الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا
[112]
عَن حُذَيفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَينِ، قَد رَأَيتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنتَظِرُ الآخَرَ؛ حَدَّثَنَا: أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَت فِي جَذرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ القُرآنُ، فَعَلِمُوا مِنَ القُرآنِ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا
ــ
لا يدخُلُ الجنةَ في وقتٍ دون وقت، وهو تقييدٌ للرِّوَايةِ الأخرى المُطلَقَةِ التي لم يَذكُر فيها منعَهُم.
و(قوله: لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ) أي: نَمَّامٌ، كما فسَّره في الرواية الأخرى، وفي الصِّحَاح: القَتُّ: نَمُّ الحديثِ، والقِتِّيتَى (1) مِثلَ الهِجِّيرَى: النميمةُ. والنمَّام: هو الذي يرفعُ الأحاديثَ يقتتها (2) على وجه المفسدة، وإلقاءِ الشرور؛ قال ابنُ الأعرابي: القتّات: هو الذي ينقُلُ عنك ما تحدِّثُهُ وتستكتمُهُ، والقَسَّاسُ: هو الذي يتسمَّعُ عليكم ما تحدِّثُ به غيرَهُ، ثُمَّ ينقُلُهُ عنك.
وفيه: دليلٌ على أنَّ النميمةَ من الكبائر، وإنما كانت كذلك؛ لما يترتَّبُ عليها من المفاسدِ والشرورِ.
(47)
وَمِن بَابِ رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ
(قوله: إِنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَت فِي جَذرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ) جَذرُ الشيء - بالجيم المفتوحة -: أصلُهُ؛ على قولِ الأصمعيِّ، وحكى أبو عمرو كسرها، قال أبو عُبَيدٍ:
(1) ساقط من (ع).
(2)
في (ل) و (م) و (ط): يغشيها، والمثبت من (ع).
ومعنى يقتتها: يبلّغها مكذوبةً مع سُوء القول.
عَن رَفعِ الأَمَانَةِ، قَالَ: يَنَامُ الرَّجُلُ النَّومَةَ فَتُقبَضُ الأَمَانَةُ مِن قَلبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثلَ الوَكتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّومَةَ فَتُقبَضُ الأَمَانَةُ مِن قَلبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثلَ المَجلِ، كَجَمرٍ دَحرَجتَهُ عَلَى رِجلِكَ، فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنتَبِرًا وَلَيسَ فِيهِ شَيءٌ، ثُمَّ أَخَذَ حَصَاةً فَدَحرَجَها عَلَى رِجلِهِ، فَيُصبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلاً أَمِينًا، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا
ــ
الجَذرُ: الأصلُ مِن كل شيء. ومعنى إنزالِهَا في القلوبِ: أنَّ الله تعالى جبَلَ القلوبَ الكاملةَ على القيامِ بحقِّ الأمانة؛ مِن حِفظِهَا واحترامِهَا، وأدائِهَا لمستَحِقِّها، وعلى النُّفرةِ مِنَ الخيانةِ فيها؛ لِتَنتَظِمَ المصالحُ بذلك، لا لأنَّها حَسَنَةٌ في ذاتها؛ كما يقولُهُ المعتزلةُ؛ على ما يُعرَفُ في موضعه.
والأَمَانَةُ: كلُّ ما يُوَكَّلُ إلى الإنسانِ حفظُهُ ويُخَلَّى بينه وبينه؛ ومِن هنا سُمِّيَ التكليفُ أمانةً في قوله تعالى: إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ في قولِ كثيرٍ من المفسِّرين.
والوَكتُ: الأَثَرُ اليسير؛ يقال للبُسرِ إذا وقَعَت فيه نُكتةٌ من الأرطاب: قد وَكَّتَ؛ قاله الهرويُّ، وقال صاحبُ العين: الوَكتُ، بفتح الواو: نكتةٌ في العَين، وعَينٌ (1) موكوتة، والوَكتُ: سواد العين.
