الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[193]
وَعَن عَائِشَةَ، قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي شَأنِهِ كُلِّهِ، فِي تَنَعُلِهِ، وَفِي تَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ.
رواه أحمد (6/ 94 و 130 و 147)، والبخاري (5854)، ومسلم (268)، وأبو داود (4440).
* * *
(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها
[194]
عَن عَائِشَةَ؛ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَشرٌ مِنَ الفِطرَةِ:
ــ
و(قولها: كان يحب التيمن في شأنه كله) كان ذلك منه تبركًا باسم اليمين لإضافة الخير إليها؛ كما قال تعالى: وَأَصحَابُ اليَمِينِ مَا أَصحَابُ اليَمِينِ، وَنَادَينَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيمَنِ، ولما فيه من اليمن والبركة، وهو من باب التفاؤل، ونقيضه الشمال.
ويؤخذ من هذا الحديث: احترام اليمين وإكرامها، فلا تستعمل في إزالة شيء من الأقذار، ولا في شيء من خسيس الأعمال، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء ومسّ الذكر باليمين.
(8)
ومن باب خصال الفطرة
(قوله: عشرٌ من الفطرة) المراد بالفطرة هنا: السنة، قاله الخطابي، وقد تقدم القول فيها عن الإسراء. وهذه الخصال هي التي ابتلى الله بها إبراهيم فأتمهن فجعله الله إمامًا، قاله ابن عباس. وهذه الخصال مجتمعة في أنها محافظةٌ على
قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعفَاءُ اللِّحيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاستِنشَاقُ المَاءِ، وَقَصُّ الأَظفَارِ،
ــ
حسن الهيئة والنظافة، وكلاهما يحصل به البقاء على أصل كمال الخلقة (1) التي خلق الإنسان عليها، وبقاء هذه الأمور وترك إزالتها يشوه الإنسان ويقبحه، بحيث يُستقذر ويجتنب، فيخرج عما تقتضيه الفطرة الأولى، فسميت هذه الخصال: فطرة لهذا المعنى، والله أعلم.
ولا تباعُد في أن يقول: هي: عشرٌ، وهي: خمسٌ؛ لاحتمال أن يكون أعلم بالخمسِ أولاً، ثم زيد عليها، قاله عياض.
ويحتمل: أن تكون الخمس المذكورة في حديث أبي هريرة هي أوكد من غيرها، فقصدنا بالذكر هنا تنبيهًا على غيرها من خصال الفطرة.
ومن في قوله: عشر من الفطرة للتبعيض؛ ولذلك لم يذكر فيها الختان، ولعله هو الذي نسيه مصعب. وقص الشارب: أن يأخذ ما يطول عن إطار الشفة بحيث لا يشوش على الآكل، ولا يجتمع فيه الوسخ. والإحفاء والجز في الشارب: هو ذلك القص المذكور، وليس بالاستئصال عند مالك وجماعة من العلماء. وهو عنده مُثلَةٌ يؤدب من فعله؛ إذ قد وجد من يقتدى به من الناس لا يُحفون جميعه ولا يستأصلون ذلك. وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا حزبه أمر فتل شاربه، ولو كان يستأصله لم يكن له ما يفتل. وذهب الكوفيون وغيرهم: إلى الاستئصال، تمسكًا بظاهر اللفظ. وذهب بعض العلماء إلى التخيير في ذلك.
وأما إعفاء اللحية: فهو توفيرها وتكثيرها. قال أبو عبيد: يقال: عفا الشيء؛ إذا كثر وزاد. وأعفيته أنا وعفا إذا درس، وهو من الأضداد. وقال غيره: يقال: عفوت الشعر وأعفيته لغتان، فلا يجوز حلقُها، ولا نتفُها، ولا قص الكثير منها. فأما أخذ ما تطاير منها، وما يُشوِّهُ ويدعو إلى الشهرة طولاً
(1) في (ع): أصل كمال الهيئة الخَلْقية.
وَغَسلُ البَرَاجِمِ، وَنَتفُ الإِبِطِ، وَحَلقُ العَانَةِ، وَانتِقَاصُ المَاءِ.
قَالَ مُصعَبٌ بنِ شَيبَة: وَنَسِيتُ العَاشِرَةَ إِلا أَن تَكُونَ المَضمَضَةَ. قَالَ وَكِيعٌ: انتِقَاصُ المَاءِ: يَعنِي الاستِنجَاءَ.
رواه أحمد (6/ 137)، ومسلم (261)، وأبو داود (53)، والترمذي (2758)، والنسائي (8/ 126 - 127).
[195]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الفِطرَةُ خَمسٌ: الاختِتَانُ، وَالاستِحدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقلِيمُ الأَظفَارِ، وَنَتفُ الإِبِطِ.
