الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل
[242]
عَن أُمِّ سَلَمَةَ؛ قَالَت: جَاءَت أَمُّ سُلَيمٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَت: يَا رسولَ الله! إِنَّ اللهَ لا يَستَحيِي مِنَ الحَقِّ. فَهَل عَلَى المَرأَةِ مِن غُسلٍ إِذَا احتَلَمَت؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نعم، إِذَا رَأَتِ المَاءَ، فَقَالَت أُمُّ
ــ
في هذا الباب كثيرًا، هذا مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن القسم عليه بينهن واجبًا؛ لقوله تعالى: تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ لكنه صلى الله عليه وسلم كان قد التزمه لهن تطييبًا لأنفسهن، ولتقتدي أمته بفعله، والله تعالى أعلم.
ويجوز الجمع بين الزوجات والسراري في غسل واحد، وعليه جماعة السلف والخلف، وإن كان الغسل بعد كل وطء أكمل وأفضل؛ لما رواه النسائي عن أبي رافع قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه، فجعل يغتسل عند هذه وعند هذه، فقلت: يا رسول الله! لو جعلته غسلاً واحدًا؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر (1).
(23)
ومن باب: وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل
(قول أم سليم: إن الله لا يستحيي من الحق) أي: لا يأمر بالحياء فيه، ولا يمنع من ذكره، وأصل الحياء: انقباض واحتشام يجده الإنسان عندما يطلع منه على
(1) رواه أبو داود (219)، والنسائي في عشرة النساء (149)، وابن ماجه (590).
سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَتَحتَلِمُ المَرأَةُ؟ فَقَالَ: تَرِبَت يَدَاكِ، فَبِمَ يُشبِهُهَا وَلَدُهَا؟ .
رواه أحمد (6/ 292 و 302)، ومسلم (310)، والنسائي (1/ 112).
ــ
مستقبح، وهو في حق الله تعالى: عبارة عن الامتناع عن مثل ذلك الفعل المستحيا منه.
و(قوله: تربت يداك) أي: افتقرت، قال الهروي: ترب الرجل إذا افتقر، وأترب: إذا استغنى، وفي الصحاح: ترب الشيء بالكسر: أصابه التراب، ومنه ترب الرجل: افتقر؛ كأنه لصق بالتراب، قال: وأترب الرجل: استغنى، كأنه صار ماله من الكثرة بقدر التراب. وتأول مالك قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة: تربت يداك بمعنى الاستغناء، وكذلك قال عيسى بن دينار، وقال ابن نافع: معناه: ضعف عقلك. وقال الأصمعي: معناه: الحض على تعلم مثل هذا، كما يقال: انجُ ثكلتك أمك. وقيل: تربت يداك: أصابها التراب، ولم يرد الفقر. والصحيح: أن هذا اللفظ وشبهه تجري على ألسنة العرب من غير قصد الدعاء به. وهذا مذهب أبي عبيد في هذه الكلمات وما شابهها. وقد أحسن البديع في بعض رسائله، وأوضح هذا المعنى فقال:
وقد يوحش اللفظ وكله ودٌّ، ويكره الشيء وما من فعله بدٌّ، هذه العرب تقول: لا أبا لك للشيء إذا أهم، وقاتله الله، ولا يريدون به الذم، وويل أمه، للأمر إذا تم. وللألباب في هذا الباب أن تنظر إلى القول وقائله، فإن كان وليًّا فهو الولاء وإن خَشُنَ، وإن كان عدوًّا فهو البلاء وإن حسن.
قال الشيخ: وعلى تقدير كونه دعاءً على أصله، مقصودًا للنبي صلى الله عليه وسلم على بُعده، فقد قال صلى الله عليه وسلم: اللهم من دعوت عليه أو سببته أو لعنته - يعني: من
[243]
وَفِي رِوَايَةٍ: فَمِن أَينَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبيَضُ، وَمَاءَ المَرأَةِ رَقِيقٌ أَصفَرُ. فَمِن أَيِّهِمَا عَلا، أو سَبَقَ، يَكُونُ مِنهُ الشَّبَهُ.
رواه أحمد (3/ 282)، ومسلم (311) عن أم سُليم.
ــ
المسلمين - فاجعل ذلك له زكاة ورحمة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة (1). وإنكار أم سلمة وعائشة على أم سليم قضية احتلام النساء، تدل على قلة وقوعه من النساء.
و(قوله: فمن أين يكون الشبه) يروى بكسر الشين وسكون الباء، وفتح الشين والباء لغتان، كما يقال: مِثل، ومَثَل، ومعنى ذلك مفسر في حديث عائشة وثوبان، وما ذكره من صفة الماءين إنما هو في غالب الأمر واعتدال الحال، وإلا فقد تختلف أحوالهما للعوارض.
