الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) بَابُ
النَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ
[4]
عَن حَفصِ بنِ عَاصِمٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَفَى بِالمَرءِ كَذِبًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.
قُلتُ: أَكثَرُ النَّاسِ يُرسِلهُ عَن حَفصٍ: لا يَذكُرُ أَبَا هُرَيرَةَ، فَأَسنَدَهُ الرَّازِي وَحدَهُ وهو ثِقَة.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وابنُ مَسعُودٍ: بِحَسبِ المَرءِ مِنَ الكَذِبِ أن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: اِعلَم أَنَّه لَيسَ يَسلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلَا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وهو يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.
ــ
(3)
ومِن بَابُ النَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.
(قولُهُ عليه الصلاة والسلام: كَفَى بِالمَرءِ كَذِبًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ): هذا الحديث رواه مسلم في كتابه من طريقين:
أحدهما: طريق عبد الرحمن بن مَهدِيِّ، عن خُبيبِ بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء كذِبًا. الحديثَ مرسلا عن حفص، ولم يذكُر أبا هريرة؛ هكذا وقع عند كافَّة رواة كتاب مسلم، ووقَعَ عند أبي العَبَّاس الرازيِّ - وحده - في هذا الإسناد: عن أبي هريرة، فأسنده.
ثمَّ أردَفَ مسلمٌ الطريق الآخر: عن عليِّ بنِ حَفص المدائنيِّ، عن شعبة، عن خُبَيب، عن حفص، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله، قال عليّ بن عمر الدَّارَقُطنِيُّ: والصوابُ المرسل.
- وَعَن سُفيَانَ بنِ حُسَينٍ، قالَ: سَأَلَنِي إِيَاسُ بنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إِنِّي أَرَاكَ قَد كَلِفتَ بِعِلمِ القُرآنِ، فَاقرَأ عَلَيَّ سُورَةً وَفَسِّر؛ حَتَّى أَنظُرَ فِيمَا عَلِمتَ، قَالَ: فَفَعَلتُ، فَقَالَ لِيَ: احفَظ عَلَيَّ مَا أَقُولُ لَكَ: إِياَّكَ وَالشَّنَاعَةَ فِي الحَدِيثِ! فَإِنَّهُ قلَّمَا حَمَلَهَا أَحَدٌ إِلَاّ ذَلَّ فِي نَفسِهِ، وَكُذِّبَ فِي حَدِيثِه.
ــ
والباء في بالمرء: زائدةٌ هنا على المفعول، وفاعل كفى: أن يحدِّث، وقد ترد هذه الباء على فاعل كفى؛ كقوله تعالى:{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] وكذبًا وشهيدًا: منصوبان على التمييز.
ومعنى الحديث: أنَّ مَن حدَّث بكلِّ ما سمع، حصَلَ له الحظُّ الكافي من الكذب؛ فإنَّ الإنسان يسمعُ الغَثَّ والسمين، والصحيح والسقيم، فإذا حدَّث بكل ذلك، حدَّثَ بالسقيم وبالكذب، ثم يُحمل عنه، فيَكذِبُ في نفسه أو يُكذب بسببه.
ولهذا أشار مالك بقوله: لَيسَ يَسلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلَا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا، أي إذا وُجِدَ الكَذِبُ في روايته، لم يوثَقُ بحديثه، وكان ذلك جَرحه فيه؛ فلا يصلحُ ليقتدي به أحدٌ ولو كان عالمًا، فلو بيَّن الصحيحَ من السقيم، والصادقَ من الكاذب سَلِمَ من ذلك، وتقصَّى عن عُهدَةِ ما يجبُ عليه من النصيحة الدينيَّة.
و(قوله: إِنِّي أَرَاكَ قَد كَلِفتَ بِعِلمِ القُرآنِ) هو بكسر اللام من الكَلَفِ بالشيء، وهو الوَلُوعُ به، والمحبَّةُ له، والاعتناءُ به؛ وهكذا صحَّت روايتُنا فيه، وقد رُويَ من طريق الطبريِّ: عَلِقتَ، وهو من العَلَاقة، وهي المحبة.
والشناعة في الحديث: هو ما يُستَقبَحُ، ويُستنكر؛ يقال: شَنِعتُ بالشيء، أي: أنكرتُهُ، بكسر النون، وشَنُعَ الشيءُ بضمها: قَبُحَ في نفسه، وشَنَّعتُ على الرجل مشدَّدًا: إذا ذَكَرتَ عنه قبيحًا؛ حذَّره بهذا القولِ عن أن يحدِّثَ الأحاديث المنكرة، فيُكَذَّبُ وَيَزلُّ.