المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(39) باب الإسلام إذا حسن، هدم ما قبله من الآثام، وأحرز ما قبله من البر - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(39) باب الإسلام إذا حسن، هدم ما قبله من الآثام، وأحرز ما قبله من البر

(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

[94]

عَن عَبدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رسولَ الله، أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلنَا فِي الجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: أَمَّا مَن أَحسَنَ مِنكُم فِي الإِسلَامِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَن أَسَاءَ، أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَالإِسلَامِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: وَمَن أَسَاءَ فِي الإِسلَامِ، أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ.

رواه أحمد (1/ 379 و 462)، والبخاري (6921)، ومسلم (120).

ــ

(39)

وَمِن بَابٍ الإِسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

(قوله: أَمَّا مَن أَحسَنَ مِنكُم فِي الإِسلَامِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَن أَسَاءَ، أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَالإِسلَامِ) يعني بالإحسانِ هنا: تصحيحَ الدخولِ في دِينِ الإسلامِ، والإخلاصَ فيه، والدوامَ على ذلك مِن غير تبديلٍ ولا ارتداد.

والإساءةُ المذكورةُ في هذا الحديثِ في مقابلةِ هذا الإحسانِ: هي الكفرُ والنفاق، ولا يَصِحُّ أن يراد بالإساءةِ هنا ارتكابُ سَيِّئةٍ ومعصية؛ لأنه يلزمُ عليه ألَاّ يَهدِمَ الإسلامُ ما قبله مِنَ الآثامِ إلا لمن عُصِمَ من جميعِ السيئاتِ إلى الموت، وهو باطلٌ قطعًا؛ فتعيَّن ما قلناه.

والمؤاخذةُ هنا: هي العقابُ على ما فعله مِنَ السيِّئات في الجاهليَّة وفي حالِ الإسلام، وهو المعبَّرُ عنه في الروايةِ الأخرى بقوله: أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ. وإنما كان كذلك؛ لأنَّ إسلامَهُ لمَّا لم يكن صحيحًا ولا خالصًا لله تعالى، لم يَهدِم شيئًا مما سبَقَ، ثم انضافَ إلى ذلك إثمُ نفاقِهِ وسيئاتِهِ التي عَمِلَهَا في حالِ الإسلام، فاستحَقَّ العقوبةَ عليها. ومِن هنا: استَحَقَّ المنافقون أن يكونوا في الدَّركِ الأسفلِ من النار؛ كما قال الله تعالى. ويستفادُ منه أنَّ الكُفَّارَ مخاطَبُونَ بالفروع.

ص: 327

[95]

وَعَنِ ابنِ شُمَاسَةَ المَهرِيِّ، قَالَ: حَضَرنَا عمرو بنَ العَاصِ وهو فِي سِيَاقَةِ المَوتِ، فَبَكَى طَوِيلاً، وَحَوَّلَ وَجهَهُ إِلَى الجِدَارِ، فَجَعَلَ ابنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا؟ ! أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا؟ ! قَالَ: فَأَقبَلَ بِوَجهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفضَلَ مَا نُعِدُّ: شَهَادَةُ أَن لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، إِنِّي كُنتُ عَلَى أَطبَاقٍ ثَلَاثَةٍ: لَقَد رَأَيتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغضًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي، وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ مِن أَن أَكُونَ قَدِ استَمكَنتُ مِنهُ فَقَتَلتُهُ، فَلَو مُتُّ عَلَى تِلكَ الحَالِ لَكُنتُ مِن أهل النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإِسلَامَ فِي قَلبِي، أَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلتُ: ابسُط يَمِينَكَ فَلِأُبَايِعكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضتُ يَدِي، قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمرُو؟ ! ، قَالَ: قُلتُ: أَرَدتُّ أَن أَشتَرِطَ، قَالَ: تَشتَرِطُ بمَاذَا؟ ! ، قُلتُ: أَن يُغفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمتَ أَنَّ

ــ

وابنُ شُمَاسَةَ رُوِّيناه بفتح الشين وضمِّها، واسمُهُ: عبد الرحمن بن شُمَاسة، أبوه مِن بني مَهرة، قَبِيلٌ.

و(قولُ عمرو بن العاص: إِنَّ أَفضَلَ مَا نُعِدُّ: شَهَادَةُ: أَن لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) أي: أفضلُ ما نتخذه عُدَّةً لِلِقَاءِ الله تعالى: الإيمانُ بالله تعالى، وتوحيدُهُ، وتصديقُ رسوله صلى الله عليه وسلم، والنطقُ بذلك. وقد تقدَّم أنَّ الإيمانَ أفضلُ الأعمالِ كلِّها، ويتأكَّدُ أمرُ النطق بالشهادتَينِ عند الموت؛ ليكونَ ذلك خَاتِمَةَ أمره، وآخِرَ كلامه.

