المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(29) باب أي الذنب أعظم؟ وذكر الكبائر - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(29) باب أي الذنب أعظم؟ وذكر الكبائر

(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

[68]

عَن عَبدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رسولَ الله، أَيُّ الذَّنبِ أَكبَرُ عِندَ اللهِ؟ قَالَ: أَن تَدعُو لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: أَن تَقتُلَ وَلَدَكَ؛ مَخَافَةَ أَن يَطعَمَ مَعَكَ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟

ــ

(29)

وَمِن بَابٍ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

(قوله: أَن تَدعُو لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ) النِّدُّ: المِثلُ، وجمعه: أنداد، وهو نحو قوله تعالى: فَلَا تَجعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُم تَعلَمُونَ ومعناه: أنَّ اتِّخَاذَ الإنسانِ إلهًا غيرَ خالقِهِ المُنعِمِ عليه، مع علمه بأنَّ ذلك المُتَّخَذَ ليس هو الذي خلقَهُ، ولا الذي أنعَمَ عليه: مِن أقبَحِ القبائح، وأعظمِ الجهالات؛ وعلى هذا فذلك أكبَرُ الكبائر، وأعظَمُ العظائم.

و(قوله: أَن تَقتُلَ وَلَدَكَ؛ مَخَافَةَ أَن يَطعَمَ مَعَكَ) هذا مِن أعظمِ الذنوب؛ لأنَّه قتلُ نفسٍ محرَّمةٍ شرعًا، محبوبةٍ طبعًا، مرحومةٍ عادةً؛ فإذا قتلها أبوها، كان ذلك دليلاً على غلبةِ الجَهلِ والبُخل، وغِلَظِ الطبعِ والقسوة، وأنَّه قد انتهَى من ذلك كلِّه إلى الغاية القُصوَى.

وهذا نحو قوله تعالى: وَلَا تَقتُلُوا أَولَادَكُم مِن إِملَاقٍ أي: فقرٍ، وهذا خطابٌ لمن كان فقره حاصلاً في الحال، فيخفّف عنه بقتلِ ولدِهِ مؤنتُهُ مِن طعامه ولوازمه، وهذه الآية بخلافِ الآية الأخرى التي قال فيها: خَشيَةَ إِملَاقٍ؛ فإنَّه خطابٌ لمن كان واجدًا لما يُنفِقُ عليه في الحال؛ غيرَ أنَّه كان يقتله مخافةَ الفقر في ثاني حال، وكان بعضُ جفاةِ الأعرابِ وجُهَّالُهُم ربَّما يفعلون ذلك. وقد قيل: إنَّ الأولاد في هاتَينِ الآيتَينِ هم البنات، كانوا يدفنونهنَّ أحياءً؛ أَنَفَةً وكبرًا، ومخافةَ العَيلَةِ والمَعَرَّة، وهي الموءودةُ

ص: 280

قَالَ: أَن تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ، فَأَنزَلَ اللهُ تَصدِيقَهَا: وَالَّذِينَ لَا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا.

رواه البخاري (6861)، ومسلم (86)، وأبو داود (2310)، والترمذي (3181).

ــ

التي ذكر الله تعالى: {وَإِذَا المَوءُودَةُ سُئِلَت * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت}

والحاصلُ: أنَّ أهلَ الجاهليَّةِ كانوا يصنعونَ كلَّ ذلك؛ فنهى الله تعالى عن ذلك، وعظَّم الإثمَ فيه والمعاقَبَةَ عليه، وأخبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ذلك مِن أعظمِ الكبائر.

