المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(12) باب من يذوق طعم الإيمان وحلاوته - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ١

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفهرس الألفبائي للكتب الواردة في تلخيص مسلم والمفهم

- ‌كلمة الناشر

- ‌(1) مقدمة التحقيق

- ‌(2) توثيق التلخيص والمفهم ومنهج المؤلف فيهما

- ‌أولًا - التوثيق:

- ‌ثانيًا - المنهج والأسلوب:

- ‌(3) فوائد إخراج كتاب "المفهم

- ‌ مكانته في شرح صحيح مسلم:

- ‌ أهميته في شرح غريب الأحاديث:

- ‌ تفرّده في تدوين فوائد الأحاديث:

- ‌ أسبقيته في حل الأحاديث المشكلة:

- ‌ إنصافه في عَرْض الآراء المذهبية:

- ‌ لماذا هذه الطبعة؟ وما فائدتها

- ‌(4) وصف النسخ الخطية المعتمدة وخطة التحقيق

- ‌أولًا - نسخ التلخيص:

- ‌ثانيًا - نُسَخ المفهم:

- ‌ثالثًا - خطة تحقيق كتاب "المفهم

- ‌(5) ترجمة المؤلف

- ‌1 - نسبُه ونشأته:

- ‌2 - عالم الإسكندرية:

- ‌3 - الفقيه المُحدِّث:

- ‌ مواقفه وآراؤه:

- ‌5 - شيوخه وتلاميذه:

- ‌6 - كتبه:

- ‌7 - وفاته:

- ‌صور النسخ المخطوطة

- ‌مقدمة كتاب المفهم

- ‌ مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم

- ‌(1) بابُ ما تضمَّنتهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُ من المعاني والغريب

- ‌(2) بَابُ

- ‌(3) بَابُالنَّهيِ عَن أَن يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

- ‌(4) بَابُالتَّحذِيرِ مِنَ الكَذَّابِينَ

- ‌(5) بَابالإِسنَادِ مِنَ الدِّينِ

- ‌(6) بَابُ الأَمرِ بِتَنزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم وَوُجُوبِ الكَشفِ عَمَّن لَهُ عَيبٌ مِن رُوَاةِ الحَدِيثِ

- ‌(1) كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌(1) بَابُ مَعَانِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ وَالإِحسَانِ شَرعًا

- ‌(2) بَابُ وُجُوبِ التِزَامِ شَرَائِعِ الإِسلَامِ

- ‌(3) بَابُ مَنِ اقتَصَرَ عَلَى فِعلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ وَانتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(4) بَابُ مَبَانِي الإِسلَامِ

- ‌(5) بَابُ إِطلَاقِ اسمِ الإِيمَانِ عَلَى مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ إِسلَامًا

- ‌(6) بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ

- ‌(7) بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَن يُوَحِّدُوا الله وَيَلتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ

- ‌(8) بَابٌ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ

- ‌(9) بَابُ مَن لَقِيَ اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌(10) بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ

- ‌(11) بَابٌ لَا يَكفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَينِ، بَل لَا بُدَّ مِنِ استِيقَانِ القَلبِ

- ‌(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

- ‌(13) بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنهَا

- ‌(14) بَابُ الاِستِقَامَةِ فِي الإِسلَامِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيرٌ

- ‌(15) بَابٌ لَا يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحبُوبٍ مِنَ الخَلقِ

- ‌(16) بَابٌ حُسنُ الجِوَارِ وَإِكرَامُ الضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(18) بَابٌ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ

- ‌(19) بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصحُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌(20) بَابٌ لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وهو كَامِلُ الإِيمَانِ

- ‌(21) بَابُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ

- ‌(22) بَابُ إِثمِ مَن كَفَّرَ مُسلِمًا أو كَفَرَ حَقَّهُ

- ‌(23) بَابٌ نِسبَةُ الاِختِرَاعِ لِغَيرِ اللهِ حَقِيقَةً كُفرٌ

- ‌(24) بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَنصَارِ آيَةُ الإيمَانِ، وَبُغضُهُم آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌(25) بَابُ كُفرَانِ العَشِيرِ، وَكُفرٍ دُونَ كُفرٍ

