الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ: إِذَا وَلَغَ الكَلبُ فِي الإِنَاءِ فَاغسِلُوهُ سَبعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ.
رواه أحمد (4/ 86)، ومسلم (280)، وأبو داود (74)، والنسائي (1/ 177).
* * *
(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد
282 -
[217] عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُم فِي المَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغتَسِلُ مِنهُ.
رواه أحمد (2/ 346 و 362)، والبخاري (239)، ومسلم (282)، وأبو داود (69 و 70)، والترمذي (68)، والنسائي (1/ 49).
ــ
(16)
ومن باب: النهي عن البول في الماء الراكد
(قوله: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم) يعني به: الذي لا يجري. وقد جاء في لفظ آخر: الراكد أي: الساكن.
و(قوله: ثم يغتسل منه) الرواية الصحيحة: يغتسلُ برفع اللام، ولا يجوز نصبها؛ إذ لا ينتصب بإضمار أن بعد ثُم. وبعض الناس قيده: ثم يغتَسِل مجزومة اللام على العطف على: لا يبولن، وهذا ليس بشيء؛ إذ لو أراد ذلك لقال: ثم لا يغتَسلنَّ؛ لأنه إذ ذاك يكون عطف فعل على فعل، لا عطف جملة على جملة، وحينئذ يكون الأصل مساواة الفعلين في النهي عنهما، وتأكيدهما بالنون الشديدة،
[218]
وَعَنهُ؛ قَالَ: قاَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا يَغتَسِل أَحَدُكُم فِي المَاءِ
ــ
فإن المحل الذي توارَد عليه هو شيء واحد، وهو الماء، فعُدُوله عن ثم لا يغتسلن إلى ثم يغتسل دليل على أنه لم يرد العطف، وإنما جاء: ثم يغتسل على التنبيه على مآل الحال، ومعناه: أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه، فيمتنع عليه استعماله، لما وقع فيه من البول، وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: لا يضرب أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها (1)، برفع يضاجعها، ولم يروه أحد بالجزم، ولا يتخيله فيه؛ لأن المفهوم منه: أنه إنما نهاه عن ضربها؛ لأنه يحتاج إلى مضاجعتها في ثاني حال، فتمتنع عليه لما أساء من معاشرتها، فيتعذر عليه المقصود لأجل الضرب، وتقدير اللفظ: ثم هو يضاجعها، وثم هو يغتسل.
وهذا الحديث حجة لمن رأى أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء، وإن لم تُغيره، وهو أحد أقوال مالك، ومشهور مذهبه في رواية المدنيين أنه طهور، لكنه مكروه مع وجود غيره. ويصح أن يحمل هذا الحديث على أنه إذا أبيح البول فيه أدى إلى تغيره، فحميت الذريعة بالنهي عن البول.
ومذهب السلف والخلف أنه لا فرق بين النهي عن البول فيه وبين صب بول فيه، ولا بين البول والغائط، وسائر النجاسات كلها. وذهب من أذهبه الله عن فهم الشريعة، وأبقاه في درجة العوام، وهو داود من المتقدمين، وابن حزم من المتأخرين المجترئين: على أن ذلك مقصورٌ على البول فيه خاصة، فلو صب فيه بولاً أو عذِرَةً جاز ولم يضر ذلك الماء، وكذلك لو بال خارج الماء فجرى إلى الماء لم يضره عندهما، ولم يتناوله النهي، ومن التزم هذه الفضائح وجمد هذا الجمود، فحقيق ألاّ يعد من العلماء، بل ولا في الوجود، ولقد أحسن القاضي أبو بكر رحمه الله حيث قال: إن أهل
(1) ذكره ابن حجر في فتح الباري (1/ 347) بهذا اللفظ، ولم يعزه لأحد. ورواه بنحوه البخاري (4942)، ومسلم (2855)، والترمذي (3340) من حديث عبد الله بن زمعة رضي الله عنه. وانظر: عشرة النساء رقم (284).
الدَّائِمِ وهو جُنُبٌ، فَقَالَ: كَيفَ يَفعَلُ يَا أَبَا هُرَيرَةَ؟ فقَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلاً.
رواه مسلم (283)، والنسائي (1/ 197).
