الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود
؟
[114]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بَدَأَ الإِسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلغُرَبَاء.
رواه مسلم (145)، وابن ماجه (3986).
ــ
(48)
ومن باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود؟
(قوله: بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ) كذا روايتُه بهمز بدأ، وفيه نظر، وذلك أنّ بدأ مهموزًا متعدٍّ إلى مفعول؛ كقوله تعالى: كَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ خَلقٍ نُعِيدُهُ قال صاحب الأفعال: يقال (1) بدأ الله الخلق بدءًا، وأبدأهم: خَلَقهم، وبدأ في الحديث لا يقتضي مفعولاً، فظهر الإشكال.
ويرتفع الإشكال بأن يحمل بدأ الذي في الحديث على طرأ فيكون لازمًا، كما قد اتّفق للعرب في كثير من الأفعال، يتعدّى حملاً على صيغةٍ، ولا يتعدّى حملاً على أخرى، كما قالوا: رجع زيد ورجعته، وفَغَرَ فَاه وفَغَرَ فُوه، وهو كثير. وقد سمعت من بعض أشياخي إنكار الهمزة، وزعم أنّه بدا بمعنى ظهر غير مهموز، وهذا فيه بعد من جهة الرواية والمعنى. فأما الرواية بالهمز، فصحيحة النقل عَمَّن يُعتمد على علمه وضبطه. وأمّا المعنى، فبعيد عن مقصود الحديث، فإنّ مقصودَه أنّ الإسلام نشأ في أول أمره في آحادٍ من الناس وقلّة، ثمّ انتشر وظهر، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنّه سيلحقه من الضعف والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة كابتدائه. وأصل الغربة البعد، كما قال:
فلا تحرميني نائلا عن جناية
…
فإني امرؤٌ وَسطَ العباب غريبُ
(1) ساقط من (ع).
[115]
وعَنِ ابنِ عُمَرَ؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الإِسلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، وهو يَأرِزُ بَينَ المَسجِدَينِ كَمَا تَأرِزُ الحَيَّةُ فِي جُحرِهَا.
رواه مسلم (146).
[116]
ومن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأرِزُ إِلَى المَدِينَةِ بنحوه.
رواه أحمد (2/ 422)، والبخاري (1876)، ومسلم (147)، وابن ماجه (3111).
ــ
ويحتمل أن يراد بالحديث المهاجرون؛ إذ هم الذين تغرَّبوا عن أوطانهم فرارًا بأديانهم، فيكون معناه أنّ آخر الزمان تشتدّ فيه المحن على المسلمين، فيفرّون بأديانهم ويغتربون عن أوطانهم كما فعل المهاجرون. وقد ورد في الحديث: قيل: يا رسول الله! من الغرباء؟ قال: هم النزاع من القبائل (1)، إشارة إلى هذا المعنى، والله أعلم. ولذلك (2) قال الهرويّ: أراد بذلك المهاجرين. والنُزَّاع جمع نزيع أو نازع، وهو الذي نزع عن أهله وعشيرته وبَعُدَ عن ذلك.
و(قوله: الإسلام يأرِز بين المسجدين، وإنّ الإيمان ليأرِز إلى المدينة) قال أبو عبيد: أي (3): ينضمّ ويجتمع بعضه إلى بعض كما تنضمّ الحيّة في جحرها. وقال ابن دريد: أَرَزَ الشيء يأرِز، إذا ثبت في الأرض، وشجرة أرزَة، أي: ثابتة مجتمعة.
وهذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار بما كان في عصره وعصر من يليه من أصحابه وتابعيهم، من حيث إنّ المدينة دار هجرتهم ومقامهم، ومقصدهم وموضع رحلتهم
(1) رواه أحمد (1/ 398)، وابن ماجه (3988) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2)
في (ل): لذا.
(3)
ساقط من (ع).
[117]
وعَن أَنَسٍ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُقَالَ فِي الأَرضِ: اللهَ، اللهَ.
وفي أخرى: لا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللهَ، اللهَ.
رواه أحمد (3/ 107 و 201 و 259 و 268)، ومسلم (148)، والترمذي (2208).