- ‌(26) بَابُ تَركُ الصَّلَاةِ جَحدًا أو تَسفِيهًا لِلأَمرِ كُفرٌ

- ‌(27) بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ

- ‌(28) بَابٌ أيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ بَعدَ الإِيمَانِ

- ‌(29) بَابُ أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ وَذِكرِ الكَبَائِرِ

- ‌(30) بَابٌ لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن فِي قَلبِهِ كِبرٌ

- ‌(31) بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيرُ مُخرِجٍ للمُؤمِنَ مِن إِيمَانِهِ

- ‌(32) بَابٌ يُكتَفَى بِظَاهِرِ الإِسلَامِ، وَلَا يُبقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ

- ‌(33) بَابٌ مَن تَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) بَابٌ مَن لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ

- ‌(35) بَابٌ مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ

- ‌(36) بَابُ لَا يُغتَرُّ بِعَمَلِ عَامِلٍ حَتَّى يُنظَرَ بِمَا يُختَمُ لَهُ

- ‌(37) بَابٌ قَتلُ الإِنسَانِ نَفسَهُ لَيسَ بِكُفرٍ

- ‌(38) بَابُ مَا يُخَافُ مِن سُرعَةِ سَلبِ الإِيمَانِ

- ‌(39) بَابٌ الإسلَامُ إِذَا حَسُنَ، هَدَمَ مَا قَبلَهُ مِنَ الآثَامِ، وَأَحرَزَ مَا قَبلَهُ مِنَ البِرِّ

- ‌(40) بَابُ ظُلمٍ دُونَ ظُلمٍ

- ‌(41) بَابٌ فِي قَولِهِ عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ

- ‌(42) بَابُ مَا يَهُمُّ بِهِ العَبدُ مِنَ الحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ

- ‌(43) بَابُ استِعظَامُ الوَسوَسَةِ وَالنُّفرَةُ مِنهَا خَالِصُ الإِيمَانِ وَالأَمرِ بِالاِستِعَاذَةِ عِندَ وُقُوعِهَا

- ‌(44) بَاب إِثمِ مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌(45) بَابُ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ

- ‌(46) بَابُ مَنِ استُرعِيَ رَعِيَّةً، فَلَم يَجتَهِد، وَلَم يَنصَح لَهُم لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ، وَمَن نَمَّ الحَدِيثَ لَم يَدخُلِ الجَنَّةَ

- ‌(47) بَابٌ فِي رَفعِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ مِنَ القُلُوبِ، وَعَرضِ الفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌(48) باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود

- ‌(49) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

- ‌(50) باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة عذابه إذا لم يؤمن

- ‌(51) باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم وما ينزل به

- ‌(52) باب في قوله تعالى: يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا الآية

- ‌(53) باب كيف كان ابتداء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاؤه

- ‌(54) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره واستخراج حظ الشيطان من قلبه

- ‌(55) باب في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه، وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء

- ‌(56) باب ما خَصَّ الله به محمدًا نبينا صلى الله عليه وسلم من كرامة الإسراء

- ‌(57) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، ووصفه لهم وصلاتهم وذكر الدجال

- ‌(58) باب هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

- ‌(59) باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

- ‌(60) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر

- ‌(61) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدخل النار من الموحدين

- ‌(62) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

- ‌(63) باب كيفية عذاب من يعذب من الموحدين وكيفية خروجهم من النار

- ‌(64) باب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم تفتح له الجنة، وأولهم شفاعة، واختباء دعوته شفاعة لأمته

- ‌(65) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه في التخفيف عنه

- ‌(66) باب من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح ولا قربة في الآخرة

- ‌(67) باب يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفًا بغير حساب

- ‌(68) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة

- ‌(2) كتاب الطهارة

- ‌(1) باب فضل الطهارة وشرطها في الصلاة

- ‌(2) باب في صفة الوضوء

- ‌(3) باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات

- ‌(4) باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌(5) باب توعد من لم يُسبِغ، وغسله ما ترك، وإعادته الصلاة

