الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة
[246]
عَن عَائِشَةَ؛ قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ. يَبدَأُ فَيَغسِلُ يَدَيهِ - وَفِي رِوَايَةٍ: كَفَّيهِ ثَلاثًا -، ثُمَّ يُفرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغسِلُ فَرجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يَأخُذُ المَاءَ، فَيُدخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعرِ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَن قَدِ استَبرَأَ، حَفَنَ عَلَى رَأسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجلَيهِ.
رواه أحمد (6/ 237)، والبخاري (258)، ومسلم (316)، وأبو داود (240 - 244)، والترمذي (104)، والنسائي (1/ 131).
ــ
(25)
ومن باب صفة غُسلِهِ صلى الله عليه وسلم من الجنابة
(قوله: ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر) قيل: إنما فعل ذلك ليسهل دخول الماء إلى أصول الشعر، وقيل: ليتأنس بذلك حتى لا يجد بعده من صب الماء الكثير نفرة (1).
و(قوله: حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات) استبرأ أي: استقصى وبالغ، من قولهم: استبرأ الخبرُ. وحفن: أخذ وصب. الحفنات: جمع حفنة، وهي ملء الكفين من الطعام أو نحوه، وأصلها من الشيء اليابس كالدقيق والرمل ونحوه. يقال: حفنتُ لهُ حفنةً؛ أي: أعطيته قليلاً، قاله في الصحاح.
ولا يفهم من هذه الثلاث حفنات أنه غسل رأسه ثلاث مرات؛ لأن التكرار في الغسل غير مشروع؛ لما في ذلك من المشقة، وإنما كان ذلك العدد؛ لأنه بدأ بجانب رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم على وسط رأسه، كما جاء في حديث
(1)"النُّفْرة": الانقباض.
[247]
وَعَن مَيمُونَةَ؛ قَالَت: أَدنَيتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غُسلَهُ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيهِ مَرَّتَينِ أو ثَلاثًا، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ أَفرَغَ بِهِ عَلَى فَرجِهِ، وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الأَرضَ فَدَلَكَهَا دَلكًا شَدِيدًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ أَفرَغَ عَلَى رَأسِهِ ثَلاثَ حَفنَاتٍ مِلءَ كَفهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَن مَقَامِهِ ذَلِكَ، فَغَسَلَ رِجلَيهِ، ثُمَّ أَتَيتُهُ بِالمِندِيلِ فَرَدَّهُ.
ــ
عائشة الآتي بعد هذا، وكما وقع في البخاري أيضًا من حديثها.
و(قوله: ثم أفاض الماء على سائر جسده) استدل (1) به من لم يشترط التدليك، وهو الشافعي، ولا حجة له فيه؛ لأن أفاض إنما معناه: غسل، كما جاء في حديث ميمونة الآتي بعد هذا.
: هو صب الماء على المغسول ودلكه، على ما نقله أصحابنا، والذي وقفت عليه من نقل بعض اللغويين: أن الغسل إجادة التطهير، وهو يُفيدُ: أن مجرد الإفاضة والغمس لا يكتفى به في مسمى الغسل، بل لا بد مع ذلك من مبالغة، إما بالدلك، أو بما يتنزَّل منزلتَهُ، وقد تواردت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يغسل أعضاء وضوئه، ويدلكها بيديه، ولا فرق بين الغسل والوضوء في هذا. وقد روي من حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمها كيفية الغسل، وأمرها أن تدلك، وهذا ذكره ابن حزم، وضعفه، وسيأتي في حديث أسماء بنت شَكَلٍ ما يدل على التدليك (2).
و(قولهُ هنا: ثم غسل رجليه)
وفي حديث ميمونة: ثم تنحى عن مقامِه فغسل رجليه، استحب بعض العلماء أن يؤخر غسل رجليه على ظاهر هذه الأحاديث، وذلك ليكون الافتتاحُ والاختتام بأعضاء الوضوء.
وقد رُوي عن مالك: ليس العمل على تأخير غسل الرجلين، وليتم وضوءه في أول غسله، فإن أخرهما
(1) في (ع): اشترط.
(2)
يأتي الحديثُ في أول باب (28).
وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَ أُتِيَ بِمِندِيلٍ، فَلَم يَمَسَّهُ، وَجَعَلَ يَقُولُ بِالمَاءِ هَكَذَا، يَعنِي يَنفُضُهُ.
ــ
أعاد وضوءه عند الفراغ، وكأنه رأى أن ما وقع هنا كان لما ناله من تلك البقعة، وروي عنه: أنه واسعٌ، والأظهر الاستحباب؛ لدوام النبي صلى الله عليه وسلم على فعل ذلك.
و(في حديث ميمونة أنه أتي (1) بالمنديل فرده) يتمسك به من كره التَمندُلَ (2) بعد الوضوءِ والغسل، وبه قال ابن عمرو، وابن أبي ليلى، وإليه مال أصحاب الشافعي رحمه الله، وقال: هو أثر عبادةٍ فتكره إزالته، كدم الشهيد، وخلوف فم الصائم، ولا حجة في الحديث؛ لاحتمال (3) أن يكون رده إياه لشيء رَآهُ في المنديل، أو لاستعجاله للصلاة، أو تواضعًا، أو مجانبة لعادة المترفهين.
وأما القياس فلا نسلمهُ؛ لأنا نمنع (4) الحكم في الأصل؛ إذ الشهيد يحرم غَسل دمه، لا يكره، ولا تكره إزالة الخلوف بالسواك، وروي عن ابن عباس أنه يُكره التمندُلُ في الوضوء دون الغسل. والصحيح أن ذلك واسع، كما ذهب إليه مالك، تمسكًا بعدم الناقل عن الأصل. وأيضًا فقد روي عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة ينشف بها بعد الوضوء (5)، ومن حديث معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح وجهه من وضوئه بطرف ثوبه (6)، ذكرهما الترمذي، وقال: لا يصح في الباب شيء.
و(قولها: وجعل يقول بالماء هكذا) تعني: ينفضه، ردٌّ على من كره
(1) فى (م) و (ط): أتيته.
(2)
في الأصول: (المنديل) والمثبت من (ط).
(3)
في (ل): لحالة.
(4)
في (ع): لا نمنع.
(5)
رواه الترمذي (53).
(6)
رواه الترمذي (54).
وَفِي أُخرى: وَصفُ الوُضُوءِ كُلِّهِ، يَذكُرُ المَضمَضَةَ وَالاستِنشَاقَ فيه.
رواه البخاري (257)، ومسلم (317)، وأبو داود (245)، والترمذي (103)، والنسائي (1/ 137).
[248]
وَعَن عَائِشَةَ؛ قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ دَعَا بِشَيءٍ نحو الحِلابِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، بَدَأَ بِشِقِّ رَأسِهِ الأَيمَنِ، ثُمَّ الأَيسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيهِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأسِهِ.
ــ
التمندل، وقال: لأن الوضوء نور، إذ لو كان كما قال لما نفضه عنه؛ لأن النفضَ كالمسح في إتلاف ذلك الماء.
و(قولها: إن النبي صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق في الغسل) متمسك لأبي حنيفة في إيجابه المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل، وقد تكلمنا على ذلك في الوضوء، ولا متمسك له فيه هاهُنا؛ للاتفاق على أن هذا الوضوء في أول الغسل ليس بواجب، بل مندوب؛ ولأن المأمور به في الغسل ظاهر جلدِ الإنسان لا باطنه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: فاغسلوا الشعر وأنقوا البَشر (1)، والبَشر: ظاهر جلد الإنسان المباشِر.
و(قول عائشة: دعا بشيءٍ نحو الحلاب) روايتنا فيه: الحلاب، بكسر الحاء المهملة لا يصح غيرهًا، قال الخطابي: هو إناءٌ يسع قدر حلبةٍ، وقال غيره: إناء ضخم يحلب فيه، يقال له: المِحلب أيضًا، بكسر الميم، قال الشاعر:
صاحِ! هل رأيت أو سَمِعتَ براع
…
رد في الضرع ما ثوى (2) في الحلاب
(1) رواه أبو داود (248)، والترمذي (106)، وابن ماجه (597) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في (ل): ما قرّ.