ــ
في طلب العلم والدين، ومرجعهم فيما يحتاجون إليه من مهمّات دينهم ووقائعهم، حتّى لقد حصل للمدينة من الخصوصيّة بذلك ما لا يوجد في غيرها. وفيه حجّة على صحّة مذهب مالك في تمسُّكه بعمل أهل المدينة وكونِه حجّةً شرعيّة.
وقال أبو مصعب الزبيريّ في معنى هذا الحديث: إنّما المراد بالمدينة أهل المدينة، وأنّه تنبيه على صحّة مذهبهم، وسلامتهم من البدع المحدثات (1)، واقتدائهم بالسنن، والإيمان مجتمع عندهم وعند من سلك سبيلهم.
و(قوله: بين المسجدين) يعني: مسجدي مكّة والمدينة. وهو إشارة إلى أنّ مبدأ الإيمان كان بمكّة وظهوره بالمدينة.
و(قوله: لا تقوم الساعةُ حتّى لا يقالَ في الأرض: اللهَ اللهَ) كذا صوابه بالنصب، وكذلك قيّدناه عن محقِّقي من لقيناه، ووجهه أنّ هذا مثل قول العرب: الأسدَ الأسدَ، والجدارَ الجدارَ، إذا حذّروا من الأسد المفترس والجدار المائل، فهو منصوب بفعل مضمر، كأنّهم قالوا: احذر الأسد، لكنّهم التزموا إضماره هنا؛ لتكرار الاسم ونصبه، كما قال الشاعر (2):
أخاكَ أخاكَ إنّ من لا أخَا له
…
كساعٍ إلى الهيجا بغيرِ سلاحِ
(1) في (ل): المحرمات.
(2)
هو مسكين الدارمي.
[118]
وعَن حُذَيفَةَ؛ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَحصُوا لِي كَم يَلفِظُ الإِسلامَ؟ قَالَ: فَقُلنَا: يَا رسولَ الله! أَتَخَافُ عَلَينَا وَنَحنُ مَا بَينَ السِّتمِائَةِ إِلَى السَّبعِمِائَةِ؟ قَالَ: إِنَّكُم لا تَدرُونَ لَعَلَّكُم أَن تُبتَلَوا.
قَالَ: فَابتُلِينَا، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لا يُصَلِّي إِلاّ سِرًّا.
رواه أحمد (5/ 384)، والبخاري (3060)، ومسلم (149)، وابن ماجه (4029).
* * *
ــ
فإن أفردوا، ذكروا الفعل فقالوا: اتّقِ الأسد واحذر الجدار، واحفظ أخاك.
وقد قيَّده بعضهم اللهُ اللهُ بالرفع على الابتداء وحذف الخبر، وفيه بُعد. ولا يعارض هذا قوله عليه الصلاة والسلام: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة (1)؛ لأنّ هذه الطائفة يقاتلون الدجّال ويجتمعون بعيسى عليه السلام، ثمّ لا يزالون على ذلك إلى أن يقبضهم الله بالريح اليمانية التي لا تُبقِي مؤمنا إلا قبضَته، فيبقى شرارُ الخلق بعدهم ليس فيهم من يقول: الله الله، يتهارجون تهارُج الحُمُر، فعليهم تقوم الساعة، على ما يأتي في كتاب الفتن.
و(قوله: أَحصُوا لي كَم يلفظ الإسلام) أي: عدّوا لي، ومنه: وَأَحصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا. وأصل اللفظ الرمي، ومنه: لفظه البحر، أي: رماه، وعداه بنفسه لما حذف الباء في رواية، وفي أخرى بثبوت الباء؛ لأنه محمول على تكلّم المتعدي بحرف الجرّ، فكأنه قال: عُدُّوا لي كم يتكلم بالإسلام.
و(قول حذيفة: فابتُلِينَا حتّى جعل الرجل منّا لا يصلّي إلا سرًا) يعني بذلك - والله أعلم - ما جرى لهم في أوّل الإسلام بمكة حين كان المشركون يُؤذُونهم، ويمنعونهم من إظهار صلاتهم، حتى كانوا يُصلّون سرًّا.
(1) رواه مسلم (156) من حديث جابر رضي الله عنه.