- ‌(6) باب الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

- ‌(7) باب السواك عند كل صلاة والتيمن في الطهور

- ‌(8) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

- ‌(9) باب ما يُستَنجَى به والنهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌(10) باب ما جاء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط والنهي عن التخلي في الطرق والظلال

- ‌(11) باب ما جاء في البول قائمًا

- ‌(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه

- ‌(13) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

- ‌(14) باب فعل الصلوات بوضوء واحد، وغسل اليدين عند القيام من النوم، وأن النوم ليس بحدث

- ‌(15) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء، وغسل الإناء سبع مرات

- ‌(16) باب النهي أن يبال في الماء الراكد وصب الماء على البول في المسجد

- ‌(17) باب نضح بول الرضيع

- ‌(18) باب غَسلِ المَنِيّ مِنَ الثَّوبِ وغسلِ دَمِ الحَيضِ

- ‌(19) باب في الاستبراء من البول والتستر وما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(20) باب ما يحل من الحائض

- ‌(21) باب في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

- ‌(22) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو معاودة أهله

- ‌(23) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

- ‌(24) باب الولد من ماء الرجل وماء المرأة

- ‌(25) باب في صفة غسله عليه الصلاة والسلام من الجنابة

- ‌(26) باب قدر الماء الذي يُغتَسَل به ويُتَوَضَّأُ به واغتسال الرجل وامرأته من إناء واحد، واغتساله بفضلها

- ‌(27) باب كم يُصَبُّ على الرأس، والتخفيف في ترك نقض الضفر

- ‌(28) باب صفة غسل المرأة من الحيض

- ‌(29) باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة

- ‌(30) باب لا تقضي الحائض الصلاة

- ‌(31) باب سترة المغتسل والنهي عن النظر إلى العورة

- ‌(32) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

- ‌(33) باب ما جاء في الرجل يطأ ثم لا يُنزِلُ

- ‌(34) باب الأمر بالوضوء مما مست النار ونسخه

- ‌(35) باب الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

- ‌(36) باب في الذي يخيل إليه أنه خرج منه حدث

- ‌(37) باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

- ‌(38) باب ما جاء في التيمم

- ‌(39) باب تيمم الجنب والتيمم لرد السلام

- ‌(40) باب المؤمن لا ينجس، وذكر الله تعالى على كل حال، وما يتوضأ له

الفصل: ‌(12) باب من يذوق طعم الإيمان وحلاوته

(12) بَابُ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

[27]

عَنِ العَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ذَاقَ طَعمَ الإِيمَانِ مَن رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً.

رواه أحمد (1/ 208)، ومسلم (34)، والترمذي (2758).

ــ

(12)

وَمِن بَابِ مَن يَذُوقُ طَعمَ الإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ

(قوله: ذَاقَ طَعمَ الإِيمَانِ) أي: وَجَدَ حَلَاوَتَهُ، كما قال في حديث أنس: ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، وهي عبارةٌ عمَّا يجده المؤمنُ المحقِّقُ في إيمانه، المطمئنُّ قلبه به؛ من انشراحِ صدره، وتنويرِهِ بمعرفةِ الله تعالى، ومعرفةِ رسوله، ومعرفةِ مِنَّةِ الله تعالى عليه: في أن أنعَمَ عليه بالإسلام، ونظَمَهُ في سلك أمَّةِ محمَّدٍ خيرِ الأنام، وحبَّب إليه الإيمانَ والمؤمنين، وبَغَّض إليه الكُفرَ والكافرين، وأنجَاهُ من قبيح أفعالهم، ورَكَاكةِ أحوالهم.