و(قوله: وَأَن تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) الحَلِيلَةُ، بالحاء المهملة: هي التي يَحِلُّ وطؤها بالنكاح أو التسرِّي. والجار: المُجَاوِرُ في المسكن، والداخلُ في جوار العهد. وتُزَانِي: تحاولُ الزِّنَى، يقال: المرأةُ تزاني مُزَانَاة زنى (1)، والزِّنَى وإن كان من أكبر (2) الكبائرِ والفواحش، لكنَّه بحليلة الجارِ أفحشُ وأقبح؛ لما ينضمُّ إليه من خيانةِ الجار، وهَتكِ ما عظَّم الله ورسولُهُ مِن حرمته، وشِدَّةِ قبح ذلك شرعًا وعادة؛ فلقد كانتِ الجاهليةُ يتمدَّحون بصون حرائمِ الجار، ويَغُضُّون دونهم الأبصار؛ كما قال عنترة:

وَأَغُضُّ طَرفِي مَا بَدَت لِي جَارَتِي

حَتَّى يُوَارِي جَارَتِي مَأوَاهَا

و(قوله: فَأَنزَلَ اللهُ تَصدِيقَهَا: {وَالَّذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ} يعني إلى آخر الآية؛ ظاهِرُ هذا: أنَّ هذه الآيةَ نزلَت بسببِ هذا الذنبِ الذي ذكرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك؛ لأنَّ الترمذيَّ قد روى هذا الحديثَ، وقال فيه: وتلا النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذه الآيةَ: {وَالَّذِينَ لا

(1) لفظة (زنى) من (ع)، وفي (مر) من زنى، وسقطت من (ل) و (م).

(2)

من (ط).

ص: 281

[69]

وعَن أَبِي بَكرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِندَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُم بِأَكبَرِ الكَبَائِرِ؟ (ثَلَاثًا) الإِشرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَينِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، (أو: قَولُ الزُّورِ) وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلنَا: لَيتَهُ سَكَتَ! .

رواه أحمد (5/ 36 و 38)، والبخاري (2654)، ومسلم (87)، والترمذي (2302).

[70]

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: اجتَنِبُوا السَّبعَ المُوبِقَاتِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّركُ بِاللهِ، وَالسِّحرُ،

ــ

يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآيةَ، بدَلَ: فَأَنزَلَ اللهُ. .، وظاهرُهُ: أنَّه عليه الصلاة والسلام قرأ بعد ذِكرِ هذا الحديث ما قد كان أُنزِلَ منها، على أَنَّ الآيةَ تضمَّنَت ما ذكره في حديثِهِ بِحُكمِ عمومها، وسيأتي الكلامُ على هذه الآية في تفسيرِ سُورَةِ الفرقان.

و(قوله: وعُقُوقُ الوَالِدَينِ) عُقُوقُ الوَالِدَينِ عصيانُهُمَا، وقَطعُ البِرِّ الواجبِ عنهما، وأصلُ العَقِّ: الشقُّ والقطع، ومنه قيل للذبيحة عن المولود (1): عَقِيقَةٌ؛ لأنَّه يُشَقُّ حُلقُومها؛ قاله الهَرَوِيُّ وغيره.

وشَهَادَةُ الزُّورِ الشهادةُ بالكذب والباطل، وإنما كانت مِن أكبر الكبائر؛ لأنها يتوصَّلُ بها إلى إتلاف النفوسِ والأموال، وتحليلِ ما حرَّم الله، وتحريمِ ما حَلل الله، فلا شيءَ من الكبائر أعظَمُ ضررًا، ولا أكثَرُ فسادًا منها بعد الشرك، والله أعلم.

و(قوله: اجتَنِبُوا السَّبعَ المُوبِقَاتِ) أي: المُهلِكات، جمعُ مُوبِقَةٍ من

(1) في (ل): الولد.

ص: 282

وَقَتلُ النَّفسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَاّ بِالحَقِّ، وَأَكلُ الرِّبَا، وَأَكلُ مَالِ اليَتِيمِ،

ــ

أَوبَقَ. وَوَابقَة: اسم فاعل من وَبَقَ يَبِقُ وُبُوقًا: إذا هلَكَ، والمَوبِقُ: مَفعِلٌ منه، كالمَوعِد: مَفعِلٌ من الوعد؛ ومنه قوله تعالى: وَجَعَلنَا بَينَهُم مَوبِقًا، وفيه لغة ثانية: وَبِقَ، بكسر الباء، يَوبَقُ بالفتح، وَبَقًا، وفيه لغة ثالثة: وَبِقَ يَبِقُ بالكسر فيهما، وأوبَقَهُ: أهلكه.

