المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(23) باب نسبة الاختراع لغير الله حقيقة كفر - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(23) باب نسبة الاختراع لغير الله حقيقة كفر

(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

[57]

عَن زَيدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبحِ بِالحُدَيبِيَةِ فِي إِثرِ سَمَاءٍ كَانَت مِنَ اللَّيلِ، فَلَمَّا انصَرَفَ، أَقبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: هَل تَدرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُم؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ.

ــ

(23)

وَمِن بَابِ: نِسبَةُ الاِختِرَاعِ إِلَى غَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

(قوله: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبحِ بِالحُدَيبِيَةِ فِي إِثرِ سَمَاءٍ كَانَت مِنَ اللَّيلِ) أكثرُ الرواة يشدِّدون ياء الحُدَيبِيَّةِ، وهي لغةُ أهلُ اليمن، وأهل العراق يخفِّفونها. والجِعِرَّانة يقولها أهلُ المدينة بكسر العين وتشديد الراء، وأهلُ العراق يُسكِنون العين ويُخفِّفون الراء، وابنُ المسيِّب وأهلُ المدينة يكسرون الياءَ مشدَّدة، وأهلُ العراق يفتحونها، وكذلك قرأتُهُ، وقيَّدته على مَن لَقِيته وقَيَّدتُّ عليه.

والحديبية: موضعٌ فيه ماءٌ بينه وبين مَكَّة أميال، وَصَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إليه وهو مُحرِمٌ بعمرة قبل فتح مكَّة، فصدَّه المشركون عن البيت، فصالحهم وشرَطَ لهم وعليهم، ولم يدخُل مكَّةَ في تلك السنة، ورجَعَ إلى المدينة، فلمَّا كان العامُ المقبلُ، دخلها، وسيأتي تفصيلُ ذلك كلِّه، إن شاء الله تعالى.

وإثرَ الشَّيءِ بكسرِ الهمزة وإسكانِ الثاء المثلَّثة: بَعدَهُ وعَقِبَهُ، ويقال فيه: أَثَر، بفتح الهمزة والثاء. والسَّمَاءُ هنا المطرُ، سُمِّي بذلك؛ لأنَّه من السماء ينزل، وحقيقةُ السماء: كلُّ ما علاك فأظلَّك.

و(قوله: فَلَمَّا انصَرَفَ، أَقبَلَ عَلَى النَّاسِ) أي: انصرَفَ مِن صلاته، وفرَغَ منها؛ فظاهره: أنَّه لم يكن يثبت في مكان صلاتِهِ بعد سلامه؛ بل كان ينتقلُ عنه ويتغيَّرُ عن حالته، وهذا الذي يستحبَّهُ مالك للإمامِ في المسجد؛ كما سيأتي.

ص: 258

قَالَ: قَالَ: أَصبَحَ مِن عِبَادِي مُؤمِنٌ بِي وَكَافِرٌ؛ فَأَمَّا مَن قَالَ: مُطِرنَا بِفَضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالكَوكَبِ، وَأَمَّا مَن قَالَ: مُطِرنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤمِنٌ بِالكَوكَبِ.

رواه أحمد (4/ 117)، والبخاري (846)، ومسلم (71)، وأبو داود (3906)، والنسائي (3/ 165).

ــ

و(قوله: أَصبَحَ مِن عِبَادِي مُؤمِنٌ بِي وَكَافِرٌ) ظاهره: أنَّه الكُفرُ الحقيقيُّ؛ لأنَّه قابَلَ به المؤمنَ الحقيقيَّ، فيُحمَلُ على مَنِ اعتقَدَ أنَّ المطر مِن فعل الكواكبِ وخَلقِها، لا مِن فِعلِ الله تعالى؛ كما يعتقده بعضُ جهَّال المنجِّمين والطبائعيِّين والعَرَب.

