المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

؟

[114]

عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بَدَأَ الإِسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلغُرَبَاء.

رواه مسلم (145)، وابن ماجه (3986).

ــ

(48)

ومن باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود؟

(قوله: بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ) كذا روايتُه بهمز بدأ، وفيه نظر، وذلك أنّ بدأ مهموزًا متعدٍّ إلى مفعول؛ كقوله تعالى: كَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ خَلقٍ نُعِيدُهُ قال صاحب الأفعال: يقال (1) بدأ الله الخلق بدءًا، وأبدأهم: خَلَقهم، وبدأ في الحديث لا يقتضي مفعولاً، فظهر الإشكال.

ويرتفع الإشكال بأن يحمل بدأ الذي في الحديث على طرأ فيكون لازمًا، كما قد اتّفق للعرب في كثير من الأفعال، يتعدّى حملاً على صيغةٍ، ولا يتعدّى حملاً على أخرى، كما قالوا: رجع زيد ورجعته، وفَغَرَ فَاه وفَغَرَ فُوه، وهو كثير. وقد سمعت من بعض أشياخي إنكار الهمزة، وزعم أنّه بدا بمعنى ظهر غير مهموز، وهذا فيه بعد من جهة الرواية والمعنى. فأما الرواية بالهمز، فصحيحة النقل عَمَّن يُعتمد على علمه وضبطه. وأمّا المعنى، فبعيد عن مقصود الحديث، فإنّ مقصودَه أنّ الإسلام نشأ في أول أمره في آحادٍ من الناس وقلّة، ثمّ انتشر وظهر، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنّه سيلحقه من الضعف والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة كابتدائه. وأصل الغربة البعد، كما قال:

فلا تحرميني نائلا عن جناية

فإني امرؤٌ وَسطَ العباب غريبُ

(1) ساقط من (ع).

ص: 362

[115]

وعَنِ ابنِ عُمَرَ؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الإِسلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، وهو يَأرِزُ بَينَ المَسجِدَينِ كَمَا تَأرِزُ الحَيَّةُ فِي جُحرِهَا.

رواه مسلم (146).

[116]

ومن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأرِزُ إِلَى المَدِينَةِ بنحوه.

رواه أحمد (2/ 422)، والبخاري (1876)، ومسلم (147)، وابن ماجه (3111).

ــ

ويحتمل أن يراد بالحديث المهاجرون؛ إذ هم الذين تغرَّبوا عن أوطانهم فرارًا بأديانهم، فيكون معناه أنّ آخر الزمان تشتدّ فيه المحن على المسلمين، فيفرّون بأديانهم ويغتربون عن أوطانهم كما فعل المهاجرون. وقد ورد في الحديث: قيل: يا رسول الله! من الغرباء؟ قال: هم النزاع من القبائل (1)، إشارة إلى هذا المعنى، والله أعلم. ولذلك (2) قال الهرويّ: أراد بذلك المهاجرين. والنُزَّاع جمع نزيع أو نازع، وهو الذي نزع عن أهله وعشيرته وبَعُدَ عن ذلك.

و(قوله: الإسلام يأرِز بين المسجدين، وإنّ الإيمان ليأرِز إلى المدينة) قال أبو عبيد: أي (3): ينضمّ ويجتمع بعضه إلى بعض كما تنضمّ الحيّة في جحرها. وقال ابن دريد: أَرَزَ الشيء يأرِز، إذا ثبت في الأرض، وشجرة أرزَة، أي: ثابتة مجتمعة.

وهذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار بما كان في عصره وعصر من يليه من أصحابه وتابعيهم، من حيث إنّ المدينة دار هجرتهم ومقامهم، ومقصدهم وموضع رحلتهم

(1) رواه أحمد (1/ 398)، وابن ماجه (3988) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(2)

في (ل): لذا.

(3)

ساقط من (ع).

ص: 363

[117]

وعَن أَنَسٍ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُقَالَ فِي الأَرضِ: اللهَ، اللهَ.

وفي أخرى: لا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللهَ، اللهَ.

رواه أحمد (3/ 107 و 201 و 259 و 268)، ومسلم (148)، والترمذي (2208).