و(قوله: إِنِّي كُنتُ عَلَى أَطبَاقٍ ثَلَاثَةٍ) أي: أحوالٍ ومنازلَ، ومنه قوله تعالى: لَتَركَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ أي: حالاً بعد حال.

و(قوله: ابسُط يَمِينَكَ فَلِأُبَايِعكَ) بكسر اللام وإسكان العين على الأمر، أي: أَمرِ المتكلِّمِ لنفسه، والفاءُ جوابٌ لما تضمَّنه الأمرُ الذي هو ابسُط من الشرط. ويصحُّ أن تكون اللامُ لامَ كي، وبنصبَ أُبَايِعَكَ، وتكونَ اللامُ سببية، والله أعلم.

ص: 328

الإِسلَامَ يَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهُ؟ ! وَأَنَّ الهِجرَةَ تَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهَا؟ ! وَأَنَّ الحَجَّ يَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهُ؟ ! ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَجَلَّ فِي عَينِي مِنهُ، وَمَا كُنتُ أُطِيقُ أَن أَملَأَ عَينَيَّ مِنهُ؛ إِجلَالاً لَهُ، وَلَو سُئِلتُ أَن أَصِفَهُ، مَا أَطَقتُ؛ لِأَنِّي لَم أَكُن أَملَأُ عَينَيَّ مِنهُ، وَلَو مُتُّ عَلَى تِلكَ الحَالِ،

ــ

و(قوله: إِنَّ الإِسلَامَ يَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهُ، وَإِنَّ الهِجرَةَ تَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهَا، وَإِنَّ الحَجَّ يَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهُ) الهَدمُ هنا: استعارةٌ وتوسُّع، يعني به: الإذهابَ والإزالة؛ لأنَّ الجدار إذا انهدم، فقد زالَ وضعُهُ، وذهَبَ وجودُهُ، وقد عبَّر عنه في الرواية الأخرى بالجَبِّ، فقال: يَجُبُّ، أي: يَقطَعُ، ومنه المجبوبُ، وهو المقطوعُ ذَكَرُهُ.

ومعنى العبارتَينِ واحد، ومقصودُهُمَا: أنَّ هذه الأعمالَ الثلاثةَ تُسقِطُ الذنوبَ التي تقدَّمَتهَا كلَّها، صغيرَهَا وكبيرها؛ فإنَّ ألفاظَهَا عامَّةٌ خرجَت على سؤالٍ خاصٍّ؛ فإنَّ عَمرًا إنما سأل أن يغفَرَ له ذنوبُهُ السابقةُ بالإسلام، فأُجِيبَ على ذلك؛ فالذنوبُ داخلةٌ في تلك الألفاظِ العامَّةِ قطعًا، وهي بحكم عمومها صالحةٌ لتناوُلِ الحقوقِ الشرعيَّة، والحقوقِ الآدميَّة؛ وقد ثبَتَ ذلك في حَقِّ الكافر الحربيِّ إذا أسلَمَ؛ فإنَّه لا يُطَالَبُ بشيء مِن تلك الحقوق، ولو قَتَلَ وأَخَذَ الأموالَ، لم يُقتَصَّ منه بالإجماع، ولو خرجَتِ الأموالُ مِن تحت يده، لم يطالَب بشيء منها.

ولو أسلَمَ الحربيُّ وبيده مالُ مسلمٍ؛ عَبِيدٌ، أو عُرُوضٌ، أو عَينٌ؛ فمذهبُ مالك: أنَّه لا يجبُ عليه رَدُّ شيء من ذلك؛ تمسُّكًا بعمومِ هذا الحديث، وبأنَّ للكفَّارِ شبه مِلكٍ فيما حازُوهُ من أموال المسلمين وغيرهم؛ لأنَّ الله تعالى قد نسَبَ لهم أموالاً وأولادًا؛ فقال تعالى: فَلَا تُعجِبكَ أَموَالُهُم وَلَا أَولَادُهُم.

وذهَبَ الشافعيُّ: إلى أنَّ ذلك لا يَحِلُّ لهم، وأنَّه يجبُ عليهم ردُّها إلى مَن كان يملكها مِنَ المسلمين، وأنَّهم كالغُصَّاب؛ وهذا يُبعِده: أنَّهم لو استَهلَكُوا ذلك في حالةِ كُفرهم ثُمَّ أسلموا، لم يَضمَنوا بالإجماعِ؛ على ما حكاه أبو محمَّدٍ عبدُ الوهَّاب (1).

فأمَّا أسر المسلمين

(1) هو عبد الوهاب بن محمد الفامي: فقيه شافعي (ت 500 هـ).

