الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه
[128]
عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ جِبرِيلُ وهو يَلعَبُ مَعَ الغِلمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَن قَلبِهِ، فَاستَخرَجَ القَلبَ، فَاستَخرَجَ مِنهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيطَانِ مِنكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَستٍ مِن ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الغِلمَانُ يَسعَونَ إِلَى
ــ
(54)
ومن باب شُقَّ صدرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في صِغَره
(قوله: فاستخرج منه علقة) أي: قطعة (1) دم، والعلق الدم. وهذه العلقة المنتزَعَة عنه هي القابلة للوسواس (2) والمحرِّكة للشهوات، فأُزِيل ذلك عنه، وبذلك أُعين على شيطانه حتّى سلم منه. ولأمَه أي: ضمَّه وجمَعه، وظِئره مُرضِعَتُه، ومنتقَعٌ اللون متغيِّره، يقال: انتَقَعَ لونُه، وابتُقِعَ وامتقع؛ أي: تغيَّر عن حاله. والمخيَط ما يخاط به، وهو الخيط والإبرة. وفي الطست لغات؛ طَستٌ بفتح الطاء وكسرها، وطَسٌّ وطَسَّة، والجمع طِسَاس وطُسُوسٌ وطسَّاتٌ.
وهذا الحديث محمول على ظاهره وحقيقته؛ إذ لا إحالةَ في متنه عقلاً، ولا يُستبعَدُ من حيثُ إنّ شقّ الصدرِ وإخراج القلب موجبٌ للموت، فإنّ ذلك أمر عاديٌّ، وكانت جُلُّ أحوالِه صلى الله عليه وسلم خارقةٌ للعادة، إمّا معجزةً، وإمّا كرامةً.
وهذا الشقّ هو خلاف الشقّ المذكور في حديث أبي ذرّ ومالك بن صعصعة؛ بدليل اختلاف الزمانين والمكانين والحالين. أمّا الزمانان، فالأوّل في صِغَره، والثاني في كِبَره.
(1) في (م): مضغة.
(2)
في (م): للوساوس.
أُمِّهِ - يَعنِي: ظِئرَهُ - فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَد قُتِلَ، فَاستَقبَلُوهُ وهو مُنتَقِعُ اللَّونِ. قَالَ أَنَسٌ: قَد كُنتُ أَرَى أَثَرَ المِخيَطِ فِي صَدرِهِ.
رواه أحمد (3/ 288)، ومسلم (162)، والنسائي (1/ 224 - 225).
* * *
ــ
وأمّا المكانان، فالأوّل كان ببعضِ جهات مكّة عند مُرضِعته، والثاني عند البيت. وأمّا الحالان، فالأوّل نُزِعَ من قلبه ما كان يَضُرُّه وغُسِل، وهو إشارة إلى عصمته، والثاني غُسِل ومُلِئ حكمةً وإيمانًا، وهو إشارة إلى التهيُّؤ إلى مشاهدته ما شاء الله أن يشهده. ولا يلتَفِت إلى قول مَن قال: إنّ ذلك كان مرّةً واحدة في صِغَرِه، وأخذ يُغَلِّط بعض الرواة الذين رووا أحد الخبرين، فإنّ الغلط به أليق، والوَهم منه أقرب، فإن رواة الحديثين أئمّةٌ مشاهير حُفَّاظ. ولا إحالةَ في شيء ممّا ذكروه، ولا معارضةَ بينهما ولا تناقُضَ، فصحّ ما قلناه. وبهذا قال جماعة من العلماء، منهم القاضي المُهلَّب بن أبي صُفرة في شرح مختصر صحيح البخاريّ. والله تعالى أعلم.
والحكمة أصلها ما يمنع الجهل والسفه، ومنه حكمة البعير، وكونها تملأ الطست استعارة تُفهِم أنّ المجعولَ في قلبه منها كثيرٌ شريف، وإلاّ فليست العلوم أجسامًا حتّى تملأ الطست. وقيل: إنّ القلب لمّا امتلأ حكمةً بعد غسله بملء الطست من ماء زمزم، قُدِّرت الحكمةُ بما كانت عنده، والله أعلم.
* * *