الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء
[129]
عَن أَبِي ذَرٍّ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: فُرِجَ سَقفُ بَيتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبرِيلُ، فَفَرَجَ صَدرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِن مَاءِ زَمزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَستٍ مِن ذَهَبٍ مُمتَلِئٍ حِكمَةً وَإِيمَانًا، قال: فَأَفرَغَهَا فِي صَدرِي، ثُمَّ أَطبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ. . وذكر الحديث.
رواه أحمد (5/ 122)، والبخاري (1636)، ومسلم (163).
ــ
(55)
ومن باب الإسراء
الإسراء سير الليل، يقال: سريتُ مَسرًى وسُرًى وأَسرَيتُ إِسراءً، بمعنى واحد، وبالألف لغة أهل الحجاز وقد جاء في القرآن، وقال حسّان:
حَيِّ النضيرَة رَبَّةَ الخِدرِ
…
أسرَت إليك ولم تكن تَسرِي (1)
وقيل: أسرى: سار من أوّل الليل، وسَرَى: سار من آخره، والقول الأوّل أعرف. ويقال سِرينَا سَريَةً واحدةً، والاسم السُريَة بالضمّ والسُرَى. ويقال: أسراه وأسرى به، مثل. أخَذ الخطامَ وأخَذ بالخطامِ.
واختُلِف في كيفيّة هذا الإسراء وفي زمانه، فقيل: كان كلُّه منامًا، وقيل: كان كلُّه يقظةً، وقيل: كان إلى المسجد الأقصى يقظةً، وإلى ما بعد ذلك منامًا. وكلّ تلك الأقسام جائز، ولكن الذي عليه معظم السلف والخلف أنّه أسري بجسده، وحقيقتُهُ في اليقظة إلى آخر ما انطوى عليه الإسراء، وعليه يدلّ ظاهرُ الكتاب (2) وصحيحُ الأخبار، ومبادرةُ
(1) في (ع) و (أ):
حيّي النظير وربة الخدر
…
أسرت إلي ولم تكن تسري
والمثبت من ديوان حسّان بن ثابت.
(2)
إشارة إلى قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا. . .} [الإسراء: 1].
[130]
وَعَن مَالِكِ بنِ صَعصَعَةَ؛ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بَينَا أَنَا عِندَ البَيتِ بَينَ النَّائِمِ وَاليَقظَانِ، إِذ سَمِعتُ قَائِلا يَقُولُ: أَحَدُ الثَّلاثَةِ بَينَ الرَّجُلَينِ، فَأُتِيتُ، فَانطُلِقَ بِي، فَأُتِيتُ بِطَستٍ مِن ذَهَبٍ فِيهَا مِن مَاءِ زَمزَمَ،
ــ
قريش لإنكار ذلك وتكذيبه. ولو كان منامًا لما أنكروه ولما افتُتِنَ به من افتُتِنَ؛ إذ كثيرًا ما يُرى في المنام أمورٌ عجيبةٌ وأحوالٌ هائلة، فلا يُستبعَد ذلك في النوم، وإنّما يُستبعَد في اليقظة.
ولا يُعارِض ما ذكرناه إلاّ ظاهرُ قوله تعالى: وَمَا جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَينَاكَ إِلَّا فِتنَةً لِلنَّاسِ وألفاظٌ وقعت في بعض طُرُق أحاديث الإسراء، كقوله عليه الصلاة والسلام: بينا أنا نائمٌ، وقوله: فاستيقظتُ ونحو ذلك ممّا وقع في كتاب مسلم وغيرِه. وقد انفصل عن الآية بوجهين:
أحدهما: أنّ هذه قضيّة أخرى غيرُ الإسراء على ما ذكره عكرمة، قال: هي رؤيا دخول المسجد الحرام، والفتنة: الصدّ بالحُدَيبِية.
الثاني: أنّ الرؤيا بمعنى الرؤية والمعاينة، قاله ابن عبّاس في جماعة، والفتنة ارتداد من أنكر ذلك.
وأمّا قوله: بينا أنا نائم يعني في أوّل القصّة، وذلك أنّه كان قد ابتدأ نومه، فأتاه المَلَك فأيقظه. وفي بعض ألفاظِه بينا أنا بين النائمِ واليقظانِ أتاني المَلَك وذكر الحديث.
وقوله: فاستيقظتُ وأنا في المسجد الحرام؛ يحتمل أن يكون استيقاظه من نومٍ نامه بعد الإسراء؛ لأنّ إسراءه لم يكن طول ليلته، وإنّما كان في بعضها. ويحتمل أن يكون بمعنى. أفقتُ، وذلك ممّا كان غمر باطنَه من عجائب ما رأى، وطالع من ملكوت السماوات، وخامر (1) باطنَه من مشاهدة الملأ
(1)"خامر": خالط وقارب.
فَشُرِحَ صَدرِي إِلَى كَذَا وكذا. قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلتُ لِلَّذِي مَعِي: مَا يَعنِي؟ قَالَ: إِلَى أَسفَلِ بَطنِهِ. فَاستُخرِجَ قَلبِي، فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكمَةً، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبيَضَ، يُقَالُ لَه: البُرَاقُ. . وذكر الحديث.
رواه أحمد (4/ 206)، والبخاري (3207)، ومسلم (164)، والترمذي (3343)، والنسائي (1/ 217 - 218).
* * *
ــ
الأعلى، وإلى هذه الإشارة بقوله تعالى: لَقَد رَأَى مِن آيَاتِ رَبِّهِ الكُبرَى فلم يستَفِق ويرجع إلى حال بشريّته إلاّ وهو بالمسجد الحرام، والله أعلم.
وأمّا متى كان الإسراء؟ فأقلّ ما قيل فيه: إنّه كان بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام بخمسةَ عشرَ شهرًا، قاله الزهريّ. وقال الحربيّ: كان ليلةَ سبعٍ وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنةٍ. وقال ابن إسحاق: أُسرِيَ به وقد فشا الإسلام بمكّة والقبائل. وقال الزُهريّ: كان ذلك بعد مبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، وهذا أشبه؛ لأنّه لا خلافَ أنّ خديجة صلّت معه بعد فرض الصلاة، ولا خلافَ أنّها توفيت قبل الهجرة بمدّة قيل: بثلاث سنين، وقيل: بخمس. وقد أجمع العلماء على أنّ فرض الصلاة كان ليلة الإسراء.
* * *