ص: 329

لَرَجَوتُ أَن أَكُونَ مِن أهل الجَنَّةِ، ثُمَّ وَلِينَا أَشيَاءَ مَا أَدرِي مَا حَالِي فِيهَا، فَإِذَا أَنَا مُتُّ، فَلَا تَصحَبنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنتُمُونِي، فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَولَ قَبرِي قَدرَ مَا تُنحَرُ جَزُورٌ وَيُقسَمُ لَحمُهَا، حَتَّى أَستَأنِسَ بِكُم، وَأَنظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي.

رواه مسلم (121).

ــ

الأحرارِ: فيجبُ عليهم رفعُ أيديهم عنهم؛ لأنَّ الحُرَّ لا يُملَكُ. وأما مَن أسلم مِن أهل الذمَّة: فلا يُسقِطُ الإسلامُ عنه حقًّا وجب عليه لأحدٍ مِن مالٍ أو دمٍ أو غيرهما؛ لأنَّ أحكام الإسلامِ جاريةٌ عليهم. واستيفاءُ الفروعِ في كتب الفقه. وأما الهجرةُ، والحَجُّ: فلا خلافَ في أنهما لا يُسقِطان إلا الذنوبَ والآثامَ السابقة، وهل يُسقِطان الكبائرَ والصغائر، أو الصغائرَ فقط؟ موضعُ نظرٍ سيأتي في كتاب الطهارة، إن شاء الله تعالى.

و(قوله: فَإِذَا مُتُّ، فَلَا تَصحَبنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ) إنَّما وصَّى باجتنابِ هذَين الأمرَين؛ لأنَّهما مِن عَمَلِ الجاهليَّة، ولِنَهيِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

و(قوله: فَإِذَا دَفَنتُمُونِي، فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا) رُوِيَ هذا الحديث بالسِّين المهملة، والمعجمة، فقيل: هما بمعنًى واحدٍ، وهو الصَّبُّ، وقيل: هو بالمهملة: الصَّبُّ في سهولة، وبالمعجمةِ: صَبٌّ في تفريق. وهذه سُنَّةٌ في التراب على الميِّت في القبر؛ قاله عِيَاضٌ، وقد كره مالكٌ في العُتبِيَّةِ (1) الترصيصَ على القَبرِ بالحجارة والطُّوب.

و(قوله: ثُمَّ أَقِيمُوا حَولَ قَبرِي قَدرَ مَا تُنحَرُ جَزُورٌ وَيُقسَمُ لَحمُهَا) الجَزُورُ بفتح الجيم: من الإبل، والجَزَرَةُ: من غيرها، وفي كتاب العين: الجَزَرَةُ من الضَّأنِ والمَعز خاصَّةً، وهي مأخوذةٌ من الجَزرِ، وهو القَطع.

(1)"العتبية": مسائل في مذهب الإمام مالك، منسوبة إلى مصنِّفها محمد بن أحمد العتبي القرطبي، توفي سنة (254 هـ).

ص: 330

[96]

وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ أنَاسًا مِن أهل الشِّركِ قَتَلُوا فَأَكثَرُوا، وَزَنَوا فَأَكثَرُوا، ثم أَتَوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدعُو لَحَسَنٌ، وَلَو تُخبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلنَا كَفَّارَةً، فَنَزَلَ: وَالَّذِينَ لَا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا، وَنَزَلَ: قُل يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لَا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ الآيَةَ.

رواه البخاري (4810)، ومسلم (122)، وأبو داود (4273)، والنسائي (7/ 86).

[97]

وَعَن حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ؛ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَي رسولَ الله، أَرَأَيتَ أُمُورًا كُنتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ؛ مِن صَدَقَةٍ، أو عَتَاقَةٍ، أو صِلَةِ رَحِمٍ، أَفِيهَا أَجرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَسلَمتَ عَلَى مَا أَسلَفتَ مِن خَيرٍ.

ــ

و(قوله: وَلَو تُخبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلنَا كَفَّارَةً) يَحتملُ: أن تكونَ لو هنا للامتناع، ويكونُ جوابها محذوفًا، تقديره: لَأَسلَمنا، أو نحوه. ويَحتملُ: أن يكون تمنِّيًا بمعنى ليت. والأوَّل أظهر. وقوله تعالى: وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا يُضَاعَف لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ الآية، ذا: إشارةٌ إلى واحدٍ في أصلِ وضعها، غَيرَ أنَّ الواحدَ تارةً يكونُ واحدًا بالنصِّ عليه، وتارةً يكونُ بتأويل، وإن كانت أمور متعدِّدة في اللفظِ كما في هذه الآية؛ فإنَّه ذكَرَ قَبلَ ذا أمورًا، وأعاد الإشارةَ إليها مِن حيثُ إنَّها مَذكُورةٌ أو مَقُولة؛ فكأنَّه قال: ومَن يفعلِ المذكورَ أو المقولَ. وفي هذه الآية: حُجَّةٌ لمن قال: إنَّ الكفَّار مُخَاطَبُونَ بفروعِ الشريعة، وهو الصحيحُ مِن مذهبِ مالكٍ؛ على ما ذكرناه في الأصول.

