخه (9/ 386)، وفيه عبد الله بن أحمد الطائي، لم يكن بالمرضي. وذكر الذهبي أوله في ميزان الاعتدال (2/ 616) وفيه عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، ليس بثقة.
وَالحَمدُ لِلَّهِ تَملأُ المِيزَانَ، وَسُبحَانَ اللهِ وَالحَمدُ لِلَّهِ تَملآنِ - أَو تَملأُ - مَا بَينَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ،
ــ
ينبغي التلبس والاتصاف به، وهي: كل ما أمر الشَّرعُ به، فهذان الصنفان عبر عن أحدهما بالطهارة على مستعمل اللغة، وهذا كما قد روي مرفُوعًا: الإيمان نصفان: نصف شكر ونصف صبر (1)، وقد قيل: إن الطهارة الشرعية لما كانت تكفر الخطايا السابقة كانت كالإيمان الذي يجبُّ ما قبله؛ فكانت شطر الإيمان بالنسبة إلى محو الخطايا، وهذا فيه بعدٌ؛ إذ الصلاة وغيرها من الأعمال الصالحة تكفر الخطايا؛ فلا يكون لخصوصية الطهارة بذلك معنًى. ثم لا يصح أيضًا معنى كون الطهارة نصف الإيمان بذلك الاعتبار؛ لأنها إنما تكون مثلاً له في التكفير، ولا يقال على المثل للشيء: شطره، وقيل: إن الإيمان هنا يراد به الصلاة، كما قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم؛ أي: صلاتكم على قول المفسرين، ومعناه على هذا: أن الصلاة لما كانت مفتقرة إلى الطَّهارة كانت كالشطر لها، وهذا أيضًا فاسد؛ إذ لا يكون شرط الشيء شطره لا لغة ولا معنًى، فالأولى التأويل الأول، والله أعلم.
فإن قيل: كل ما ذكرتم مبني على أن المراد بالطهور: الطهارة، وذلك لا يصح؛ لأنه لم يروه أحدٌ فيما علمناه: الطُّهور، بالضم، وإنما روي بالفتح، فإذا هو الاسم على ما تقدم. قلنا: يصح أن يقال: يحمل هذا على مذهب الخليل كما تقدَّم، ويُمكن حمله على المعروف، ويراد به استعمال الطَّهور شطر الإيمان.
و(قوله: والحمد لله تملأ الميزان) قد تقدم معنى الحمد، وأنه راجعٌ إلى الثناء على مُثنى مَّا بأوصاف كماله، فإذا حمد الله حامدٌ مستحضرًا معنى الحمد في
(1) رواه الديلمي في الفردوس (378)، والقضاعي في الشهاب (112)، والبيهقي في الشعب (9715)، وانظر: فيض القدير (3/ 188) من حديث أنس رضي الله عنه. وفيه: عتبة بن السكن: متروك، ويزيد بن أبان: متروك أيضًا.
وَالصَّلاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرهَانٌ،
ــ
قلبه امتلأ ميزانه من الحسنات، فإن أضاف إلى ذلك: سبحان الله، الذي معناه تبرئة الله، وتنزيهه عن كل ما لا يليق به من النقائص، ملأت حسناته وثوابها زيادة (1) على ذلك ما بين السماوات والأرض؛ إذ الميزان مملوء بثواب التحميد، وذكر السماوات والأرض على جهة الإغياء (2) على العادة العربية، والمرادُ: أن الثواب على ذلك كثيرٌ جدًّا، بحيث لو كان أجسامًا لَمَلأ ما بين السماوات والأرض.
و(قوله: والصلاة نور) معناه: أن الصلاةَ إذا فعلت بشروطها: المصححة والمكملة نوّرت القلب؛ بحيث تشرق فيه أنوار المكاشفات والمعارف، حتى ينتهي أمر من يراعيها حق رعايتها أن يقول: وجعلت قرة عيني في الصلاة (3). وأيضًا: فإنها تنوِّر بين يدي مراعيها يوم القيامة في تلك الظلم، وأيضًا: تنوَّر وجه المصلي يوم القيامة، فيكون ذا غرةٍ وتحجيل، كما قد ورد في حديث عبد الله بن بسر مرفوعًا: أمتي يوم القيامة غر من السجود محجلون من الوضوء (4).
و(قوله: والصدقة برهان) أي: على صحة إيمان المتصدق، أو على أنه ليس من المنافقين الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات، أو على صحة محبةِ المتصدق لله تعالى، ولما لديه من الثواب؛ إذ قد آثر محبة الله تعالى وابتغاء ثوابه، على ما جُبل عليه من حُبّ الذهب والفضّة؛ حتى أخرَجُه لله تعالى.
(1) في (ع) زائد.
(2)
"الإغياء": أغيا الرجل: بلغ الغاية.
(3)
سبق تخريجه ص (143).
(4)
رواه أبو أحمد الحاكم وقال: غريب. (كنز العمال 34534). وانظره في فيض القدير (2/ 184).
وَالصَّبرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرآنُ حُجَّةٌ لَكَ أو عَلَيكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغدُو، فَبَائعٌ نَفسَهُ، فَمُعتِقُهَا أو مُوبِقُهَا.