والمَجلُ: هو أن يكونَ بين الجِلدِ واللحم (2) ماءٌ، يقالُ: مَجِلَت يَدُهُ تَمجَلُ مَجَلاً، بكسر الجيم في الماضي وفتحها في المضارع، ومَجَلَت، بالفتح في الماضي، والكسر في المضارع، أي: تَنَفَّطَت مِنَ العمل.
ومُنتَبِرًا: منتفِخًا، وأصلُهُ: الارتفاعُ، ومنه: انتَبَرَ الأميرُ: إذا صَعِدَ المِنبَرَ؛
(1) في (ل): العين.
(2)
في (ع): العظم.
أَجلَدَهُ! مَا أَظرَفَهُ! مَا أَعقَلَهُ! وَمَا فِي قَلبِهِ مِثقَالُ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ مِن إِيمَانٍ.
وَلَقَد أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُم بَايَعتُ، لَئِن كَانَ مُسلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ، وَلَئِن كَانَ نَصرَانِيًّا أو يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وأَمَّا اليَومَ فَمَا كُنتُ لأُبَايِعُ مِنكُم إِلَاّ فُلَانًا وَفُلَانًا.
رواه أحمد (5/ 383)، والبخاري (6497)، ومسلم (143)، والترمذي (2180)، وابن ماجه (4053).
ــ
وبه سمِّي المِنبَرُ، ونَبِرَ الجرحُ، أي: وَرِمَ، والنَّبرُ: نَوعٌ من الذُّبَابِ يَلسَع؛ ومنه سمِّي الهمزُ: نَبرًا، وكلُّ شيء ارتفَعَ: فقد نَبِرَ، وقال أبو عبيد: مُنتَبِرًا: مُنتَفِطًا. ولَا يَكَادُ أي: لا يقارب. وما أجلده! أي: ما أقواه! . وما أظرفه! أي: ما أحسَنَهُ! والظَّرفُ عند العرب: في اللسان والجسم، وهو حُسنُهما، وقال ابنُ الأعرابيِّ: الظَّرفُ في اللسان، والحَلَاوَةُ في العين، والمَلَاحَةُ في الفم، وقال المبرِّد: الظَّرِيفُ: مأخوذٌ من الظَّرف، وهو الوعاء، كأنَّه جُعِلَ وعاءً للآداب، وقال غيره: يقال منه: ظَرُفَ يَظرُفُ ظَرفًا، فهو ظَرِيفٌ، وَهُم ظُرَفَاء، وإنما يقال في الفِتيَانِ والفَتَيَاتِ أهلِ الخِفَّة.
و(قوله: لَا أُبَالِي أَيَّكُم بَايَعتُ) يعني: من البيع، لا مِنَ المبايعة؛ لأنَّ اليهوديَّ والنصرانيَّ لا يبايعُ بَيعَةَ الإسلام، ولا بيعةَ الإمامة، وإنما يعني: أنَّ الأمانةَ قد رُفِعَت من الناس، فقَلَّ مَن يُؤمَنُ على البيعِ والشراء. وقد قدَّمنا أنَّ أصلَ الفِتنَة: الامتحانُ والاختبار، ثم صارَت في العُرفِ عبارةً عن: كلِّ أمرٍ كَشَفَهُ الاختبارُ عن سوء؛ قال أبو زيد: فَتِنَ الرجلُ فُتُونًا: إذا (1) وقَعَ في الفتنة، وتحوَّل عن حالٍ حسنةٍ إلى حالٍ سيئة، والأهلُ والمالُ والولدُ أمورٌ يُمتَحَنُ الإنسانُ بها، ويُختَبَرُ
(1) في (ع): أي.
