المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) بابالإسناد من الدين - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(5) بابالإسناد من الدين

(5) بَاب

الإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ: إِنَّ هذَا العِلمَ دِينٌ؛ فَانظُرُوا عَمَّن تَأخُذُونَ دِينَكُم.

ــ

وبه سُمِّيَ كتابُ الله قرآنًا؛ لِمَا جمَعَ من المعاني الشريفة، ثم قد يقال مصدرًا بمعنى القراءة؛ كما قال الشاعر في عثمان:

. . . . . . . . . . . .

يُقَطِّعُ اللَّيلَ تَسبِيحًا وَقُرآنَا (1)

أي: قراءةً. ومعنى هذا الحديث الإخبارُ بأنَّ الشياطين المسجونَة ستخرُجُ، فتُمَوِّهُ على الجهلة بشيء نقرؤهُ عليهم، وتلبِّس به؛ حتى يحسبوا أنه قرآن، كما فعله مسيلمة، أو تسرُدُ عليهم أحاديث تسندها للنبي صلى الله عليه وسلم كاذبةً، وسميت قرآنًا؛ لما جمعوا فيها من الباطل. وعلى هذا الوجه يستفاد من الحديث التحذيرُ من قَبُول حديث من لا يُعرَفُ.

(5)

ومِن بَاب الإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

أي: مِن أصوله؛ لأنَّهُ لمَّا كان مرجعُ الدينِ إلى الكتابِ والسُّنَّة، والسنَّةُ لا تؤخذ عن كُلِّ أحد: تعيَّنَ النظرُ في حال النَّقَلَةِ، واتِّصَالِ روايتهم، ولولا ذلك، لاختلط الصادقُ بالكاذب، والحقُّ بالباطل، ولمَّا وجَبَ الفرقُ بينهما، وجَبَ النظرُ في الأسانيد. وهذا الذي قاله ابنُ المبارك، قد قاله أنسُ بنُ مالك، وأبو هريرة، ونافعٌ مولى ابن عمر، وغيرهم، وهو أمرٌ واضحُ الوجوب لا يُختَلَفُ فيه. وقال عقبةُ بن نافع

(1) هذا عجز بيت لحسّان، وصدره:

ضَحّوا بأشمطَ عنوانُ السُّجودِ له.

ص: 121

- وَقَالَ: لَم يَكُونُوا يَسأَلُونَ عَنِ الإِسنَادِ، فَلمَّا وَقَعَتِ الفِتنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَناَ رِجَاَلكُم: فَيُنظَرُ إِلى أَهلِ السُّنَّةِ فَيُؤخَذُ حَدِيثُهُم، وَيُنُظَرُ إِلَى أَهلِ البِدَعِ فَلَا يُؤخَذُ حَدِيثُهُم.

ــ

لبنيه: يا بَنِيَّ، لا تقبلوا الحديثَ إلا مِن ثقة. وقال ابن معين: كان فيما أوصى به صُهَيبٌ بنيه أن قال: يا بَنِيَّ، لا تَقبَلُوا الحديثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مِن ثقة. وقال ابن عَون: لا تأخذوا العلمَ إلا ممن يُشهَدُ له بالطلب. وقال سليمانُ بن موسى: لا يؤخذُ العلمُ مِن صَحَفِيٍّ (1)، وقال أيضًا: قلتُ لطاوسٍ: إنَّ فلانًا حدَّثني بكذا وكذا، فقال: إن كان مثبتا (2)، فَخُذ عنه.

و(قوله: لَم يَكُونُوا يَسأَلُونَ عَنِ الإِسنَادِ)؛ يعني بذلك: مَن أدرَكَ من الصحابة وكبراء التابعين. أما الصحابة فلا فرق بين إسنادهم وإرسالهم؛ إذ الكلُّ عدولٌ على مذهب أهل الحَقِّ، كما أوضحناه في الأصول، وكذلك: كُلُّ من خالَفَ في قبول مراسيل غير الصحابة وافَقَ على قبولِ مراسيل الصحابة. وأما كُبَرَاءُ التابعين ومتقدِّموهم فالظاهر من حالهم أنهم يحدِّثون عن الصحابة إذا أرسلوا، فتُقبَلُ مراسيلهم، ولا ينبغي أن يُختَلَفَ فيها؛ لأنَّ المسكوتَ عنه صحابيٌّ، وهم عدول، وهؤلاء التابعون هم: كعروةَ بن الزُّبَيرِ، وسعيد بن المسيِّب، ونافعٍ مولى ابن عمر، ومحمد بن سِيرِينَ، وغيرهم مِمَّن هو في طبقتهم.

وأمَّا من تأخَّر عنهم ممن حدَّثَ عن متأخِّرِي الصحابة وعن التابعين؛ فذلك محلُّ الخلاف، والصواب: قَبُولُ المراسيل إذا كان المُرسِلُ مشهورَ المذهب في الجرح والتعديل، وكان لا يحدِّثُ إلا عن العدول؛ كما أوضحناه في الأصول.

و(قوله: فَلمَّا وَقَعَتِ الفِتنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَناَ رِجَاَلكُم) هذه الفتنة يعني بها

(1)"الصَّحَفي": من يُخطئ في قراءة الصحيفة، ومن يعتمد في رواياته على الصُّحف دون الرجال.

(2)

في (م) وإكمال إكمال المعلم (1/ 24): مليئًا.