وعند مطالعةِ هذه المِنَن، والوقوفِ على تفاصيل تلك النِّعَم، تطيرُ القلوبُ فرحًا وسرورَا، وتمتلئُ إشراقًا ونورَا، فيا لها مِن حلاوةٍ ما ألذَّها، وحالةٍ ما أشرفَها! ! فنسأله - الله - تعالى أن يَمُنَّ بدوامها وكمالِهَا، كما مَنَّ بابتدائها وحُصُولِهَا؛ فإنَّ المؤمن عند تذكُّرِ تلك النِّعَمِ والمِنَن لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة؛ غير أنَّ المؤمنين في تمكُّنها ودوامها متفاوتون، وما منهم إلا وله منها شِربٌ مَعلُوم، وذلك بِحَسَبِ ما قُسِمَ لهم من هذه المجاهدة الرياضيّة، والمِنَحِ الربَّانيَّة، وللكلام في تفاصيلِ ما أجملناه مَقَامٌ آخرُ.

و(قوله: مَن رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا. . .) الحديثَ؛ الرضا بهذه الأمورِ الثلاثة على قسمَين:

رِضًا عامٌّ: وهو ألا يَتَّخِذَ غيرَ الله ربًّا، ولا غيرَ دين الإسلام دينًا، ولا غيرَ محمَّد صلى الله عليه وسلم رسولاً؛ وهذا الرضا لا يخلو عنه مسلم؛ إذ لا يَصِحُّ التديُّنُ بدين الإسلام إلا بذلك الرضا.

ص: 210

[28]

وعَن أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ:

ــ

والرضا الخاصُّ: هو الذي تكلَّم فيه أربابُ القلوب، وهو ينقسم على قسمَين: رضًا بهذه الأمور، ورضًا عن مُجرِيها تعالى؛ كما قال أبو عبد الله بنُ خَفِيف (1): الرضا قسمان: رضًا به، ورضًا عنه؛ فالرضا به مدبِّرًا، والرضا عنه فيما قضى، وقال أيضًا: هو سكونُ القلب إلى أحكامِ الرَّبّ، وموافقتُهُ على ما رَضِيَ واختار، وقال الجُنَيد: الرضا رفعُ الاختيار، وقال المُحَاسِبِيُّ: هو سكونُ القلب تحتَ مجاري الأحكام، وقال أبو عليٍّ الرُّوذبَارِيُّ: ليس الرضا ألَاّ يُحِسَّ بالبلاء، إنما الرضا ألَاّ يَعتَرِضَ على الحكم.

قال المؤلف - رحمه الله تعالى -: وما ذكره هؤلاءِ المشايخُ هو مبدأُ الرضا عندهم، وقد ينتهي الرضا إلى ما قاله النُّورِيُّ (2): هو سرورُ القلبِ بِمُرِّ القضاء، وَسُئِلَت رابعةُ عن الرضا؟ فقالت: إذا سرَّتهُ المصيبةُ كما سرَّتهُ النعمةُ.

وقد غلا بعضهم وهو أبو سُلَيمَانَ الداراني، فقال: أرجو أن أكونَ عَرَفتُ طَرَفًا من الرضا، لو أنَّه أدخلني النارَ، لَكُنتُ به راضيًا. وقال رُوَيم: الرضا هو: لو جعَلَ جهنَّمَ عن يمينه، ما سَأَلَ أن يحَوَّلَ عن شماله.

قال المؤلف - رحمه الله تعالى -: وهذا غلو، وفيه إشكالٌ، والكلامُ فيه يُخرِجُ عن مقصودِ كتابنا. وعلى الجملة: فالرضا بابُ اللهِ الأعظمُ، وفيه جماعُ الخيرِ كلِّه؛ كما قال عمر لأبي موسى فيما كتب إليه: أما بعدُ! فإنَّ الخَيرَ كلَّه في الرضا؛ فإنِ استطَعَتَ أن ترضَى، وإلَاّ فاصبر.

و(قوله: ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ) إنما خصَّ هذه

(1) هو محمد بن خفيف الشيرازي: من مشايخ الصوفية. توفي سنة (371 هـ).

(2)

هو أحمد بن محمد النُّوري: من مشايخ الصوفية. توفي سنة (295 هـ).

