الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات
[174]
عَن عُثمَانَ؛ قَالَ: قَالَ سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنِ امرِئٍ مُسلِمٍ تَحضُرُهُ صَلاةٌ مَكتُوبَةٌ، فَيُحسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلا كَانَت كَفَّارَةً لِمَا قَبلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَم يؤتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهرَ كُلَّهُ.
رواه البخاري (6433)، ومسلم (228)، والنسائي (1/ 91).
[175]
وَعَن حُمرَانَ، قَالَ: أَتَيتُ عُثمَانَ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَتَحَدَّثُونَ عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ، لا أَدرِي مَا هِيَ؟ ألا أَنِّي رَأَيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مِثلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: مَن تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ، وَكَانَت صَلاتُهُ وَمَشيُهُ إِلَى المَسجِدِ نَافِلَةً.
ــ
وهذه الأحاديث أعني حديث عثمان وعبد الله تدل على مراعاة الترتيب في الوضوء والموالاة. وقد اختلف أهل المذهب في ذلك وغيرهم على ثلاثة أقوال: الوجوب، والسنة، والاستحباب، والأولى القول بالسنة فيهما؛ إذ لم يصح قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مُنكسًا ولا مفرقًا تفريقًا مُتفاحشًا، وليس في آية الوضوء ما يدل على وجوبهما، وما ذكر من أن الواو ترتب لا يصح، ومما يدل على بطلان ذلك وقوعها في موضع يستحيل فيه الترتيب، وذلك بابُ المفاعلة، فإنها لا تكون إلا من اثنين، فإن العرب تقولُ: تخاصم زيدٌ وعمرو، ولا يجوز أن يكون هنا ترتيبٌ، ولا أن يقع موقعها حرفٌ من حروف الترتيب بوجهٍ من الوجوه، فصح ما قلناهُ.
(3)
ومن باب فضل تحسين الوضوء
(قوله: وكانت صلاتُه ومشيه إلى المسجد نافلة) يعني: أن الوضوء لم يُبق
رواه أحمد (1/ 65 - 66)، والبخاري (164)، ومسلم (229).
[176]
وَعَن عُثمَانَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَن أَتَمَّ الوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، فَالصَّلَوَاتُ المَكتُوبَاتُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَينَهُنَّ.
رواه أحمد (1/ 66)، ومسلم (231)، وابن ماجه (459)، والنسائي (1/ 91).
ــ
عليه ذنبًا، فلما فعل بعده الصلاة كان ثوابها زيادة له على المغفرة المتقدمة. والنَّفل: الزيادة، ومنه: نفل الغنيمة؛ وهو ما يعطيه الإمام من الخمس بعد القسمة.
وهذا الحديث يقتضي أن الوضوء بانفراده يستقل بالتكفير. وكذلك حديث أبي هريرة، فإنه قال فيه: إذا توضأ العبد المسلِمُ فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئةٍ نظر إليها بعينيه (1)، وهكذا إلى أن قال: حتى يخرج نقيًا من الذنوب، وهذا بخلاف أحاديث عثمان المتقدمة؛ إذ مضمونها: أن التكفير إنما يحصل بالوضوء إذا صلى به صلاة مكتوبةً يتم ركوعها وخشوعها. والتلفيق من وجهين:
أحدهما: أن يرُدَّ مطلق الأحاديث إلى مُقيدِها.
والثاني: أن نقول: إن ذلك يختلف بحسب اختلاف أحوال الأشخاص؛ فلا بُعد في أن يكون بعض المتوضئين يحصل له من الحضور، ومراعاة الآداب المكملة ما يستقل بسببها وضوؤه بالتكفير، ورب متوضئ لا يحصل له مثل ذلك، فيكفر عنه بمجموع الوضوء والصلاة، ولا يعترض على هذا بقوله عليه الصلاة والسلام: من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات المكتوبة كفارات لما بينهن، لأنا نقول: من اقتصر على واجبات الوضوء فقد توضأ كما أمره الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: توضأ كما أمرك الله، فأحاله على آية
(1) سيأتي الحديث قريبًا برقم (178).
