المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(24) باب حب علي والأنصار آية الإيمان، وبغضهم آية النفاق - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(24) باب حب علي والأنصار آية الإيمان، وبغضهم آية النفاق

(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

[59]

عَن أَنَسٍ؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: حُبُّ الأَنصَارِ آيَةُ الإِيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ.

رواه البخاري (17)، ومسلم (74)، والنسائي (8/ 116).

ــ

(24)

وَمِن بَابِ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ مِنَ الإيمَانِ

(قوله: آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنصَارِ) الحديث، الآيةُ: العَلَامَةُ والدَّلَالة، وقد تكون ظَنِّيَّة، وقد تكون قطعيَّة. وحُبُّ الأَنصَارِ من حيث كانوا أنصارَ الدِّينِ ومُظهِريهِ، وباذلين أموالَهُم وأَنفُسَهُم في إعزازِهِ وإعزازِ نبيِّه وإعلاءِ كلمته دلالةٌ قاطعةٌ على صِحَّةِ إيمانِ مَن كان كذلك، وصحَّةِ محبَّته للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبُغضُهم كذلك دلالةٌ قاطعةٌ على النفاق.

وكذلك القولُ في حُبِّ عليٍّ وبغضه؛ فمَن أحبَّه لسابقته في الإسلام، وقِدَمِهِ في الإيمان، وغَنَائِهِ فيه، وذوده عنه وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولمكانته من النبي صلى الله عليه وسلم وقرابتِهِ ومصاهرته، وعلمِهِ وفضائله، كان ذلك منه دليلاً قاطعًا على صِحَّةِ إيمانه ويقينِهِ ومحبتِهِ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَن أبغضَهُ لشيء من ذلك، كان على العكس.

قال المؤلف رحمه الله: وهذا المعنَى جارٍ في أعيان الصحابة كالخلفاء، والعَشَرة، والمهاجرين، بل وفي كُلِّ الصحابة؛ إذ كُلُّ واحدٍ منهم له شاهد وغَنَاءٌ في الدِّين، وأَثَرٌ حَسَنٌ فيه؛ فحبُّهم لذلك المعنى محضُ الإيمان، وبُغضُهُم له محضُ النفاق، وقد دَلَّ على صحَّة ما ذكرناه: قوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه

ص: 264

[60]

وعَنِ البَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الأَنصَارِ: لَا يُحِبُّهُم إِلَاّ مُؤمِنٌ، وَلَا يُبغِضُهُم إِلَاّ مُنَافِقٌ؛

ــ

البَزَّار في أصحابه كلِّهم: فَمَن أحبَّهم فبحبِّي أحبَّهم، ومَن أبغضَهُم فببغضي أبغَضَهُم (1). لكنَّهم لما كانوا في سوابقهم ومراتبهم متفاوتين، فمنهم المتمكِّن الأمكن، والتالي والمقدَّم، خَصَّ الأمكَنَ منهم بالذكر في هذا الحديث، وإن كان كلٌّ منهم له في السوابق أشرَفُ حديث، وهذا كما قال العليُّ الأعلى: لَا يَستَوِي مِنكُم مَن أَنفَقَ مِن قَبلِ الفَتحِ وَقَاتَلَ، إلى قوله: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الحُسنَى.

تنبيه: مَن أبغض بعضَ مَن ذَكَرنا من الصحابة من غير تلك الجهات التي ذكرناها، بل لأمرٍ طارئ، وحدَثٍ واقعٍ؛ من مخالفةِ غَرَضٍ، أو ضررٍ حصل، أو نحو ذلك: لم يكن كافرًا، ولا منافِقًا بسبب ذلك؛ لأنهم - رضي الله عن جميعهم - قد وقعت بينهم مخالفاتٌ عظيمة، وحروبٌ (2) هائلة، ومع ذلك فلم يكفِّر بعضُهُم بعضًا، ولا حُكِمَ عليه بالنفاقِ لِمَا جرى بينهم من ذلك، وإنما كان حالُهُم في ذلك حالَ المجتهدين في الأحكام؛ فإمَّا أن يكونَ كلُّهم مصيبًا فيما ظهَرَ له. أو المصيبُ واحدٌ، والمخطئُ معذور، بل مخاطبٌ بالعملِ على ما يراه ويظنُّه مأجور.

فمَن وقع له بُغضٌ في واحد منهم لشيءٍ من ذلك، فهو عاصٍ يجبُ عليه التوبةُ من ذلك، ومجاهدةُ نفسه في زوال ما وقَعَ له من ذلك، بأن يذكر فضائلَهُم وسوابقَهُم، وما لهم على كلِّ مَن بعدَهم مِنَ الحقوقِ الدينيَّةِ والدنيوية؛ إذ لم يصل أحدٌ ممن بعدهم بشيءٍ من الدنيا ولا الدِّينِ إلا بهم، وبسببهم وأدبهم وصلَت

(1) الذي وجدنا في كشف الأستار (65) حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحبَّني أحب الأنصار، ومن أبغضني فقد أبغض الأنصار، لا يحبهم منافق، ولا يبغضهم مؤمن. من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله".

(2)

ساقط من (ع).

ص: 265

مَن أَحَبَّهُم أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَن أَبغَضَهُم أَبغَضَهُ اللهُ.

رواه البخاري (3783)، ومسلم (75)، والترمذي (3896).

