الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ
[11]
عَن أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعمَلُهُ يُدنِينِي مِنَ الجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: تَعبُدُ اللهَ
ــ
(3)
ومن بَاب مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ، وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ
هذه الترجمةُ يشهدُ بصحَّتها الحديثان المذكورانِ تحتها؛ فأمَّا حديثُ أبي أَيُّوبَ، فمِن حيثُ إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دلَّ السائلَ على فِعلِ ما وجَبَ عليه، وقال: إن تَمَسَّكَ بِمَا أَمَر بهُ دَخَلَ الجَنَّةَ.
وأمَّا حديثُ جابرٍ فمِن حيثُ إنّ السائل إنّما سأله عن دخولِ - مَن فَعَلَ ما يجبُ عليه، وَانتَهَى عمَّا حُرِّمَ عليه - الجَنَّةَ، فأجابه بـ نعم، ولم يَذكُر لهما في هذَين الحديثين شيئًا مِن فعل التطوُّعات؛ فدَلّ على صِحَّةِ ما ذكرناه، وعلى جواز ترك التطوُّعاتِ على الجملة، لكن مَن تركها ولم يعمل شيئًا منها، فقد فوَّت على نفسه ربحًا عَظِيمًا، وثوابًا جسيمَا، ومَن داوم على ترك شيءٍ من السنن، كان ذلك نقصًا في دينه، وقدحًا في عدالته، فإن كان ترَكَهُ تهاوُنًا به ورغبةً عنها، كان ذلك فِسقًا يستحقُّ به ذمًّا.
وقال علماؤنا: لو أنَّ أهلَ بلدةٍ تواصلوا على ترك سنة، لقوتلوا عليها حتى يرجعوا، ولقد كان صَدرُ الصحابة ومَن بعدهم يثابرون على فعل السنن والفضائل مثابرتَهُم على الفرائض، ولم يكونوا يفرِّقون بينهما في اغتنامِ ثوابهما؛ وإنما احتاج أئمَّةُ الفقهاء إلى ذِكرِ الفرق بينهما؛ لما يترتَّب عليه مِن وجوبِ الإعادةِ وتركها، وخَوفِ العقابِ على الترك، ونَفيِهِ إِن حصل تركٌ ما بوجهٍ ما.
وإنما سكَتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لهؤلاء السائلين عن
لا تُشرِكُ بِهِ شَيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ، فَلَمَّا أَدبَرَ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِن تَمَسَّكَ بِمَا أَمَر بهُ، دَخَلَ الجَنَّةَ.
رواه البخاري (1396)، ومسلم (13)، والنسائي (1/ 34).
[12]
وَعَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَرَأَيتَ إِذَا صَلَّيتُ الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَاتِ، وَصُمتُ رَمَضَانَ، وَأَحلَلتُ الحَلَالَ، وَحَرَّمتُ الحَرَامَ،
ــ
ذِكرِ التطوُّعات، ولم يذكُرهَا لهم كما ذكرها في حديث طلحة بن عبيد الله؛ لأنَّ هؤلاءِ - والله أعلم - كانوا حديثي عهدٍ بإسلام؛ فاكتفى منهم بفعل ما وجب عليهم في تلك الحال؛ لئلَاّ يَثقُلَ ذلك عليهم فيَمَلُّوا، أو لِئَلَاّ يعتقدوا أنَّ تلك السنن والتطوُّعاتِ واجبة، فتركَهُم إلى أن تنشرحَ صدورهم بالفهم عنه، والحرصِ على تحصيلِ ثوابِ تلك المندوبات؛ فتسهل عليهم. ومن المعلوم أنَّ هؤلاءِ ما سُوغُ لهم تركُ الوتر ولا صلاةِ العيدَين، ولا غير ذلك، مِمَّا فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم في جماعة المسلمين، ولا يجترئون على ترك ذلك؛ للذي يُعلَمُ مِن حرصهم على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى تحصيل الثواب، والله تعالى أعلم.
و(قوله: وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ) يعني: قرابتَكَ؛ وعلى هذا؛ فتكون القرابة جنسًا مضافًا إلى ذي؛ فإنَّ حكمها أن تضافَ إلى الأجناس. وهذا أَولَى مِن قول من قال: إنَّ الرحم هنا اسمُ عَين، وإنّها هنا بمنزلة قولهم: ذو نُوَاسٍ، وذو يَزَنَ، وذو عَينٍ؛ لأنَّ هذه أسماءُ أعلامٍ لا أسماءُ أجناس، وذو بمعنى صاحب، وهي من الأسماء الستَّة التي اعتلَّت بحذف لاماتها في الإفراد، ورفعُهَا بالواو، ونصبُهَا بالألف، وخفضها بالياء، وقد ذَكَرَ النحويون أوزانَهَا وأحكامها.
و(قوله: أَرَأَيتَ إِذَا أَحلَلتُ الحَلَالَ، وَحَرَّمتُ الحَرَامَ) يعني: اكتسبتُ الحلال، وامتَنَعتُ مِن كسب الحرام، هذا عرفُ الحلالِ والحرامِ في الشرع. وأمَّا