الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاسِ: إنَّهُ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ إِلَاّ المُؤمِنُونَ، قَالَ: فَخَرَجتُ فَنَادَيتُ: أَلَا إِنَّهُ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ إِلَاّ المُؤمِنُونَ.
رواه أحمد (1/ 30)، ومسلم (114)، والترمذي (1574) من حديث عبد الله بن عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.
* * *
(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ
[91]
عَن جَابِرٍ؛ أَنَّ الطُّفَيلَ بنَ عمرو الدَّوسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رسولَ الله، هَل لَكَ فِي حِصنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ؟ - قَالَ: حِصنٌ كَانَ لِدَوسٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ - فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، لِلَّذِي ذَخَرَ اللهُ لِلأَنصَارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ
ــ
(37)
وَمِن بَابِ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ
(قوله: هَل لَكَ فِي حِصنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ؟ ) الحِصنُ: واحدُ الحصون، وهي القصورُ والقلاعُ التي يتحصَّن فيها، وحصين: فعيلٌ للمبالغة، أي: شديدُ المَنعِ لمن فيه. ومَنَعَة: يروى بفتح النون وسكونها، وفي الصحاح يقالُ: فلانٌ في عِزٍّ ومَنَعَةٍ بالتحريك، وقد يسكَّن عن ابن السِّكِّيت، ويقال: المَنَعَةُ بالتحريك: جمع مانعٍ، ككافرٍ وكَفَرَة، أي: هو في عِزٍّ وعشيرةٍ يمنعونه.
و(قوله: وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِن قَومِهِ، فَاجتَوَى المَدِينَةَ، فَمَرِضَ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ) هكذا صوابُ الرواية بتوحيد رَجُل، وعَطفِ ما بعده على ما قبله على
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ، هَاجَرَ إِلَيهِ الطُّفَيلُ بنُ عمرو، وَهَاجَرَ مَعَهُ رجلٌ مِن قَومِهِ، فَاجتَوَى المَدِينَةَ، فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَت يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيلُ بنُ عمرو فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ
ــ
الإفراد، وهي روايةُ عبد الغافر (1)، وعند غيره تخليطٌ؛ فمنهم من جَمَعَ، فقال: رِجَالٌ، فَاجتَوَوُا المَدِينَةَ، ثم قال بعده: فَمَرِضَ فَجَزِعَ على الإفراد. والأوَّلُ: أصوب. واجتَوَى المَدِينَةَ، أي: كرهها؛ يقال: اجتَوَيتُ المدينةَ: إذا كرهتَهَا، وإن كانت موافقةً لك في بَدَنِكَ، قال الخَطَّابي: أصلُ الاِجتواءِ استِيبَالُ (2) المكانِ، وكراهيةُ المقامِ فيه؛ لِمضرة لَحِقَتهُ، وأصلُهُ: من الجَوَى، وهو فسادُ الجَوف.
و(قوله: فَأَخَذَ مَشَاقِصَ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ) المَشَاقِص: جمعُ مِشقَص، وهو السهمُ العريض، وقال الداوديُّ: هو السِّكِّين. والبَرَاجِمُ والرَّوَاجِب: مفاصلُ الأصابعِ كلِّها، وقال أبو مالك في كتابِ خَلقِ الإنسان: الرَّوَاجِبُ: رؤوسُ العظام في ظَهرِ الكفِّ، والبراجمُ: هي المفاصلُ التي تحتها.
و(قوله: فشَخَبَت) بالشين المعجمة (3)، وهو بالخاء المعجمة، وبفَتحِهَا في الماضي، وضمِّها في المضارع، وقد تُفتَحُ، ومعناه: سال، قال ابن دُرَيد: كلُّ شيءٍ سال، فهو شُخبٌ - بضم الشين وفتحها - وهو: ما خرَجَ من الضَّرع من اللبن، وكأنه الدُّفعَةُ منه، ومنه المَثَلُ: شُخبٌ في الأرضِ، وشُخبٌ في الإناء! ، يقال للذي يُصِيبُ مَرَّةً، ويخطئُ في أخرى؛ تشبيهًا له بالحالب الذي يفعلُ ذلك.
(1) هو عبد الغافر بن محمد الفارسي، أبو الحسين: ثقة، صالح. من رواة صحيح مسلم، توفي سنة (448 هـ). (سير أعلام النبلاء 18/ 19).
(2)
في (ل): استثقال. والمثبت من (ع) و (م) ومعنى: استوبل الأرض: لم توافقه في بدنه، وإن كان محبًّا لها.
(3)
قوله: (بالشين المعجمة) من (ع).
وَهَيئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَن نُصلِحَ مِنكَ مَا أَفسَدتَ، فَقَصَّهَا الطُّفَيلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ، وَلِيَدَيهِ فَاغفِر.
رواه أحمد (3/ 371)، ومسلم (116).
* * *
ــ
و(قوله: غَفَرَ لِي بِهِجرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ) دليلٌ على أن الكبائر قد تُغفَرُ بفعلِ القواعد، وفيه نَظَرٌ سيأتي في الطهارة، إن شاء الله تعالى.
و(قوله: لَن نُصلِحَ مِنكَ مَا أَفسَدتَ) دليلٌ على أنَّ المغفرةَ قد لا تتناول محلَّ الجناية، فيحصُلُ منه توزيعُ العقاب على المعاقَبِ؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: اللَّهُمَّ، وَلِيَدَيهِ فَاغفِر.
والظاهرُ: أنَّ هذا الرجلَ أدركتهُ بركةُ دعوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فغُفِرَ له وليدَيهِ، وكُمِّلَ له ما بقي من المغفرة عليه؛ وعلى هذا: فيكونُ قوله: لَن نُصلِحَ مِنكَ مَا أَفسَدتَ ممتدًّا إلى غايةِ دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له؛ فكأنَّه قيل له: لن نصلحَ منك ما أفسدته ما لم يَدعُ لك النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديثُ يقتضي أنَّ قَاتِلَ نفسه ليس بكافر، وأنَّه لا يُخَلَّدُ في النار، وهو موافق لمقتضى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ. وهذا الرجلُ ممَّن شاء الله أن يَغفِرَ له؛ لأنَّه إنَّما أتَى بما دون الشِّرك، وهذا بخلافِ القاتلِ نفسَهُ المذكورِ في حديث جُندُب؛ فإنَّه ممَّن شاء الله أن يعذِّبه.