[113]
وعَنه، قَالَ: كُنَّا عِندَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيُّكُم سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَذكُرُ الفِتَنَ؟ فَقَالَ قَومٌ: نَحنُ سَمِعنَاهُ، فَقَالَ: لَعَلَّكُم تَعنُونَ فِتنَةَ الرَّجُلِ فِي أهلِهِ وَجَارِهِ؟ قَالُوا: أَجَل، قَالَ: تِلكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ، وَلَكِن أَيُّكُم سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَذكُرُ الفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوجَ البَحرِ؟ قَالَ حُذَيفَةُ: فَأَسكَتَ القَومُ، فَقُلتُ: أَنَا، قَالَ: أَنتَ؟ للهِ أَبُوكَ! قَالَ حُذَيفَةُ: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا،
ــ
عندها؛ كما قال الله تعالى: إِنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولَادُكُم فِتنَةٌ أي: مِحنَةٌ تُمتَحَنُونَ بها حتى يَظهَرَ منكم ما هو خَفِيٌّ عمَّن يُشكِلُ عليه أمركم.
وأَجَل بمعنى: نَعَم. وتَمُوجُ مَوجَ البَحرِ أي: تَضطرِبُ ويدفعُ بعضُها بعضًا، وكُلُّ شيءٍ اضطرَبَ: فقد ماج؛ ومنه: وَتَرَكنَا بَعضَهُم يَومَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعضٍ. وأَسكَتَ القَومُ أي: أَطرَقوا؛ قال الأصمعيُّ: سكَتَ القومُ: صَمَتُوا، وأَسكَتوا: أَطرَقوا، وقال أبو عليٍّ البغداديُّ وغيره: سكَتَ وأسكَتَ، بمعنى: صَمَتَ.
قال الهرويُّ: ويكونُ سكَتَ بمعنى سكَنَ؛ ومنه: وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُوسَى الغَضَبُ وبمعنى انقطَعَ؛ تقول العرب: جرى الوادي ثلاثًا، ثم سكَتَ، أي: انقطَعَ، ويقال: هو السُّكُوتُ والسُّكَاتُ، وسكَتَ يَسكُتُ سَكتًا وسُكُوتًا وسُكَاتًا.
و(قوله: كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا) قيد (1) ثلاثُ تقييدات، قيَّده القاضي الشَّهِيد: بفتح العينِ المهملة والذالِ المعجمة. وقيَّده أبو بحر سفيانُ بن العاصي: بضمِّ العين ودالِ المهملة. واختار أبو الحُسَينِ بنُ سِرَاجٍ: فَتحَ العينِ والدالِ المهملة. فمعنى التقييدِ الأوَّل: سؤالُ الإعاذة؛ كما يقال: غَفرًا غَفرًا، أي: اللهمَّ اغفِر، اللهم اغفر.
وأما التقييد الثاني، فمعناه: أنَّ الفتن تتوالَى واحدةً بعد أخرى؛ كَنَسج
(1) في (ع) و (ل): فيه، والمثبت من (م).
فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ، وَأَيُّ قَلبٍ أَنكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلبَينِ: عَلَى أَبيَضَ مِثلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، وَالآخَرُ أَسوَدُ مُربَادا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا؛ لَا يَعرِفُ مَعرُوفًا، وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا، إِلَاّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ.
ــ
الحصير عُودًا بإزاء عُود، وشَطبةً (1) بإزاء شَطبة، أو كما يناولُ مهيِّئ القُضبان للناسجِ عُودًا بعد عُود.
وأما التقييدُ الثالث: فمعناه قريب مِن هذا، يعني أنَّ الفتنةَ كلَّما مضت، عادَت؛ كما يفعلُ ناسجُ الحصير: كلَّما فرَغَ من موضعِ شَطبةٍ أو عُودٍ، عاد إلى مثله. والمعنى الثاني أمكَنُ وأليقُ بالتشبيه، والله أعلم.
وأُشرِبَهَا أي: حَلَّت فيه مَحَلَّ الشَّرب؛ كقوله تعالى: وَأُشرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجلَ أي: حُبَّهُ.
