المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(44) باب إثم من اقتطع حق امرئ بيمينه - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(44) باب إثم من اقتطع حق امرئ بيمينه

(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

[105]

عَن أَبِي أُمَامَةَ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ مُسلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَد أَوجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيهِ الجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِن كَانَ شَيئًا يَسِيرًا، يَا رَسُولَ اللهِ؟ ! قَالَ: وَإِن كان قَضِيبًا مِن أَرَاكٍ.

رواه أحمد (5/ 260)، ومسلم (137)، والنسائي (8/ 246).

[106]

وَعَن عَلقَمَةَ بنِ وَائِلٍ، عَن أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِن حَضرَمَوتَ وَرَجُلٌ مِن كِندَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الحَضرَمِيُّ: يَا رسولَ الله، إِنَّ هَذَا قَد غَلَبَنِي عَلَى أَرضٍ لِي كَانَت لِأَبِي، قَالَ الكِندِيُّ:

ــ

(44)

وَمِن بَابِ إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

اقتَطَعَ: من القطع، وهو الأَخذُ هنا؛ لأنَّ مَن أخَذَ شيئًا لنفسه، فقد قطَعَهُ عن مالكه.

و(قوله: فَقَد أَوجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ) أي: إن كان مستَحِلاًّ لذلك، فإن كان غيرَ مستحلٍّ، وكان ممَّن لم يغفرِ اللهُ له، فيعذِّبُهُ اللهُ في النار ما شاء من الآباد، وفيها تحرِّمُ عليه الجنةَ، ثم يكونُ حاله كحالِ أهلِ الكبائر من الموحِّدين؛ على ما تقدَّم.

ويستفادُ من هذا الحديث: أنَّ اليمينَ الغَمُوسَ لا يَرفَعُ إثمَهَا الكَفَّارةُ، بل هي أعظَمُ مِن أن يُكفِّرَهَا شيءٌ، كما هو مذهبُ مالك، على ما يأتي في الأيمان إن شاء الله تعالى.

و(قوله: إِنَّ هَذَا قَد غَلَبَنِي عَلَى أَرضٍ لِي كَانَت لِأَبِي) وفي الرواية الأخرى: انتَزَى، بمعنى غلب، وهو من النَّزو، وهو الارتفاعُ، وهو دليلٌ على

ص: 347

هِيَ أَرضي فِي يَدِي أَزرَعُهَا، لَيسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلحَضرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَال: لا، قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ، قَالَ: يَا رسولَ الله،

ــ

أنَّ المُدَّعِيَ لا يلزمُهُ تحديدُ المُدَّعَى به إن كان مما يُحَدُّ، ولا أن يصفه بجميعِ أوصافه كما يوصفُ المُسلَمُ فيه، بل يكفي من ذلك أن يتميَّز المدعَى به تمييزًا تنضبطُ به الدعوى، وهو مذهبُ مالك.

خلافًا لما ذهَبَت الشافعيَّة إليه؛ حيثُ ألزموا المدعيَ أن يَصِفَ المُدَّعَى به (1) بحدودِهِ وأوصافِهِ المعيَّنةِ التامَّة، كما يوصفُ المُسلَمُ فيه. وهذا الحديثُ حُجَّةٌ عليهم؛ أَلَا ترى أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يُكَلِّفهُ تحديدَ الأرضِ ولا تعيينَهَا، بل لمَّا كانتِ الدعوَى متميِّزةً في نفسها، اكتفَى بذلك.

وظاهرُ هذا الحديثِ: أنَّ والد المدَّعِي قد كان توفِّي، وأنَّ الأرضَ صارت للمدَّعِي بالميراث، ومع ذلك فلم يطالبه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإثباتِ الموتِ ولا بِحَصرِ الورثة؛ فَيَحتملُ أن يقال: إنَّ ذلك كان معلومًا عندهم، وَيَحتملُ أن يقالَ: لا يلزمُهُ إثباتُ شيء من ذلك، ما لم يناكرهُ خَصمه، والله أعلم.

وفيه دليلٌ على أنَّ مَن نسَبَ خَصمَهُ إلى الغَصبِ حالةَ المحاكمة، لم يُنكِرِ الحاكمُ عليه، إلا أن يكونَ المقولُ له ذلك لا يَلِيقُ به.

و(قوله: هِيَ أَرضِي فِي يَدِي أَزرَعُهَا، لَيسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ) دليلٌ على أنَّ المدعَى فيه لا يُنتَزَعُ من يدِ صاحبِ اليدِ لمجرَّدِ الدعوَى، وأنَّه لا يُسأَلُ عن سببِ يدِهِ، ولا عن سببِ ملكه.

وقوله للحضرمي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ وفي الطريق الأخرى: شَاهِدَاكَ أو يَمِينُهُ، دليلٌ على أنَّ المدعي يلزمُهُ إقامةُ البيِّنة، فإن لم يُقِمهَا، حَلَفَ المدعى عليه؛ وهو أمرٌ متَّفَقٌ عليه، وهو مستفادٌ من هذا الحديث.