ــ
و(قوله: والصبر ضياء) كذا صحت روايتنا فيه، وقد رَوَاهُ بعض المشايخ: والصوم ضياء بالميم، ولم تقع لنا تلك الرواية، على أنه يصح أن يُعبر بالصبر عن الصوم، وقد قيل ذلك في قوله تعالى: وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلَاةِ فإن تنزلنا على ذلك؛ فيقال في كون الصبر ضياء؛ كما قيل في كون الصلاة نورًا، وحينئذ لا يكون بين النور والضياء فرق معنوي بل لفظي. والأولى أن يقال: إن الصبر في هذا الحديث غير الصوم؛ بل هو الصَّبر على العبادات والمشاق والمصائب، والصبر عن المخالفات، والمنهيات، كاتباع هوى النفس والشهوات وغير ذلك، فمن كان صابرًا في تلك الأحوال، متثبتًا فيها، مقابلاً لكُلِّ حالٍ بما يليق به ضاءت له عواقب أحواله، ووضحت له مصالح أعماله، فظفر بمطلوبه، وحصل له من الثواب على مرغوبه، كما قيل:
فَقَل من جدَّ في أمر تطلبه (1)
…
واستعمل الصبر إلا فاز بالظفر
و(قوله: والقرآن حجة لك أو عليك) يعني: أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجَّة لك في المواقف التي تسأل فيها عنه، كمسألة الملكين في القبر، والمسألة عند الميزان، وفي عقبات الصراط، وإن لم تمتثل ذلك احتجّ به عليك، ويحتمل أن يراد به: أن القرآن هو الذي يُنتهى إليه عند التَنازُع في المباحث الشرعيَّة والوقائع الحكمية، فبه تَستَدلُّ على صحة دعواك، وبه يستدل عليك خصمك.
و(قوله: كل الناس يغدو. . الحديث) يغدو بمعنى: يبكر، يقال:
(1) في (ل) و (م): يطالبه، والمثبت من (ع).
رواه أحمد (5/ 342 و 343 و 344)، ومسلم (223)، والترمذي (3517)، والنسائي (5/ 5 - 6).
[167]
وَعَن مُصعَبِ بنِ سَعدٍ؛ قَالَ: دَخَلَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ عَلَى ابنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وهو مَرِيضٌ، فَقَالَ: أَلا تَدعُو اللهَ لِي يَا ابنَ عُمَرَ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لا تُقبَلُ صَلاةٌ بِغَيرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةٌ مِن
ــ
غدا إذا خرج صباحًا في مصالحه، يغدو. وراح: إذا رجع بعشي، ومعنى ذلك أن كل إنسان يصبح ساعيًا في أموره مُتصرفًا في أغراضه، ثم إما أن تكون تصرفاته بحسب دواعي الشرع والحق، فهو الذي يبيع نفسه من الله، وهو بيع آيل إلى عتق وحرية، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأَموَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ. وإما أن تكون تصرفاته بحسب دواعي الهوى والشيطان، فهو الذي باع نفسه من الشيطان فأوبقها؛ أي: أهلكها، ومنه: أَو يُوبِقهُنَّ بِمَا كَسَبُوا. ومنه قول ابن مسعود: الناس غاديان، فبائع نفسه فموبقها، أو مفاديها فمعتقها (1).
و(قوله: لا يقبل الله صلاة بغير طهور) دليلٌ لمالكٍ وابن نافع على قولهما: إن من عدم الماء والصَعيدَ لم يصلِّ، ولم يقضِ إن خرج وقت الصلاة؛ لأن عدم قبولها لعدم شرطها يدلّ على أنه ليس مخاطبًا بها حالة عدم شرطِها فلا يترتب شيء في الذمة، فلا تقضى؛ وعلى هذا فتكون الطهارة من شروط الوجوب. واختلف أصحاب مالك في هذه المسألة لاختلافهم في هذا الأصل، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 236): رواه الطبراني، وإسناده جيد.
غُلُولٍ، وَكُنتَ عَلَى البَصرَةِ.
رواه أحمد (2/ 57)، ومسلم (224)، والترمذي (1).
[168]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا تُقبَلُ صَلاةُ أَحَدِكُم إِذَا أَحدَثَ، حَتَّى يَتَوَضَّأَ.
رواه أحمد (2/ 308)، والبخاري (135)، ومسلم (225)، وأبو داود (60)، والترمذي (76).
* * *
ــ
والغلول هنا: الخيانة مطلقًا، والمال الحرام. وذِكر ابن عمر هذا الحديث لابن عامر حين سأله في الدعاء، إنما كان على جهةِ الوعظ والتذكير، حتى يخرج عن المظالم، وكأنه يشير له إلى أن الدعاء مع الاستمرار على المظالم لا ينفع، كما لا تنفع صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول.
و(قوله: وكنتَ على البَصرَة) تنبيه على الزمان الذي تعلقت به فيه الحقوق، حتى يحاسب نفسه على تلك المدة، فيتخلص مما ترتب عليه فيها.
و(قوله: لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) الحدث هنا كناية عما يخرج من السبيلين معتادًا في جنسه وأوقاته (1)، عند مالكٍ وجُلِّ أصحابه، وقال ابن عبد الحكم والشافعي: المعتبر الخارج النجس من المخرجين. وقال أبو حنيفة: المعتبر الخارج النجس وحده، فمن أي مَحلٍّ خرج نقض وأوجب.
(1) الأوقات تُطلق على الأزمان والأماكن، والمقصود بها هنا: الأماكن.