و(قوله: عَلَى قَلبَينِ: أَبيَضَ مِثلِ الصَّفَا) أي: قَلبٍ أبيضَ، فحذَفَ الموصوفَ للعِلمِ به، وأقامَ الصفةَ مُقَامَهُ. وليس تشبيهُهُ بالصَّفَا مِن جهة بياضه، ولكن مِن جهةِ صلابته على عَقدِ الإيمان، وسلامتِهِ من الخَلَلِ والفتن؛ إذ لم يلصَق به ولم يؤثِّر فيه؛ كالصَّفَا وهو الحَجَرُ الأملسُ الذي (2) لا يَعلَقُ به شيءٌ، بخلاف القلبِ الآخَرِ الذي شبَّهه بالكُوزِ الخاوي؛ لأنه فارغٌ من الإيمانِ والأمانة.
و(قوله: وَالآخَرُ أَسوَدُ مُربَادّا) قيد ثلاثُ تقييدات؛ مُربَادٌّ: مُفعَالٌّ، من اربَادَّ؛ مِثلَ مُصفَارٍّ من اصفَارَّ؛ وهو روايةُ الخُشَنِيِّ عن الطبريِّ. ومُربَدٌّ: مثلُ مُسوَدٍّ ومُحمَرٍّ، من اربَدَّ واسوَدَّ واحمَرَّ؛ وهو تقييدُ أبي مروانَ بنِ سِرَاجٍ. ومُربَئِدٌّ بالهمز، قيَّده العُذرِيُّ، وكأنَّه من اربَأَدَّ لغةٌ.
وقال بعض اللغويين: احمَرَّ الشيء، فإذا قوي، قيل: احمَارَّ، فإذا زاد، قيل: احمَأَرَّ بالهمز؛ فعلى هذا تكونُ تلك
(1)"الشطبة": السَّعَفة الخضراء. والسعفة: وَرَقة النَّخل.
(2)
ساقط من (ل).
قَالَ حُذَيفَةُ: وَحَدَّثتُهُ أَنَّ بَينَكَ وَبَينَهَا بَابًا مُغلَقًا يُوشِكُ أَن يُكسَرَ، قَالَ عُمَرُ: أَكَسرًا لَا أَبَا لَكَ! فَلَو أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ! قلت: لَا بَل يُكسَرُ، وَحَدَّثتُهُ أَنَّ ذَلِكَ البَابَ رَجُلٌ يُقتَلُ أو يَمُوتُ، حَدِيثًا لَيسَ بِالأَغَالِيطِ.
قَالَ أبو خَالِدٍ: فَقُلتُ لِسَعدٍ: يَا أَبَا مَالِكٍ، مَا أَسوَدُ مُربَادا؟ قَالَ: شِدَّةُ البَيَاضِ فِي سَوَادٍ، قَالَ: قُلتُ: فَمَا الكُوزُ مُجَخِّيًا؟ قَالَ: مَنكُوسًا.
رواه أحمد (5/ 405)، ومسلم (144).
* * *
ــ
الرواياتُ صوابًا كلُّها. قال أبو عبيد، عن أبي عمرو وغيره: الرُّبدَة: لَونٌ بين السواد والغُبرة، وقال ابن دُرَيد: الرُّبدة: الكُدرة، وقال الحَربِيُّ: هو لونُ النَّعَامِ؛ بعضُهُ أسودُ، وبعضُهُ أبيض، ومنه: اربَدَّ لونه؛ إذا (1) تغيَّر ودخله سواد؛ وإنما سمِّي النعام رُبدًا؛ لأنَّ أعاليَ رِيشِهَا إلى السواد، وقال نِفطَوَيهِ: المُربَدُّ: الملمَّع بسواد وبياض، ومنه: تربَّدَ لونُه، أي: تلوَّن فصار كلونِ الرماد.