ص: 211

مَن كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا،

ــ

الثلاثَ بهذا المعنى؛ لأنَّها لا توجدُ إلا ممَّن تنوَّرَ قلبُه بأنوار الإيمان واليقين، وانكشَفَت له محاسنُ تلك الأمور التي أوجَبَت له تلك المَحَبَّةَ التي هي حالُ العارفين.

و(قوله: مَن كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا) دليلٌ على جواز إضافةِ المحبَّةِ لله تعالى، وإطلاقِهَا عليه، ولا خلافَ في إطلاقِ ذلك عليه صحيح مُحِبًّا ومحبوبًا؛ كما قال تعالى: فَسَوفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ وهو في السُّنَّة كثير.

ولا يختلف النُّظَّار من أهل السُّنَّة وغيرِهِم: أنَّها مُؤَوَّلةٌ في حق الله تعالى؛ لأنَّ المحبة المتعارَفَةَ في حقِّنا إنَّما هي مَيلٌ لما فيه غَرَضٌ يَستَكمِلُ به الإنسانُ ما نقصَهُ، وسكونٌ لما تَلتَذُّ به النفس، وتكمُلُ بحصوله، والله تعالى منزَّهٌ عن ذلك.

وقد اختلف أئمَّتنا في تأويلها في حَقِّ الله تعالى: فمنهم مَن صرفها إلى إرادتِهِ تعالى إنعامًا مخصوصًا على مَن أخبَرَ أنَّه يحبُّه من عباده؛ وعلى هذا تَرجِعُ إلى صفة ذاته. ومنهم: مَن صرفها إلى نفس الإنعام والإكرام؛ وعلى هذا فتكون من صفات الفعل. وعلى هذا المنهاج: يتمشَّى القولُ في الرحمة والنَّعمَة والرضا، والغضبِ والسَّخَط وما كان في معناها، ولِبَسطِ ذلك موضعٌ آخر.

فأما محبَّةِ العبد لله تعالى فقد تأوَّلها بعضُ المتكلِّمين؛ لأنَّهم فسَّروا المحبَّة بالإرادةُ، والإرادة إنما تتعلَّق بالحادث لا بالقديم، ومنهم مَن قال: لأنَّ محبتَنا إنَّما تتعلَّق بمستَلَذٍّ محسوسٍ، واللهُ تعالى منزَّهٌ (1) عن ذلك. وهؤلاءِ تأوَّلوا محبةَ العبدِ لله تعالى بطاعتِهِ له، وتعظيمِهِ إياه، وموافقتِهِ له على ما يريد منه. وأما أربابُ

(1) في (ع): أعلى ومنزّه.

ص: 212

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القلوب، فمنهم مَن لم يتأوَّل محبَّةَ العبدِ لله تعالى، حتى قال: المحبةُ لله تعالى هي الميلُ الدائم بالقلبِ الهائم، وقال أبو القاسم القُشَيرِيُّ: أما محبةُ العبدِ لله تعالى، فحالةٌ يجدها العبدُ من قلبه تَلطُفُ عن العبارة، وقد تحملُهُ تلك الحالةُ على التعظيمِ لله تعالى، وإيثارِ رضاه، وقلَّةِ الصبر عنه، والاحتياج إليه، وعَدَمِ الفرَارِ عنه، ووجودِ الاستئناسِ بدوامِ ذكره.

قال المؤلف - رحمه الله تعالى -: فهؤلاءِ قد صرَّحوا بأنَّ محبَّة العبد (1) لله تعالى: هي مَيلٌ من العبد وتَوَقَان، وحالٌ يَجِدُها المُحِبُّ مِن نفسه مِن نوعِ ما يجده في محبوباتِهِ المعتادةِ له، وهو صحيحٌ.

والذي يوضِّحه: أنَّ الله تعالى قد جَبَلَنا على الميل إلى الحُسنِ والجمال والكمال، فبقدر ما ينكشفُ للعاقل من حُسنِ الشيء وجمالِهِ، مالَ إليه وتعلَّقَ قلبُهُ به حتى يُفضِيَ الأمرُ إلى أن يستولي ذلك المعنَى عليه؛ فلا يَقدِرُ على الصبر عنه، وربَّما لا يشتغلُ بشيءٍ دونه.