[61]

وَعَن زِرٍّ، عَن عَليٍّ قَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ!

ــ

لنا (1) كلُّ (2) النِّعَم، واندفَعَت عنا الجهالاتُ والنِّقَم، ومَن حَصَلَت به مصالِحُ الدنيا والآخِرَة، فبغضُهُ كفرانٌ للنِّعَمِ، وصفقتُهُ خاسِرَة.

و(قوله: فَمَن أَحَبَّهُم أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَن أَبغَضَهُم أَبغَضَهُ اللهُ) هذا على مقابلة اللفظ باللفظ، ومعناه: أنَّ من أحبَّهم، جازاه الله على ذلك جزاءَ المحبوبِ المُحِبَّ من الإكرامِ، والتَّرفِيع، والتشفيع، وعكس ذلك في البغض. وظاهرُ هذا الكلام: أنَّه خبرٌ عن مآلِ كُلِّ واحدٍ من الصنفين. ويصلح أن يقال: إنَّ ذلك الخبر خرَجَ مخرجَ الدعاء لكلِّ واحدٍ من الصنفين؛ فكأنَّه قال: اللهمَّ، افعَل بهم ذلك، كما قال: صلَّى اللهُ على محمَّد وآله، والله أعلم.

و(قولُ عليٍّ رضي الله عنه: وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ) أي: شقَّها بما يخرُجُ منها؛ كالنَّخلة من النواة، والسنبلةِ مِن حَبَّةِ الحنطة، والحَبَّة بفتح الحاء: لما يُزرَعُ ويُستَنبَتُ، وبكسرها: لبذور بُقُولِ الصحراء التي لا تزرع.

و(قوله: وبَرَأَ النَّسَمَةَ) أي: خلقها، والنَّسَمَةُ: النَّفسُ، وقد يقال على الإنسان: نَسَمة، وقد يقال أيضًا على الرَّبو؛ ومنه الحديث: تنكَّبوا الغُبَارَ؛ فمنه تكونُ النَّسَمَةُ) (3) أي: الرَّبو والبُهرُ، وهو امتلاءُ الجوف من الهواء.

(1) في (ل): إلينا.

(2)

ساقط من (ع).

(3)

ذكره الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (6).

ص: 266

إِنَّهُ لَعَهدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ: أَلا يُحِبَّنِي إِلَاّ مُؤمِنٌ، وَلَا يُبغِضَنِي إِلَاّ مُنَافِقٌ.

رواه مسلم (78)، والترمذي (3737)، والنسائي (8/ 117).

* * *

ــ

و(قوله: إِنَّهُ لَعَهدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ ألَا يُحِبَّنِي إِلَاّ مُؤمِنٌ، وَلَا يُبغِضَنِي إِلَاّ مُنَافِقٌ) العهد: الميثاق. والأُمِّيُّ: هو الذي لا يَكتُبُ؛ كما قال: إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكتُبُ وَلَا نَحسُبُ (1)، وهو منسوبٌ إلى الأُمِّ؛ لأنَّه باقٍ على أصلِ وِلَادتها؛ إذ لم يتعلَّم كتابةً ولا حسابًا. وقيل: ينسبَ إلى معظمِ أُمَّةِ العرب؛ إذِ الكتابةُ كانت فيهم نادرةً. وهذا الوصفُ مِنَ الأوصافِ التي جعلها الله تعالى مِن أوصافِ كمال النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومدَحَهُ بها، وإنَّما كان وصفَ نقصٍ في غيره؛ لأنَّ الكتابةَ والدراسةَ والدّربة على ذلك: هي الطرقُ الموصِّلَةُ إلى العلومِ التي بها تشرُفُ نفسُ الإنسان، ويعظُمُ قَدرُهَا عادةً.

فلمَّا خَصَّ اللهُ تعالى نبيَّنا محمَّدًا صلى الله عليه وسلم بعلومِ الأوَّلين والآخرين مِن غير كتابة ولا مدارسة، كان ذلك خارقًا للعادة في حقِّه، ومِن أوصافه الخاصَّةِ به، الدالَّة على صدقه، التي نُعِتَ بها في الكُتُبِ القديمة، وعُرِفَ بها في الأممِ السابقة؛ كما قال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوبًا عِندَهُم؛ فقد صارت الأُمِّيَّةُ في حقِّه من أعظمِ معجزاتِه، وأجلِّ كراماتِه، وهي في حَقِّ غيره نقصٌ ظاهر، وعجزٌ حاضر؛ فسبحان الذي صيَّر نقصَنَا في حقِّه كمالَا، وزادَهُ تشريفًا وجلالا.

و(قوله: ألَا يُحِبَّنِي) بفتح همزة أَلا؛ لأنَّها همزةُ أَنِ الناصبةِ للفعل المضارع، ويَحتمِل: أن تكون المخفَّفةَ من الثقيلة؛ وكذلك روي: يُحِبُّنِي، بضمِّ الباء وفتحها، وكذلك: يُبغِضني؛ لأنَّه معطوفٌ عليه. والضميرُ في إنَّه ضميرُ الأمر والشأن، والجملةُ بعده تفسيرٌ له.

(1) رواه أحمد (2/ 43 و 52 و 129)، والبخاري (1913)، ومسلم (1080)، وأبو داود (2319 و 2320 و 2321)، والنسائي (4/ 139 و 140) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 267