فأمَّا من اعتقَدَ أنَّ الله تعالى هو الذي خلَقَ المَطَرَ واخترعَهُ ثُمَّ تكلَّم بذلك القولِ، فليس بكافر؛ ولكنَّه مخطئٌ من وجهَين:

أحدهما: أنّه خالَفَ الشرع؛ فإنَّه قد حذَّر من ذلك الإطلاق.

وثانيهما: أنَّه قد تشبَّه بأهلِ الكفر في قولهم، وذلك لا يجوزُ؛ لأنَّا قد أَمَرَنَا بمخالفتهم؛ فقال: خَالِفُوا المُشرِكين (1)، وخَالِفُوا اليَهُودَ (2). ونُهِينَا عن التشبُّهِ بهم؛ وذلك يقتضي الأَمرَ بمخالفتهم في الأفعالِ والأقوالِ على ما يأتي إن شاء الله تعالى، ولأنّ الله تعالى قد مَنَعَنا من التشبُّهِ بهم في النطق، بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا لمَّا كان اليهودُ يقولون تلك الكلمةَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم يقصدون ترعينَهُ (3)، مَنَعَنَا اللهُ مِن إطلاقها، وقولِهَا للنبي صلى الله عليه وسلم وإن قَصَدنا بها الخيرَ؛ سَدًّا للذريعة، ومنعًا من التشبُّهِ بهم. فلو قال غير هذا اللفظ

(1) رواه البخاري (5892)، ومسلم (259) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(2)

رواه أبو داود (652) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.

(3)

في هامش (م): يقصدون به عيبه.

ص: 259

[58]

وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَصبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ، وَمِنهُم كَافِرٌ، قَالُوا: هَذِهِ رَحمَةُ اللهِ،

ــ

الممنوع يريدُ به الإخبارَ عمَّا أَجرَى الله به سُنَّتَهُ جاز؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: إذا نشَأَت بَحرِيَّةٌ ثُمَّ تشاءَمَت، فَتِلكَ عَينٌ غَدِيقَةٌ (1).

و(قوله: فَأَمَّا مَن قَالَ: مُطِرنَا بِفَضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالكَوكَبِ) أي: مصدِّقٌ بأنَّ المطر خَلقِي لا خلقُ الكوكب، أَرحَمُ به عبادي، وأتفضَّل عليهم به، كما قال: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ.

والنَّوء لغةً: النهوضُ بثِقَلٍ، يقال: ناء بكذا: إذا نهَضَ به متثاقلاً؛ ومنه: لَتَنُوءُ بِالعُصبَةِ أي: لَتُثقِلُهُم عند النهوضِ بها (2). وكانت العَرَبُ إذا طلع نجمٌ من المشرِقِ، وسقَطَ آخر من المغرب، فحدَثَ عند ذلك مطرٌ أو ريح: فمنهم مَن يَنسُبُهُ إلى الطالِعِ، ومنهم مَن ينسبه إلى الغارب (3) الساقِطِ نِسبَةَ إيجادٍ واختراعٍ، ويُطلِقون ذلك القولَ المذكور في الحديث، فنهى الشرعُ عن إطلاقِ ذلك؛ لئلا يَعتَقِدَ أحدٌ اعتقادَهُم، ولا يتشبَّهَ بهم في نُطقهم، والله أعلم.

و(قوله: أَصبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ، وَمِنهُم كَافِرٌ) أصلُ الشكر: الظهورُ؛ ومنه قولهم: دابَّةٌ شَكُورٌ: إذا ظهر عليها من السِّمَن فوق ما تأكلُهُ من العلف. والشاكرُ: هو الذي يُثنِي بالنعمةِ ويُظهِرها ويعترفُ بها للمُنعِم، وجَحدُهَا: كفرانُهَا؛ فمَن

(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 217): رواه الطبراني في الأوسط، وقال: تفرّد به الواقدي، قلت: وفي الواقدي كلام، وقد وثّقه غير واحد، وبقية رجاله لا بأس بهم، وقد وثقوا.