ص: 122

- وَقَالَ عَبدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ: الإِسنَادُ مِنَ الدِّينِ، وَلَولَا الإِسنَادُ لَقَالَ مَن شَاءَ مَا شَاءَ.

- وَقَالَ: بَينَنَا وَبَينَ القَومِ القَوَائِمُ، يَعني: الإِسنَادَ.

- وَعَن مُجَاهِدٍ، قَالَ: جَاءَ بُشَيرٌ العَدَوِيُّ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَجَعَلَ ابنُ عَبَّاسٍ لَا يَأذَنُ لِحَدِيثِهِ، وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ، فَقَالَ: يَا ابنَ عَبَّاسٍ! مَا لِي لَا أَرَاكَ

ــ

- والله أعلم -: فتنةَ قتلِ عثمان، وفتنةَ خروجِ الخوارجِ على عليٍّ ومعاوية؛ فإنَّهم كفَّروهما حتى استحلُّوا الدماءَ والأموال.

وقد اختُلِفَ في تكفير هؤلاء، ولا يشَكَّ في أنَّ من كفَّرهم لم يَقبَل حديثهم، ومن لم يكفِّرهُم اختلفوا في قَبُولِ حديثهم؛ كما بَيَّنَّاهُ فيما تقدَّم. فيعني بذلك - والله أعلم -: أنَّ قَتَلَةَ عثمان والخوارجَ لَمَّا كانوا فُسَّاقًا قطعًا، واختلطَت أخبارهم بأخبار مَن لم يكن منهم، وجَبَ أن يُبحَثَ عن أخبارهم فَتُرَدُّ، وعن أخبار غيرهم ممَّن ليس منهم فتُقبَلُ، ثم يجري الحُكمُ من غيرهم من أهل البدعِ كذلك.

ولا يَظُنُّ أحدٌ له فَهمٌ أنَّهُ يعني بالفتنة فتنةَ عليٍّ وعائشةَ ومعاويةَ؛ إذ لا يصحُّ أن يقال في أحدٍ منهم: مبتدعٌ، ولا فاسقٌ، بل كلٌّ منهم مجتهدٌ عَمِلَ على حسب ظنِّه، وهُم في ذلك على ما أجمَعَ عليه المسلمون في المجتهدين من القاعدة المعلومة، وهي أنَّ كلَّ مجتهدٍ مأجورٌ غيرُ مأثوم؛ على ما مهَّدناه في الأصول.

و(قوله: جَاءَ بُشَيرٌ العَدَوِيُّ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ) بُشَيرٌ: بضم الباء، وفتح الشين، وياء التصغير بعدها، وهو عدويٌّ بصريٌّ يكنى أبا أَيُّوب، حدَّث عن أبي ذر، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وحدَّث عنه: عبد الله بن بُديل، وطَلقُ بن حَبِيب، والعلاءُ بن زياد.

و(قوله: فجعَلَ لا يَأذَنُ لحديثِهِ) أي: لا يُصغِي إليه بِأُذُنه، ولا يستمعه؛ ومنه قوله تعالى:{وَأَذِنَت لِرَبِّهَا وَحُقَّت} [الانشقاق: 2].

ص: 123

تَسمَعُ لِحَدِيثِي؟ ! أُحَدِّثُكَ عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَسمَعُ؟ ! فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعنَا رَجُلاً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ابتَدَرَتهُ أَبصَارُنَا، وَأَصغَينَا إِلَيهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعبَ وَالذَّلُولَ، لَم نَأخُذ مِنَ النَّاسِ إِلَاّ مَا نَعرِفُ.

- وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا كُنَّا نُحَدَّثُ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِذ لَم يَكُن يُكذَبُ عَلَيهِ، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعبَ وَالذَّلُولَ تَرَكنَا الحَدِيثَ عَنهُ.

* الآثار الواردة في هذا الباب انظرها في صحيح مسلم (1/ 13 - 15 المقدمة).

* * *

ــ

و(قوله: كُنَّا إِذَا سَمِعنَا رَجُلاً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ابتَدَرَتهُ أَبصَارُنَا، وَأَصغَينَا إِلَيهِ بِآذَانِنَا) أي: قَبِلنَا منه، وأَخَذنَا عنه.

هذا الذي قاله ابن عبَّاس يشهَدُ بصحة ما تأوَّلنا عليه قولَ ابنِ سيرين؛ فإنَّ ابن عبَّاس كان في أوَّل مرة يحدِّثُ عن الصحابة، ويأخذ عنهم؛ لأنَّ سماعَهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قليلاً؛ لصغر سنه، فكان حاله مع الصحابة كما قال، فلمَّا تلاحَقَ التابعون وحدَّثوا، وظهر له ما يوجبُ الرِّيبَةَ، لم يأخذ عنهم؛ كما فعل مع بُشَير العدوي.

و(قوله: فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعبَ وَالذَّلُولَ، لَم نَأخُذ مِنَ النَّاسِ إِلَاّ مَا نَعرِفُ) هذا مَثَلٌ، وأصلُهُ في الإبل، ومعناه: أن الناس تسامَحُوا في الحديثِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجترؤوا عليه؛ فتحدَّثوا بالمرضيِّ عنه، الذي مثَّله بالذَّلُولِ من الإبل، وبالمنكرِ منه الممثَّلِ بالصعبِ من الإبل.

ص: 124