[219]
وَعَن أَنَس بن مَالِكٍ؛ قَالَ: بَينَمَا نَحنُ فِي المَسجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذ جَاءَ أَعرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي المَسجِدِ. فَقَالَ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَه مَه. قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا تُزرِمُوهُ، دَعُوهُ
ــ
الظاهر ليسوا من العلماء، ولا من الفقهاء، فلا يعتد بخلافهم، بل هم من جملة العوام، وعلى هذا جل الفقهاء والأصوليين. ومن اعتد بخلافهم، إنما ذلك لأن من مذهبه أنه يعتبر خلاف العوام؛ فلا ينعقد الإجماع مع وجود خلافهم. والحق: أنه لا يعتبر إلا خلاف من له أهلية النظر والاجتهاد، على ما يذكر في الأصول.
و(قول أبي هريرة لما قيل له: كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولاً) يعني: أن يتناول منه، فيغتسل خارجه، ولا ينغمس فيه، وهذا كما قال مالك، حيث سئل عن نحو هذا، فقال: يحتال. وهذا كله محمول على غير المستبحر (1). وأما إذا كان كثيرا مستبحرًا بحيث لا يتغير فلا بأس به؛ إذ لم يتناوله الخبر.
وللإجماع على أن الماء إذا كان بحيث لا تسري حركة المغتسل أو المتوضئ إلى جميع أطرافه فإنه لا تضره النجاسة إذا لم تغيره، وهو أقصى ما فرق بين القليل والكثير في المياه، والله تعالى أعلم.
و(قوله: مه مه) هي: اسم من أسماء الأفعال، بمعنى كُفّ، وهي ساكنة الهاء، ويقال: به به بالباء بدل الميم، فإن وَصَلتَه نَوّنتَ مَهٍ مَهٍ، ويقال: مَهمَهتُ به؛ أي زجرته.
ولا تزرموه: بتقديم الزاي، أي: لا تقطعوا عليه بوله، يقال: زَرِمَ بوله،
(1)"المستبحر": الذي يُعَدّ كالبحر.
فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ. ثُمَّ إِنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لا تَصلُحُ لِشَيءٍ مِن هَذَا البَولِ وَلا القَذَرِ،
ــ
بكسر الراء؛ أي: انقطع، وأزرمه غيره إزرامًا. وفي الحديث: لا تزرموا أي: لا تقطعوا عليه بوله (1). ويحتمل أمره بتركه أن يكون لئلا تنتشر النجاسة وتكثر، ولئلا يضره قطعُه، وليرفق به.
وقد فرقت الشافعية بين ورود الماء على النجاسة وورود النجاسة على الماء تمسكًا بهذا الحديث، وبقوله عليه الصلاة والسلام: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث (2).
فقالوا: إذا كان الماء دون القلتين فحلت به نجاسة تنجس، وإن لم تغيره، وإن ورد ذلك القدر فأقل على النجاسة فأذهب عينها بقي الماء على طهارته، وأزال النجاسة، وهذه مناقضة؛ إذ المخالطة قد حصلت في الصورتين، وتفريقهم بورود الماء على النجاسة وورودها عليه فرق صوري ليس فيه من الفقه شيء، وليس الباب من باب التعبُدات، بل هو من باب عقلية المعاني، فإنه من باب إزالة النجاسة وأحكامها، ثم هذا كله منهم يرده قوله عليه الصلاة والسلام: الماء طهور لا ينجسه شيء، إلا ما غير لونه أو رائحته أو طعمه (3).
و(قوله: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر) حجة لمالك في منع إدخال الميت المسجد وتنزيهها عن الأقذار جملة، فلا يقص فيها شعر، ولا ظفر، ولا يتسوك فيها؛ لأنه من باب إزالة القذر، ولا يتوضأ فيها، ولا يؤكل فيها طعامٌ منتن الرائحة، إلى غير ذلك مما في هذا المعنى.
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (م).
(2)
رواه أحمد (2/ 12)، وأبو داود (63 - 65)، والترمذي (67)، والنسائن (1/ 175) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
رواه أحمد (3/ 16 و 31 و 86)، وأبو داود (66)، والنسائي (1/ 174) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.