وسمّيت هذه الكبائرَ مُوبِقَاتٍ؛ لأنَّها تُهلِكُ فَاعِلَهَا في الدنيا بما يترتَّب عليها (1) من العقوبات، وفي الآخرة مِنَ العذاب. ولا شكَّ في أنَّ الكبائرَ أكثَرُ مِن هذه السبع؛ بدليلِ الأحاديثِ المذكورة في هذا الباب وفي غيره؛ ولذلك قال ابن عباس حين سئل عن الكبائر، فقال: هي إلى السبعينَ أقرَبُ منها إلى السبع، وفي رواية عنه: هي إلى سبعمائةٍ أقرَبُ منها إلى سبع (2).

وعلى هذا: فاقتصارُهُ عليه الصلاة والسلام على هذه السبعِ في هذا الحديث يَحتملُ: أن تكونَ لأنَّها هي التي أُعلِمَ بها في ذلك الوقت بالوحي، ثُمَّ بعد ذلك أُعلِمَ بغيرها. ويَحتملُ أن يكون ذلك؛ لأنَّ تلك السبع هي التي دعت الحاجةُ إليها في ذلك الوقت، أو التي سُئِلَ عنها في ذلك الوقت؛ وكذلك القولُ في كُلِّ حديثٍ خَصَّ عددًا من الكبائر، والله تعالى أعلم.

وقد اختلفَ العلماءُ قديمًا وحديثًا في الكبائر ما هي؟ وفي الفرق بينها وبين الصغائر، فرُوِيَ عن ابن مسعود: أنَّ الكبائر: جميعُ ما نهى الله عنه من أوَّلِ سورةِ النساء إلى قوله: إِن تَجتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنهَونَ عَنهُ نُكَفِّر عَنكُم سَيِّئَاتِكُم. وعن الحسن: أنَّها كُلُّ ذنبٍ ختمه اللهُ بنارٍ أو غضبٍ أو لعنةٍ أو عذاب. وقيل: هي كلُّ ما أوعَدَ اللهُ عليه بنارٍ، أو بِحَدٍّ في الدنيا. وروي عن ابن عباس: أنَّها كُلُّ ما نَهَى الله عنه (3).

(1) في (ط): عليه.

(2)

ينظر فتح الباري (12/ 183)، والكبائر للذهبي ص (42) طبعة دار ابن كثير سنة (1411 هـ).

(3)

انظر المصدرين السابقين.

ص: 283

وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحفِ، وَقَذفُ المُحصَنَاتِ الغَافِلَاتِ المُؤمِنَاتِ.

ــ

قال المؤلف رحمه الله: وما أظنُّه صحيحًا عنه (1)؛ لأنَّه مخالفٌ لما في كتابِ الله تعالى من التفرقةِ بين المنهيَّاتِ، فإنَّه قد فرَّق بينها في قوله تعالى: إِن تَجتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنهَونَ عَنهُ نُكَفِّر عَنكُم سَيِّئَاتِكُم، وقوله: الَّذِينَ يَجتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثمِ وَالفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ؛ فجعَلَ من المنهيَّات: كبائِرَ وصغائر، وفرَّق بينهما في الحُكمِ لمَاَّ جعَلَ تكفيرَ السيئاتِ في الآيةِ مشروطًا باجتنابِ الكبائر، واستثنى اللَّمَمَ مِنَ الكبائرِ والفواحشِ؛ فكيف يَخفَى هذا الفَرقُ على مثل ابن عباس وهو حَبرُ القرآن؟ ! فتلك الروايةُ عن ابن عباس ضعيفةٌ، أو لا تصحُّ، وكذلك أكثَرُ ما روي عنه؛ فقد كذَبَ الناسُ عليه كثيرًا.