رواه البخاري (5891)، ومسلم (257)، وأبو داود (4198)، والترمذي (2757)، والنسائي (1/ 14 - 15).
ــ
وعرضًا فحسنٌ عند مالك وغيره من السلف، وكان ابن عمر يأخذ من طولها ما زاد على القبضة. والبراجم: مفاصل الأصابع، وقد تقدم الكلام عليها، وهي إن لم تتعاهد بالغسل أسرع إليها الوسخ.
وانتقاص الماء؛ قال أبو عبيد: انتقاص البول بالماء: إذا غسل مذاكيره به، وقيل: هو الانتضاح. وقال وكيع: هو الاستنجاء بالماء.
وخرج نتف الإبط وحلق العانة على المتيسر في ذلك، ولو عكس: فحلق الإبط ونتف العانة جاز لحصول النظافة بكل ذلك، وقد قيل: لا يجوز في العانة إلا الحلق؛ لأن نتفها يؤدي إلى استرخائها، وذكره أبو بكر بن العربي.
والاستحداد: استعمال الحديدة في الحلق.
وتقليم الأظفار: قصها، والقُلامَةُ: ما يزال منها.
[196]
وَعَنِ ابنِ عُمَرَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَالِفُوا المُشرِكِينَ، أَحفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوفُوا اللِّحَى.
رواه البخاري (5892)، ومسلم (259)، وأبو داود (4199)، والترمذي (2764)، والنسائي (1/ 16).
[197]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا المَجُوسَ.
ــ
وأمَّا الختان: فسنةٌ منتشرة في العرب، معمول بها من لدن إبراهيم، فإنه أول من اختتن، وهو عند مالك وعامة العلماء سنة مؤكدة، وشعارٌ من شعائر الإسلام، إلا أنه لم يرد من الشرع ذم تاركه، ولا توعده بعقاب، فلا يكون واجبًا خلافًا للشافعي، وهو مقتضى قول سحنون من أصحابنا. واستدل ابن سريج على وجوبه بالإجماع على تحريم النظر إلى العورة، وقال: لولا أن الختان فرضٌ لما أبيح النظر إليها من المختُون. وأجيب: بأن مثل هذا قد يباح لمصلحة الجسم؛ كنظر الطبيب؛ على ما قد ثبت عن جماعة من السلف من إباحة ذلك، على ما حكاه أبو عمر، ولم يذكر في إباحة ذلك خلافًا، والطبُّ ليس بواجبٍ إجماعًا، فما فيه مصلحة دينية أولى بذلك.
و(قوله: أحفوا الشوارب) بألف القطع رباعيًا، وهو المشهور فيه، وهو في أصل اللغة للمبالغة في استقصاء ذلك الشيء؛ ومنه: أحفى في المسألة، وفي الكلام: إذا أكثر من ذلك وبلغ غايته، وقد قال ابن دريد: يقال: حفا شاربه، يحفوه، حفوًا: إذا استأصل جزَّه. قال: ومنه: احفوا الشوارب، فعلى هذا يكون ثلاثيًّا، وتكون ألفه ألف وصل تبتدأ مضمومة بضم ثالث الفعل، وقد قدمنا أن هذا الظاهر غير مُراد بما تقدَّم.
رواه أحمد (2/ 365 و 366)، ومسلم (260).
[198]
وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقلِيمِ الأَظفَارِ، وَنَتفِ الإِبِطِ، وَحَلقِ العَانَةِ، أَلا نُترَك أَكثَرَ مِن أَربَعِينَ لَيلَةً.
رواه أحمد (3/ 122 و 203)، ومسلم (258)، وأبو داود (4200)، والترمذي (2759)، والنسائي (1/ 15 - 16).
* * *
ــ
و(قوله: جزوا الشوارب) كذا الرواية الصحيحة عند الكافة، ووقع: خذوا الشوارب. وكأنه تصحيفٌ. ووقع لابن ماهان: ارجوا اللحى، بالجيم، وكأن هذا تصحيف، وتخريجه على أنه أراد أرجئوا من الإرجاء، فسهل الهمزة فيه.
و(قوله: خالفوا المشركين والمجوس) دليل على اجتناب التشبه بهم.
و(قوله في حديث أنس: وُقِّت لنا في قص الشارب. . إلى آخره) هذا تحديد أكثر المدة، والمستحب تفَقّدُ ذلك من الجمعة إلى الجمعة، وإلا فلا تحديد فيه للعلماء، إلا أنه إذا كثر ذلك أزيل.
وهذا الحديث يرويه جعفر بن سليمان. قال العقيلي: في حديثه نظر. وقال أبو عمر فيه: ليس بحجة لسوء حفظه، وكثرة غلطه (1). قال الشيخ رحمه الله: وفي قولهما نظر (2).
(1) انظر: ميزان الاعتدال (1/ 408 - 411).
(2)
ساقط من (ع).