[177]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: الصَّلَوَاتُ الخَمسُ، وَالجُمعَةُ إِلَى الجُمعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لمِا بَينَهُنَّ، إِذَا اجتَنَبَت الكَبَائِرَ.
رواه أحمد (2/ 359 و 400 و 414)، ومسلم (233)، والترمذي (214).
[178]
وَعَنه؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ العَبدُ المُسلِمُ - أو المُؤمِنُ - فَغَسَلَ وَجهَهُ،
ــ
الوضوء، على ما قدمناه. وكذلك ذكر النسائي من حديث رفاعة بن رافع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء، كما أمره الله تعالى، فيغسل وجهه، ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه، ورجليه إلى الكعبين (1)، ونحن إنما أردنا المحافظة على الآداب المكملة التي لا يراعيها إلا من نوَّر الله باطنه (2) بالعلم والمراقبة، والله تعالى أعلم.
و(قوله: إذا اجتنبت الكبائر؛ يدل على أن الكبائر إنما تغفر بالتوبة المعبر (3) عنها بالاجتناب في قوله تعالى: {إِن تَجتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنهَونَ عَنهُ نُكَفِّر عَنكُم سَيِّئَاتِكُم} وقد تقدم القول في الكبائر ما هي؟ فقوله: حتى يخرج نقيًّا من الذنوب يعني به: الصغائر، ولا بُعدَ في أن يكون بعض الأشخاص تغفر له الكبائر والصغائر بحسب ما يحضره من الإخلاص بالقلب (4)، ويراعيه من الإحسان والأدب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
(1) رواه النسائي (2/ 226).
(2)
في (ع): قلبه.
(3)
ساقط من (ع).
(4)
من (م).
خَرَجَ مِن وَجهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيهَا بِعَينَيهِ مَعَ المَاءِ - أو مَعَ آخِرِ قَطرِ المَاءِ -، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيهِ خَرَجَ مِن يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ - أو مَعَ آخِرِ قَطرِ المَاءِ -، فَإِذَا غَسَلَ رِجلَيهِ خَرَجَت كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتهَا رِجلاهُ مَعَ المَاءِ - أو مَعَ آخِرِ قَطرِ المَاءِ - حَتَّى يَخرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ.
رواه أحمد (2/ 303)، ومسلم (244)، والترمذي (2).
* * *
ــ
و(قوله: إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن) شكٌّ من بعض الرواة، وكذلك (قوله: مع الماء، أو مع آخر قطر الماء) ويدل على أنه على الشك زيادة مالك فيه: مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، أو نحو هذا، ويفهم منه: أن الغسل لا بد فيه من نقل الماء، ولا يفهم منه: أن غاية الغسل أن يقطر الماء؛ لأنه على الشك، ولما جاء: حتى يسبغ.
و(قوله: خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه) هذه عبارةٌ مستعارة، المقصود بها الإعلام بتكفير الخطايا ومحوها، وإلا فليست الخطايا أجساما حتى يصح منها الخروج.
وقد استدل أبو حنيفة رحمه الله بهذا الحديث على نجاسة الماء المستعمل، ولا حجة له فيه لما ذكرناه، وعند مالك: أن الماء المستعمل طاهرٌ مطهرٌ؛ غير أنه يكره استعماله مع وجود غيره؛ للخلاف فيه، وعند أصبغ بن الفرج (1): أنه طاهرٌ غير مُطهرٍ. وقيل: إنه مشكوك فيه، فيجمع بينه وبين التيمم، وقد سماه بعضهم: ماء الذنوب.
وقد روى هذا الحديث مالكٌ من رواية أبي عبد الله الصُنابحي، وهو عبد الرحمن بن عُسَيلة، ولم يدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: فإذا
(1) من (م).