الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث
[211]
عَن بُرَيدَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَومَ الفَتحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيهِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَد صَنَعتَ اليَومَ شَيئًا لَم تَكُن تَصنَعُهُ. فَقَالَ: عَمدًا صَنَعتُهُ يَا عُمَرُ.
ــ
العمامة، سميت بذلك لتخميرها الرأس، شبهها بخمار المرأة. ولم يختلف من أجاز المسح على العمامة في منع المرأة على خمارها، إلا بشيء روي عن أم سلمة، وعن أنس في مسحه على القلنسوة. وفرق ما بين العمامة والخمار عندهم أن العمامة يشق نزعها، لا سيما إن كانت بحنك، ولورود الرخصة فيها عندهم، ولم يرد في الخمار للمرأة، والله أعلم.
(14)
ومن باب: فعل الصلوات بوضوء واحد
(قوله: عمدًا فعلته يا عمر) أي: قصدًا ليبين للناس: أنه يجوز أن يصلى بوضوء واحد صلوات، وهذا أمر لا خلاف فيه، وعليه ما ذهب إليه بعض الناس: أن الوضوء لكل صلاة كان فرضًا خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نسخ ذلك بفعله هذا.
قال الشيخ: ولا يصح أنه كان فرضًا على النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يفعله ابتغاء لفضيلة التجديد، كما في حديث أنس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة طاهرًا وغير طاهر، قيل لأنس: كيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءًا واحدًا (1). خرّجه الترمذي، وقال: إنه صحيح.
(1) رواه البخاري (214)، وأبو داود (171)، والترمذي (58 و 60)، والنسائي (1/ 85).
رواه مسلم (277)، وأبو داود (172)، والترمذي (61)، والنسائي (1/ 86).
[212]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا استَيقَظَ أَحَدُكُم مِن نَومِهِ. فَلا يَغمِس يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغسِلَهَا ثَلاثًا. فَإِنَّهُ لا يَدرِي أَينَ بَاتَت يَدُهُ.
رواه أحمد (2/ 241)، والبخاري (162)، ومسلم (238)، وأبو داود (103 - 105)، والترمذي (24)، والنسائي (1/ 6 - 7).
ــ
و(قوله: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء) تمسك داود والطبري بظاهر هذا الخبر؛ فأوجبا اليدين على من قام من النوم ليلاً أو نهارًا للوضوء، وحكما بأن الماء ينجس إن لم يغسل يديه قبل أن يدخلهما فيه. وخَصَّه ابن حنبل وبعض أهل الظاهر بنوم الليل خاصّة؛ لأنهما فَهِما من لفظ البيات نوم الليل؛ لما رواه أبو داود في هذا الحديث حيث قال: إذا استيقظ أحدكم من الليل، وذكر الحديث.
وذهب الجمهور إلى أن ذلك على جهة الاستحباب؛ بدليل تعليله في آخره بقوله: فإنه لا يدري أين باتت يده. ومعنى ذلك: أن يد النائم تجول في مغابنه ومواضع استجماره، وأعراقه، فقد يتعلق باليد منها شيء، فيؤدي إلى إفساد الماء، على قول من يرى أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء، أو إلى عيافته على قول من يرى أنها لا تنجسه إلا أن تغيره.
واحتج أصحاب الشافعي بهذا الحديث على الفرق بين ورود النجاسة على الماء، وبين ورود الماء على النجاسة، ولا يصح لهم ذلك حتى يصح لهم أن هذا الحديث يفيد أن قليل النجاسة ينجس الماء وإن لم تغيره، وذلك ممنوع؛ فإنه يحتمل أن يكون نهيه عن ذلك؛ لأنه يصير الماء مما يعاف، لا أنه ينجس، والله تعالى أعلم.
ومن هذا الحديث فهم أشهبُ أن حكم غسل اليد في الوضوء الاستحباب للشاك في نظافة يده، وقد قدمنا مأخذ ابن القاسم.
[213]
وَعَن أنسٍ؛ قَالَ: أُقِيمت الصَلاةُ، والنبي صلى الله عليه وسلم يُناجِي رَجُلاً، لَم يَزل يُناجِيهِ حَتى نَامَ أَصحَابُهُ. ثُمَ جَاءَ فَصَلَى بِهِم. وَلَم يَذكُر وَضُوءا.
رواه البخاري (642)، ومسلم (376)، وأبو داود (542)، والترمذي (517 و 518)، والنسائي (2/ 81).
ــ
و(قوله: أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلاً) أي: يحادثه سرًّا.
و(قوله: حتى نام أصحابه) يعني: أنهم ناموا جلوسًا، وقد روى أبو داود عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون (1)، وهذا يدل على أن النوم ليس بحدث؛ إذ لو كان حدثًا كما ذهب إليه المزني وابن القاسم - فيما حكى عنه أبو الفرج - لاستوى قليله وكثيره، كالبول والغائط. وهذا النوم في هذه الأحاديث هو الخفيف المعبر عنه بالسُّنَّة التي ذكر الله تعالى في قوله تعالى: لَا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَومٌ، والذي قال فيه بعض شعراء العرب (2):
وسنَان أقصده النعاسُ فَرنَّقَت
…
في عينه سِنةٌ وليس بنائم
وقال المفضل: السنة في الرأس، والنعاس في العين، والنوم في القلب، وهذا أصل الوضع، وقد يتجوز فيقال على الجميع نوم، كما جاء في الحديث: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي (3)، وكما قد أطلق النوم في حديث أنس هذا على السِّنة.
وذهب الجمهور إلى أن المُستثقل من النوم ناقضٌ للوضوء، من حيث كان مظنّة للحدث، كما جاء في حديث ابن عباس: إنما الوضوء على من نام مضطجعًا، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله (4). وفي حديث علي: وكاء السَّه العينان، فمن
(1) رواه أبو داود (200).
(2)
الشاعر: هو ابن الرِّقاع.
(3)
رواه أحمد (6/ 73)، والبخاري (2013)، ومسلم (736).
(4)
رواه أبو داود (202)، والترمذي (77)، والنسائي (2/ 30).