"غُدَيقة": أي: كثيرة الماء.

(2)

ساقط من (ع).

(3)

في (ط): الغايب، والمثبت من (م) و (ل). وهذا اللفظ ساقط من (ع).

ص: 260

وَقَالَ بَعضُهُم: لَقَد صَدَقَ نَوءُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: فَلَا أُقسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ حَتَّى بَلَغَ: وَتَجعَلُونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبُونَ.

رواه مسلم (73).

* * *

ــ

نسَبَ المطَرَ إلى الله تعالى، وعرَفَ مِنَّتَهُ فيه، فقد شكَرَ الله تعالى، ومَن نسبه إلى غيره، فقد جحَدَ نعمةَ الله تعالى في ذلك، وظلَمَ بنسبتها لغير المُنعِم بها؛ فإن كان ذلك عن اعتقاد، كان كافرًا ظالمًا حقيقةً، وإن كان عن غير معتقد، فقد تشبَّهَ بأهلِ الكفر والظلمِ الحقيقيِّ؛ كما قلناه آنفًا.

وقد قابل في هذا الحديث بين الشكر والكفر؛ فدلَّ ظاهره على أن المراد بالكفر هاهنا كفرانُ النعم، لا الكفرُ بالله تعالى.

ويحتملُ أن يكون المرادُ به الكفرَ الحقيقيَّ؛ ويؤيِّد ذلك استدلالُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: وَتَجعَلُونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبُونَ أي: تجعلون شُكرَ رزقِكُمُ التكذيبَ؛ على حذفِ المضاف؛ قاله المفسِّرون، وقرأ عليٌّ: وَتَجعَلُونَ شُكرَكُم فعبَّر عن الرزق بالشُّكرِ، والرزقُ: الشكرُ بلغَةِ أَزدِ شَنُوءة، يقال: ما أرزقَهُ! أي: ما أشكَرهُ! وما رزَقَ فلانٌ فلانًا، أي: ما شَكَره (1).

و(قوله: فَلَا أُقسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) أصله: للقسم؛ قاله ابنُ عبَّاس. وقرأ عيسى: لَأُقسِمُ بحذفِ الألف؛ كأنه قال: لَأُقسِمَنَّ، فحذَفَ نونَ التوكيد، وكذلك قرأ الحسَنُ والفراء (2) في رواية البزي (3): لأقسم

(1) قوله: (وما رزق. . . ما شكره) ساقط من (ع).

(2)

في (ع) و (م) و (ط)، والمثبت من (ل) وتفسير القرطبي (19/ 62).

(3)

هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم، أبو الحسن الفارسي: مقرئ مكة. توفي سنة (250 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء (12/ 50).

ص: 261

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بيوم القيامة (1) ويلزمُ ذلك النونُ الشديدةُ أو الخفيفةُ، وحَذفُهَا شاذٌّ.

ومواقع النجوم مساقطها، وقيل: مطالعها، وقيل: انكدارُهَا وانتثارها يوم القيامة. وقيل في تأويلِ الآية: إنها قَسَمٌ بقلبِ محمد صلى الله عليه وسلم، والنجومُ هي القرآن؛ لأنَّه أُنزِلَ نجومًا؛ وروي ذلك عن ابن عبَّاس، والقَسَمُ: الإيلاءُ والحَلِفُ. وهذا وأشباهه قَسَمٌ من الله تعالى على جهة التشريفِ للمقسَمِ به، والتأكيدِ للمُقسَمِ له، ولله تعالى أن يُقسِمَ بما شاء مِن أسمائه وصفاتِهِ ومخلوقاتِهِ تشريفًا وتنويهًا؛ كما قال: وَالشَّمسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيلِ إِذَا يَغشَى، وَالعَادِيَاتِ، وَالمُرسَلَاتِ، وَالنَّازِعَاتِ ونحو هذا.