وقولُ سعدِ بنِ طارق لخالدٍ الأحمرِ في تفسير مُربَادّ: شِدَّةُ البَيَاضِ فِي سَوَادٍ، قال فيه القاضي أبو الوليدِ الكِنَانِيُّ: هذا تصحيفٌ، وأرى (2) صوابه: شِبهُ البياضِ في سواد؛ وذلك أنَّ شِدَّةَ البياضِ في سوادٍ لا تسمَّى رُبدة، وإنما يقال لها: بَلَقٌ؛ إذا كان في الجِسم، وحَوَرٌ؛ إذا كان في العين، والرُّبدة إنما هي شيءٌ من بياضٍ يسيرٍ يخالطُه السوادَ؛ كلونِ أَكثَرِ النعام.
و(قوله: كَالكُوزِ مُجَخِّيًا) قال الهروي: المُجَخِّي: المائلُ، وجَخَّى: إذا فتح عَضُدَيهِ في السجود، وكذلك: جَخَّ، وقال شَمِرٌ: جَخَّى في صلاته: إذا رفَعَ بطنَهُ عن الأرض في السجود، وكذلك: خَوَّى. وقال أبو عُبَيد: المجخّى: المائلُ، ولا
(1) في (ل): أي.
(2)
في (م): وإن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَحسِبُهُ أراد بميله إلا أنه منخَرِقُ الأسفلِ، شبَّه به القلبَ الذي لا يَعِي خيرًا ولا يَثبُتُ فيه، كما لا يثبُتُ الماءُ في الكُوزِ المنخرق.
قال المؤلف رحمه الله: ولا يحتاجُ إلى هذا التقديرِ والتكلُّف؛ فإنَّه إذا كان مقلوبًا منكوسًا - كما قال سعد - لم يَثبُت فيه شيءٌ وإن لم يكن مُنخَرِقًا، وقد فسَّره سياقُ الكلام؛ حيثُ قال: لَا يَعرِفُ مَعرُوفًا، وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا، إِلَاّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ.
و(قوله: أَكَسرًا لَا أَبَا لَكَ! ) استعظامٌ من عمر لكسر ذلك البابِ، وخوفٌ منه ألَاّ يَنجَبِرَ؛ لأن الكَسرَ لا يكونُ إلا عن إكراهٍ وغَلَبة؛ فكأنَّ البابَ المُغلَقَ عن دخولِ الفتن على الإسلامِ: عمر رضي الله عنه، وكَسرُهُ قتله.
واللام في لَا أَبَا لَكَ! مُقحَمَةٌ، وكذلك في قولهم: لا يَدَي لفلانٍ بهذا الأمر، ولا تريد العربُ بهذا الكلامِ نَفيَ الأبوَّةِ حقيقةً، وإنما هو كلامٌ جَرَى على ألسنتهم كالمَثَلِ. ولقد أبدَعَ البديع حيثُ قال في هذا المعنى:
وقَد يُوحِشُ اللفظُ وكلُّه وُدّ
…
ويُكره الشيء وما من فعله بُدّ
هذه العربُ تقولُ: لا أَبَا لك للشيءِ إذا أهَمّ، وقاتَلَهُ اللهُ، ولا يريدون به الذمّ، ووَيلَ أُمِّهِ للأمر إذا تَمّ، والإلبابِ (1) في هذا الباب (2) أن ينظُرَ إلى القولِ وقائله، فإن كان وليًّا فهو الولاءُ وإن خَشُن، وإن كان عدوًّا فهو البَلَاءُ وإن حَسُن.
و(قوله: حَدِيثًا لَيسَ بالأَغَالِيط) أي: حَدَّثتُهُ حديثًا، فهو مصدر. والأَغَالِيطُ: جمع أُغلُوطة؛ قال ابن دُرَيد: هي التي يُغَالَطُ بها، واحدها: مَغلَطَةٌ وأُغلُوطة، وجمعها: أغاليطُ.
(1)"الإلباب": اللزوم والثبات.
(2)
ساقط من (ل).