قال المؤلف رحمه الله: والصحيحُ إن شاء الله تعالى: أنَّ كلَّ ذنب أطلَقَ الشرعُ عليه أنَّهُ كبيرٌ أو عظيمٌ، أو أخبَرَ بشدَّةِ العقابِ عليه، أو علَّق عليه حَدًّا، أو شَدَّدَ النكيرَ عليه وغلَّظه، وشَهِدَ بذلك كتابُ اللهِ أو سنةٌ أو إجماعٌ: فهو كبيرة. والنظَرُ في أعيانِ الذنوب نظَرٌ طويلٌ لا يليق بهذا الكتاب، وسيأتي القولُ في السحر، إن شاء الله تعالى.

والزَّحفُ: القتال، وأصله: المشيء المتثاقل؛ كالصَّبِيِّ يَزحَفُ قبل أن يمشي، والبعيرِ إذا أعيا؛ فَجَرَّ فرَسَنَهُ (2)، وقد سُمِّيَ الجيشُ بالزَّحف؛ لأنَّه يُزحَفُ فيه. والتَّوَلِّي عن القتال: إنما يكون كبيرةً إذا فَرَّ إلى غير فئة، وإذا كان العدو ضِعفَيِ المسلمين؛ على ما يأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى.

وقَذفُ المُحصَنَاتِ: رَميُهُنَّ بالزنى، والإحصانُ هنا: العِفَّةُ عن الفواحش، وسيأتي ذكرُهُ، والغَافِلَاتُ، يعني: عمَّا رُمِينَ به مِنَ الفاحشة، أي: هنَّ بريئات من ذلك، لا خبَرَ عندهنَّ منه، وسيأتي (3) القولُ في الزنى.

(1) ساقط من (ل) و (ط).

(2)

"فِرسنه": أي: طَرَف خُفّه.

(3)

قوله: (ذكره. . . وسيأتي) ساقط من (ع).

ص: 284

رواه البخاري (2766)، ومسلم (89)، وأبو داود (2874)، والنسائي (6/ 257).

[71]

وعَن عَبدِ اللهِ بنِ عمرو بنِ العَاصِ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ مِنَ الكَبَائِرِ شَتمَ الرَّجُلِ وَالِدَيه، قَالُوا: يَا رسولَ الله، وَهَل يَشتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيهِ؟ ! قَالَ: نَعَم، يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ؛ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ؛ فَيَسُبُّ أُمَّهُ.

رواه أحمد (2/ 214)، والبخاري (5973)، ومسلم (90)، وأبو داود (5141)، والترمذي (1903).

* * *

ــ

و(قوله: إِنَّ مِنَ الكَبَائِرِ شَتمَ الرَّجُلِ وَالِدَيهِ) يعني: مِن أكبرِ الكبائر؛ لأنَّ شتم المسلمِ الذي ليس بِأَبٍ كبيرةٌ، فشتمُ الآباءِ أكبَرُ منه.

و(قوله: وَهَل يَشتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيهِ؟ ! ) استفهامُ إنكارٍ واستبعادٍ؛ لوقوع ذلك مِن أحدٍ من الناس، وهو دليلٌ على ما كانوا عليه من المبالغة في بِرِّ الوالدين، ومِن الملازمةِ لمكارمِ الأخلاق والآداب.

و(قوله: يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ؛ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ؛ فَيَسُبُّ أُمَّهُ) دليلٌ على أنَّ سبب الشيء قد ينزله الشرعُ منزلةَ الشيء في المَنع؛ فيكونُ حُجَّةً لمن منَعَ بيعَ العنبِ ممَّن يعصره خمرًا، ويمنَعَ بيعَ ثيابِ الخز ممَّن يلبسها، وهي لا تَحِلُّ له، وهو أحدُ القولَين لنا. وفيه: حُجَّةٌ لمالكٍ على القولِ بِسَدِّ الذرائع، وهو مِن نحو قوله تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدوًا بِغَيرِ عِلمٍ والذريعةُ: هي الامتناعُ مما ليس ممنوعًا في نفسه؛ مخافةَ الوقوعِ في محظورٍ؛ على ما بيَّنَّاه في الأصول.

ص: 285