فأمَّا ما يُروَى عن النبي صلى الله عليه وسلم من

(1) ما بين حاصرتين يساقط من (ع).

ص: 348

إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ، لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيهِ، وَلَيسَ يَتَوَرَّعُ مِن شَيءٍ، فَقَالَ: لَيسَ لَكَ مِنهُ إِلَاّ ذَلِكَ، فَانطَلَقَ لِيَحلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

قوله: البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمِينُ عَلَى مَن أَنكَرَ (1)، فليس بصحيحِ الرواية؛ لأنَّه يدورُ على مسلمِ بنِ خالدٍ الزَّنجِيِّ، ولا يُحتَجُّ به (2)، لكنَّ معنى متنه صحيحٌ بشهادةِ الحديثِ المتقدِّم له، وبحديثِ ابنِ عبَّاس الذي قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه: وَلَكِنِ اليَمِينُ عَلَى مَن أَنكَرَ (3).

وفيه: حجةٌ لمن لا يشترطُ الخِلطَةَ في توجُّه اليمينِ على المدعَى عليه، وقد اشترَطَ ذلك مالكٌ، واعتُذِرَ له عن هذا الحديث: بأنَّها قضيةٌ في عَينٍ، ولعلَّه صلى الله عليه وسلم عَلِمَ بينهما خِلطةً، فلم يطالبهُ بإثباتها، والله تعالى أعلم.

و(قوله: إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيهِ، وَلَيسَ يَتَوَرَّعُ مِن شَيءٍ) الفاجر: هو الكاذبُ الجريءُ على الكذب، والوَرَعُ: الكَفُّ، ومنه قولُهُم: رَوِّعُوا اللِّصَّ وَلَا تُورِعُوه أي: لا تنكفُّوا عنه. وظاهر هذا الحديث: أنَّ ما يجري بين المتخاصمَينِ في مجلس الحكم مِن مثلِ هذا السَّبِّ والتقبيحِ: جائزٌ، ولا شيءَ فيه؛ إِذ لم يُنكِر ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ وإلى هذا ذهَبَ بعضُ أهل العلم. والجمهورُ: لا يُجِيزون شيئًا من ذلك، ويَرَونَ إنكارَ ذلك ويؤدِّبون عليه؛ تمسُّكًا بقاعدةِ تحريمِ السبابِ والأعراضِ.

واعتذَرُوا عن هذا الحديث: بأنَّه مُحتمِلٌ لأن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم علم أنَّ المقولَ له ذلك القولُ كان كما قِيلَ له؛ فكان القائلُ صادقًا ولم يَقصِد أذاه بذلك، وإنَّما قصَدَ منفعةً يستخرجها، فلعلَّه إذا شُنِّعَ عليه، فقد ينزجرُ بذلك، فيرجعُ به للحق. ويَحتملُ: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تركَهُ ولم يَزجُرهُ؛ لأنَّ المقولَ له لم يَطلُب حقَّه في ذلك، والله أعلم.

(1) رواه الترمذي (1341) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(2)

في هامش (م): في تقريب التهذيب: صدوق كثير الأوهام، من الثامنة، مات (179 هـ) أو بعدها.

(3)

رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 252).

ص: 349

لَمَّا أَدبَرَ: أَمَا لَئِن حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأكُلَهُ ظُلمًا، لَيَلقَيَنَّ اللهَ وهو عَنهُ مُعرِضٌ.

رواه مسلم (139)، وأبو داود (3245)، والترمذي (1340).

[107]

ومِن حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَن

ــ

و(قوله: شَاهِدَاكَ أو يَمِينُهُ) دليلٌ على اشتراطِ العددِ في الشهادة، وعلى انحصارِ طُرُقِ الحِجَاجِ في الشاهد واليمين، ما لم يَنكُلِ المُدَّعَى عليه عن اليمين، فإن نَكَلَ، حلَفَ المدَّعي واستحَقَّ المدعَى فيه، فإن نكل، فلا حُكمَ، ويُترَكُ المدعَى فيه في يد مَن كان بيده، وسيأتي القولُ في الشاهد واليمين.

و(قوله: لَيَلقَيَنَّ اللهَ وهو عَنهُ مُعرِضٌ) أي: إعراضَ الغضبان، كما قال في الحديث الآخر: وهو عَلَيهِ غَضبَانُ. وقد تقدَّم القولُ في غضبِ الله تعالى وفي رضاه، وأنَّ ذلك محمولٌ إمَّا (1) على إرادةِ عقابِ المغضوبِ عليه وإبعادِهِ، وإرادةِ إكرامِ المرضِيِّ عنه. أو على ثَواب تلك الإرادة، وهو الإكرامُ أو الانتقامُ. وفيه: دليلٌ على نَدبِيَّةِ وَعظِ المُقدِمِ على اليمين.