و(قوله: أَسلَمتَ عَلَى مَا أَسلَفتَ مِن خَيرٍ) اختُلِفَ في تأويله؛ فقيل

ص: 331

وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ أَعتَقَ فِي الجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، ثُمَّ أَعتَقَ فِي الإِسلَامِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. . . فَذَكَرَ نَحوَهُ.

رواه أحمد (3/ 402 و 434)، والبخاري (2538)، ومسلم (123).

* * *

ــ

معناه: إنَّك اكتسبتَ طِباعًا جميلةً، وخُلُقًا حسنةً في الجاهلية، أَكسَبَتكَ خُلُقًا جميلةً في الإسلام. وقيل: اكتسَبتَ بذلك ثناءً جميلاً، فهو باقٍ عليك في الإسلام. وقيل: معناه: ببركةِ ما سبَقَ لك مِن خيرٍ، هداك الله للإسلام. وقال الحَربِيُّ: ما تقدَّم لك مِنَ الخير الذي عَمِلتَهُ هو لك؛ كما تقول: أَسلَمتُ على ألفِ درهم، أي: على أَن أُحرِزها لنفسه.

قال المؤلف رحمه الله: وهذا الذي قاله الحَربِيُّ هو أشبهها وأَولَاها، وهو الذي أَشَرنا إليه في الترجمة، والله تعالى أعلم.

وفي هذا الحديثِ - أعني حديثَ عمرو بن العاصي - فوائد:

منها: تبشيرُ المحتضَرِ، وتذكيرُهُ بأعمالِهِ الصالحة؛ ليقوَى رجاؤه، ويَحسُنَ باللهِ ظَنُّهُ.

ومنها: أنَّ الميِّت تُرَدُّ عليه رُوحُهُ، ويَسمَعُ حِسَّ مَن هو على قبره، وكلامَهُم، وأنَّ الملائكةَ تسألُهُ في ذلك الوقت. وهذا كلُّه إنما قاله عمرو، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ مِثله لا يُدرَكُ إلا مِن جهة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فينبغي أن يُرشَدَ الميِّتُ في قبره حين وَضعِهِ فيه إلى جوابِ السؤال، ويُذكَّرَ بذلك، فيقال له: قُلِ: اللهُ ربِّي، والإسلامُ ديني، ومحمَّدٌ رسولي؛ فإنَّه عن ذلك يُسأَلُ كما جاءَت به الأحاديث

ص: 332

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على ما يأتي، إن شاء الله تعالى، وقد جرى العمَلُ عندنا بِقُرطُبَةَ كذلك، فيقال: قل: هو محمَّدٌ رسولُ الله تعالى؛ وذلك عند هَيلِ التراب عليه. ولا يُعارَضُ هذا بقوله تعالى: وَمَا أَنتَ بِمُسمِعٍ مَن فِي القُبُورِ ولا بقوله: فَإِنَّكَ لَا تُسمِعُ المَوتَى؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد نادى أهلَ القَلِيبِ وأسمعهم، وقال: مَا أَنتُم بِأَسمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنهُم، ولَكِنَّهُم لَا يَستَطِيعُونَ جَوَابًا (1)، وقد قال في الميِّت: إِنَّهُ يَسمَعُ قَرعَ نِعَالِهِم (2)، وإنَّ هذا يكونُ في حال دون حال، ووَقتٍ دون وقت، وسيأتي استيفاءُ هذا المعنَى في الجنائز، إن شاء الله تعالى.

وفي هذا الحديثِ: ما كانتِ الصحابةُ عليه مِن شدَّة محبَّتهم لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمِهِ وتوقيره.

وفيه: الخوفُ مِن تغيُّرِ الحال، والتقصيرِ في الأعمالِ في حالِ الموت، لكن ينبغي أن يكونَ الرجاءُ هو الأغلَبَ في تلك الحال، حتَّى يَحسُنَ ظنُّهُ بالله تعالى عز وجل: فيلقاه على ما أَمَرَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ حيثُ قال: لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُم إِلَاّ وهو يُحسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عز وجل (3). كما تقدم (4).

(1) رواه أحمد (3/ 114)، والبخاري (3980 و 3981)، ومسلم (932) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(2)

رواه البخاري (1374)، ومسلم (2870)، وأبو داود (3231)، والنسائي (4/ 97 و 98) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

رواه مسلم (2877)، وأبو داود (3113) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

ص: 333