وقد تكلَّف بعضُ العلماء، وقال: إنَّ المقسَمَ به في مثلِ هذه المواضع محذوفٌ للعلم به؛ فكأنه قال: وربِّ الشمسِ، وربِّ الليل. والذي حمله على ذلك: أنَّه لمَّا سَمِع أنَّ الشرع قد نهانا أن نَحلِفَ بغير الله تعالى، ظنَّ أنَّ الله تعالى يمتنعُ مِن ذلك، وهذا ظن قاصر وفهمٌ غيرُ حاضر؛ إذ لا يَلزَمُ شيءٌ من ذلك؛ لأنَّ للهِ تعالى أن يحكمَ بما شاء، ويفعَلَ من ذلك (2) ما يشاء؛ إذ لا يتوجَّهُ عليه حُكم، ولا يترتَّبُ عليه حَقٌّ. وأيضًا: فإنَّ الشرع إنما منعنا من القسمِ بغيرِ الله تعالى؛ حمايةً عن التشبُّهِ بالجاهليةِ فيما كانوا يُقسِمون به من معبوداتهم ومُعَظَّمَاتِهم الباطلةِ؛ على ما يأتي الكلامُ عليه في الأَيمَان.

وقوله: {إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكنُونٍ} الكريم: الشريفُ الكثيرُ المنافعِ السَّهلهَا. والمكنونُ: المَصُونُ المحفوظ، ويعني بالكتاب: اللوحَ المحفوظَ؛ كقوله: بَل هُوَ قُرآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوحٍ مَحفُوظٍ.

والمُطَهَّرُونَ بحكم عُرفِ الشرع: هم المتطهِّرون من الحدَثِ؛ وعليه فتكونُ لَا نهيًا، ويَمَسّهُ مجزومٌ بالنهي، وضُمَّت سينه لأجل الضمير؛ كما قالوا: شُرهُ ومُرهُ. ويجوزُ أن يكون خبرًا

(1) الآية {لا أقسم بيوم القيامة} [القيامة: 1].

(2)

ساقط من (ع).

ص: 262

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عن المشروعيَّة، أي: لا يجوزُ مسُّهُ إلَاّ لمن تطهَّر من الحدث، ويكونُ هذا نحو قولِهِ تعالى: وَالوَالِدَاتُ يُرضِعنَ أَولَادَهُنَّ حَولَينِ كَامِلَينِ. وهذا تقريرُ وجهِ منِ استدلَّ بالآية على تحريمِ مَسِّ القرآنِ على غير طهارة، وهُمُ الجمهور، وأَمَّا مَن أجاز ذلك، وهم أهلُ الظاهر: فحملوا الآية على أنَّها خبرٌ عمَّا في الوجود، أي: لا يَمَسُّهُ ولا ينالُهُ ولا يباشرُهُ إلا الملائكةُ، وهم المطهَّرون بالحقيقةِ، وتكونُ هذه الآيةُ مثلَ قوله:{فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} ؛ وإلى هذا صار مالكٌ في تفسير هذه الآية، مع أنَّ مذهبَهُ أنَّه لا يجوزُ لِمُحدِثٍ مسُّ المصحف؛ أخذًا بهذا الحكم مِنَ السُّنَّةِ الثابتة عنده، لا مِنَ الآية، والله تعالى أعلم. وقد قيل في الآية: لَا يَمَسُّهُ: لا يفهمُهُ ولا يجدُ حلاوتَهُ إلا المؤمنون المحقِّقون، والأول الظاهر.

و(قوله: أَفَبِهَذَا الحَدِيثِ أَنتُم مُدهِنُونَ يعني بالحديث: القرآنَ؛ لأنه أحاديثُ عن الأممِ الماضيةُ والوقائعِ الآتية، والأحكامِ الجارية. ومُدهِنُونَ: مكذِّبون، وأصله من الدَّهن؛ يقال: أَدهَنَ، وداهَنَ؛ أي: ترَكَ ما هو عليه وتلبَّس بغيره.

* * *

ص: 263