و(قوله: فَانطَلَقَ لِيَحلِفَ) دليلٌ على أنَّ اليمينَ لا تُبذَلُ أمام الحاكم، بل لها موضعٌ مخصوص، وهو أعظَمُ مواضعِ ذلك البلد؛ كالبيتِ بمكَّة، ومِنبَرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ومَسجِدِ بيت المَقدِس، وفي المساجِدِ الجامعةِ من سائرِ الأمصار؛ لكنَّ ذلك فيما ليس بتافِهٍ، وهو مما لا تُقطَعُ فيه يَدُ السارق، وهو أَقَلُّ من رُبُعِ دينار عند مالكٍ؛ فيحلَّفُ فيه حيثُ كان مستقبِلَ القبلة، وفي ربعِ الدينار فصاعدًا؛ لا يُحَلَّفُ إلا في تلك المواضع، وخالفه أبو حنيفة في ذلك، فقال: لا تكونُ اليمينُ إلا حيثُ كان الحاكم.

وظاهرُ هذا الحديث: أنَّ المدعَى عليه إذا حلَفَ، انقطعَت حجةُ خَصمه، وبقي المدعَى فيه بيدِهِ، وعلى ملكِهِ في ظاهر الأمر، غيرَ أنَّه لا يَحكُمُ له الحاكمُ بملك ذلك؛ فإنَّ غايتَهُ أنه حائز، ولم يَجد ما يزيله عن حَوزه، فلو سأل المطلوبُ تعجيزَ الطالبِ بحيثُ لا تَبقَى له حُجَّةٌ، فهل للحاكمِ تعجيزُهُ وقطعُ حُجَّته أم لا؟ قولان بالنفي والإثبات. وفي هذا الحديثِ أبوابٌ من علمِ القَضَاءِ لا تخفَى.

(1) ساقط من (ع).

ص: 350

حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبرٍ، يَقتَطِعُ بِهَا مَالَ امرِئٍ مُسلِمٍ، هو فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وهو عَلَيهِ غَضبَانُ، فَنَزَلَت: إِنَّ الَّذِينَ يَشتَرُونَ بِعَهدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِم ثَمَنًا قَلِيلًا، إِلَى آخِرِ الآيَةِ.

وَفِي أُخرَى: فَقَالَ: شَاهِدَاكَ أو يَمِينُهُ.

وَفِي أُخرَى: أَنَّ الكِندِيَّ هو: امرُؤُ القَيسِ بنُ عَابِسٍ، وَخَصمُهُ: رَبِيعَةُ بنُ عِبدَانَ، ويُقَالُ: ابنُ عَيدَانَ.

رواه أحمد (1/ 426)، والبخاري (6676)، ومسلم (138)، وأبو داود (3243)، والترمذي (2999)، وابن ماجه (2323).

* * *

ــ

و(قوله: فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَشتَرُونَ بِعَهدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِم ثَمَنًا قَلِيلًا عَهدُ اللهِ: هو ميثاقُهُ، وهو إيجابُهُ على المكلَّفين أن يقوموا بالحقِّ، ويعملوا بالعدل. والأيمانُ: جمعُ يمين، وهو الحَلِفُ بالله تعالى. ويشترون: يعتاضون؛ فكأنَّهم يُعطُونَ ما أوجَبَ الله عليهم مِن رعاية العهود والأيمان في شيءٍ قليلٍ حقيرٍ من عَرَضِ الدنيا. والخَلَاقُ: الحَظُّ والنصيب. ولَا يُكَلِّمُهُم، أي: بما يَسُرُّهم؛ إذ لا يكلِّمهم إعراضًا عنهم واحتقارًا لهم. ولا ينظُرُ إليهم نظَرَ رحمةٍ ولَا يُزَكِّيهِم، أي: لا يُثنِي عليهم كما يُثنِي على مَن تَزَكَّى، وقيل: لا يُطَهِّرهم من الذنوب. والأليم: المُوجِعُ الشديدُ الألم. وقد تقدَّم القولُ على يمين صبرٍ.

و(قوله: إِنَّ الكِندِيَّ هو: امرُؤُ القَيسِ بنُ عَابِسٍ، وَخَصمُهُ: رَبِيعَةُ بنُ عِبدَانَ) عَابِس: بالباءِ بواحدةٍ من تحتها بالسينِ المهملة. وعِبدَان: بكسرِ العينِ المهملة وباءٍ بواحدةٍ، هي رواية زُهَير. وقال أحمد بن حنبل: عَيدَان بفتح العين المهملة وياءٍ باثنتين من تحتها، وهو الصوابُ عند النُّقَّاد (1)؛ كالدارقطنيِّ، وابنِ مَاكُولَا، وأبي عليٍّ الغَسَّانِيِّ.

(1) ساقط من (م).

ص: 351