ــ

في طلب العلم والدين، ومرجعهم فيما يحتاجون إليه من مهمّات دينهم ووقائعهم، حتّى لقد حصل للمدينة من الخصوصيّة بذلك ما لا يوجد في غيرها. وفيه حجّة على صحّة مذهب مالك في تمسُّكه بعمل أهل المدينة وكونِه حجّةً شرعيّة.

وقال أبو مصعب الزبيريّ في معنى هذا الحديث: إنّما المراد بالمدينة أهل المدينة، وأنّه تنبيه على صحّة مذهبهم، وسلامتهم من البدع المحدثات (1)، واقتدائهم بالسنن، والإيمان مجتمع عندهم وعند من سلك سبيلهم.

و(قوله: بين المسجدين) يعني: مسجدي مكّة والمدينة. وهو إشارة إلى أنّ مبدأ الإيمان كان بمكّة وظهوره بالمدينة.

و(قوله: لا تقوم الساعةُ حتّى لا يقالَ في الأرض: اللهَ اللهَ) كذا صوابه بالنصب، وكذلك قيّدناه عن محقِّقي من لقيناه، ووجهه أنّ هذا مثل قول العرب: الأسدَ الأسدَ، والجدارَ الجدارَ، إذا حذّروا من الأسد المفترس والجدار المائل، فهو منصوب بفعل مضمر، كأنّهم قالوا: احذر الأسد، لكنّهم التزموا إضماره هنا؛ لتكرار الاسم ونصبه، كما قال الشاعر (2):

أخاكَ أخاكَ إنّ من لا أخَا له

كساعٍ إلى الهيجا بغيرِ سلاحِ

(1) في (ل): المحرمات.

(2)

هو مسكين الدارمي.

ص: 364

[118]

وعَن حُذَيفَةَ؛ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَحصُوا لِي كَم يَلفِظُ الإِسلامَ؟ قَالَ: فَقُلنَا: يَا رسولَ الله! أَتَخَافُ عَلَينَا وَنَحنُ مَا بَينَ السِّتمِائَةِ إِلَى السَّبعِمِائَةِ؟ قَالَ: إِنَّكُم لا تَدرُونَ لَعَلَّكُم أَن تُبتَلَوا.

قَالَ: فَابتُلِينَا، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لا يُصَلِّي إِلاّ سِرًّا.

رواه أحمد (5/ 384)، والبخاري (3060)، ومسلم (149)، وابن ماجه (4029).

* * *

ــ

فإن أفردوا، ذكروا الفعل فقالوا: اتّقِ الأسد واحذر الجدار، واحفظ أخاك.

وقد قيَّده بعضهم اللهُ اللهُ بالرفع على الابتداء وحذف الخبر، وفيه بُعد. ولا يعارض هذا قوله عليه الصلاة والسلام: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة (1)؛ لأنّ هذه الطائفة يقاتلون الدجّال ويجتمعون بعيسى عليه السلام، ثمّ لا يزالون على ذلك إلى أن يقبضهم الله بالريح اليمانية التي لا تُبقِي مؤمنا إلا قبضَته، فيبقى شرارُ الخلق بعدهم ليس فيهم من يقول: الله الله، يتهارجون تهارُج الحُمُر، فعليهم تقوم الساعة، على ما يأتي في كتاب الفتن.

و(قوله: أَحصُوا لي كَم يلفظ الإسلام) أي: عدّوا لي، ومنه: وَأَحصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا. وأصل اللفظ الرمي، ومنه: لفظه البحر، أي: رماه، وعداه بنفسه لما حذف الباء في رواية، وفي أخرى بثبوت الباء؛ لأنه محمول على تكلّم المتعدي بحرف الجرّ، فكأنه قال: عُدُّوا لي كم يتكلم بالإسلام.

و(قول حذيفة: فابتُلِينَا حتّى جعل الرجل منّا لا يصلّي إلا سرًا) يعني بذلك - والله أعلم - ما جرى لهم في أوّل الإسلام بمكة حين كان المشركون يُؤذُونهم، ويمنعونهم من إظهار صلاتهم، حتى كانوا يُصلّون سرًّا.

(1) رواه مسلم (156) من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 365