و(قوله: فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه) أي: فمن أجل علو أو سبق أحدهما يكون الشبه. ويحتمل: أن يقال: إن من زائدة على قول بعض الكوفيين: إنها تزاد في الواجب بتقدير أيهما. ويحتمل أن يكون أو شكًّا من أحد الرواة. ويحتمل أن يكون تنويعًا؛ أي: أيَّ نوعٍ كان منهما، كان منه الشبه، كما قال الشاعر:
فقالوا لنا ثنتان لا بد منهما
…
صدور رماح أشرعت أو سلاسل
أي: أحد النوعين لا بد منه. وسبق أي: بادر بالخروج، وقد جاء في غير كتاب مسلم: سَبقَ إلى الرحم (2). ويحتمل أن يكون بمعنى: غلب، من قولهم:
(1) رواه أحمد (6/ 45)، ومسلم (2600).
(2)
ذكره ابن وهب كما في التمهيد (8/ 336).
[244]
وَعَن عَائِشَةَ؛ أَنَّ امرَأَةً قَالَت لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هَل تَغتَسِلُ المَرأَةُ إِذَا احتَلَمَت وَأَبصَرَتِ المَاءَ؟ فَقَالَ: نَعَم، فَقَالَت لَهَا عَائِشَةُ: تَرِبَت يَدَاكِ. وَأُلَّت. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: دَعِيهَا. وَهَل يَكُونُ الشَّبَهُ إِلا مِن قِبَلِ ذَلِكِ؟ إِذَا عَلا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشبَهَ الوَلَدُ أَخوَالَهُ. وَإِذَا عَلا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشبَهَ الولد أَعمَامَهُ.
ــ
سابقني فلان فسبقته؛ أي: غلبته، ومنه قوله تعالى: وَمَا نَحنُ بِمَسبُوقِينَ؛ أي: مغلوبين، فيكون معناه: يكثر.
و(قوله في الرواية الأخرى: إذا علا ماؤُها ماءَ الرجل أشبه الولد أخوالهُ، وإذا علا ماء الرجل ماءَها أشبه الولد أعمامهُ) مقتضى هذا: أن العُلو يقتضي الشبه، وقد جعل العلو في حديث ثوبان الآتي يقتضي الذكورة والأنوثة، فعلى مقتضى الحديثين يلزم اقتران الشبه للأعمام والذكورة إن علا مني الرجل، وكذلك يلزم إذا علا مني المرأة اقتران الشبه للأخوال والأنوثة؛ لأنهما معلولا علة واحدة، وليس الأمر كذلك، بل الوجود بخلاف ذلك؛ لأنا نجد الشبه للأخوال والذكورة، والشبه للأعمام والأنوثة، فتعين تأويل أحد الحديثين، والذي يتعين تأويله: العلو الذي في حديث ثوبان (1)، فيقال: إن ذلك العلو معناه: سبق الماء إلى الرحم والذكورة (2). ووجهه: أن العلو لما كان معناه الغلبة، كما فسرناه، وكان السابق عاليًا في ابتدائه بالخروج قيل عليه: علا، ويؤيد هذا التأويل أنه قد روي في غير كتاب مسلم: إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا (3).
(1) يأتي برقم (245).
(2)
من (ع).
(3)
بل هو في صحيح مسلم (315) من حديث ثوبان رضي الله عنه.
رواه أحمد (6/ 92)، ومسلم (314)، وأبو داود (237)، والنسائي (1/ 112 - 113).
* * *
ــ
وقد بنى القاضي أبو بكر بن العربي على اختلاف هذه الأحاديث بناء، فقال: إن للماءين أربعة أحوال:
الأول: أن يخرج ماء الرجل أولاً.
والثاني: أن يخرج ماء المرأة أولاً.
والثالث: أن يخرج ماء الرجل أولاً ويكون أكثر.
الرابع: أن يخرج ماء المرأة أولاً ويكون أكثر.
ويتم التقسيم: بأن يخرج ماء الرجل أولاً، ثم يخرج ماء المرأة بعده، فيكون أكثر، أو بالعكس، وبالعكس فإذا خرج ماء الرجل أولاً وكان أكثر، جاء الولد ذكرًا بحكم السبق، وأشبه الولد أعمامه بحكم الكثرة، وإن خرج ماء المرأة أولاً وكان أكثر جاء الولد أنثى بحكم السبق، وأشبه أخواله بحكم الغلبة، وإن خرج ماء الرجل أولاً لكن لما خرج ماء المرأة بعده كان أكثر، كان الولد ذكرًا بحكم السبق، وأشبه أخواله بحكم غلبة ماء المرأة. وإن سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل وكان أعلى من ماء المرأة كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة، وأشبه أعمامه بحكم غلبة ماء الرجل. وقال: وبانتظام هذه الأقسام يستتب الكلام، ويرتفع التعارض عن هذه الأحاديث.
و(قوله في حديث عائشة: تربت يداك وأُلّت) بضم الهمزة وتشديد اللام؛ أي: أصيبت بالألة، وهي الحربة، يقال: ألّه يؤلّه ألاًّ؛ أي: طعنه بها.
وهذه الأحاديث كلها تدل على أن الغسل إنما هو في الاحتلام من رؤية الماء لا من رؤية الفعل، وعلى أن الولد يكون من مجموع ماء الرجل وماء المرأة معًا، خلافًا لمن ذهب إلى أن الولد إنما هو من ماء المرأة، وأن ماء الرجل له عاقد كالأنفحة للبن، والله أعلم.