ثم الحُسنُ والكمالُ نوعان: محسوسٌ، ومعنويٌّ: فالمحسوسُ: كالصور الجميلة المشتهاة نيلِ اللذَّةِ الجِسمَانية، وهذا في حقِّ الله تعالى محالٌ قطعًا. وأما المعنويُّ: فكمَنِ اتَّصَفَ بالعلومِ الشريفة، والأفعالِ الكريمة، والأخلاقِ الحميدة، فهذا النوعُ تميلُ إليه النفوسُ الفاضلة، والقلوب الكاملة ميلاً عظيمًا؛ فترتاحُ لذكرِه، وتتنعم بخُبرِهِ وخَبَرِهِ، وتهتزّ لسماعِ أقوالِه، وتتشوَّف (2) لمشاهدة أحواله، وتلتذُّ بذلك لذةً رُوحَانيةً لا جِسمَانِيَّةً، كما تجده عند ذِكرِ الأنبياءِ والعُلَمَاء والفُضلَاءِ والكُرَمَاء من الميلِ واللذَّة والرِّقَّة والأنس، وإن كنَّا لا نَعرِفُ صورهم المحسوسة، وربَّما قد نَسمَعُ أنَّ بعضَهم مِن غير الأنبياء قبيحُ الصورة الظاهرة أو أعمَى أو أجذَم،

(1) ساقط من (ع).

(2)

في (ط): تتشوق.

ص: 213

وَأَن يُحِبَّ المَرءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَاّ للهِ تعالى،

ــ

ومع ذلك: فذلك الميلُ والأُنسُ والتشوُّقُ موجودٌ لنا (1)؛ ومَن شَكَّ في وِجدانِ ذلك، أو أنكَرَهُ، كان عن جِبِلَّةِ الإنسانيَّةِ خارجَا، وفي غِمَارِ المعتوهين والجَا.

وإذا تقرَّر ذلك: فإذا كان هذا الموصوفُ بذلك الكمال قد أحسنَ إلينا، وفاضَت نعمُهُ علينا، ووصَلَنَا ببِرِّه، وعطفِهِ ولُطفِه، تضاعَفَ ذلك الميلُ، وتجدَّد ذلك الأُنس، حتَّى لا نصبرَ عنه، بل يستغرقنا ذلك الحال، إلى أن نُذهَلَ عن جميعِ الأشغال، بل ويطرأُ على المُشتَهرِ بذلك نوعُ اختلال.

وإذا كان ذلك في حَقِّ مَن كمالُهُ وجمالُهُ مُقيَّدًا مَشُوبًا بالنقص مُعَرَّضًا للزوال، كان مَن كمالُهُ وجمالُهُ واجبًا مطلقًا (2) لا يشوبُهُ نقصٌ ولا يعتريه زوال، وكان إنعامُهُ وإحسانُهُ أكثرَ بحيثُ لا ينحصرُ ولا يُعَدّ، أولَى بذلك الميل وأحقَّ بذلك الحبّ، وليس ذلك إلَاّ لله وحده، ثُمَّ لمن خصَّه الله تعالى بما شاء مِن ذلك الكمال، وأكملُ نوع الإنسان محمَّدٌ عليه أفضل الصلاةِ والسلام.

فَمَن تَحَقَّق ما ذكرناه، واتّصَفَ بما وصفناه، كان اللهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه ممَّا سواهما، ومن كان كذلك تأهَّلَ للقائهما، بالاتِّصَافِ بما يُرضِيهما، واجتنابِ ما يُسخِطُهُمَا؛ ويستلزمُ ذلك كلُّه الإقبالَ بالكُلِّيَّة عليهما، والإعراضَ عمَّا سواهما إلاّ بإذنهما وأمرهما، ولتفصيلِ ذلك موضعٌ آخر.

و(قوله: وَأَن يُحِبَّ المَرءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَاّ للهِ) يعني: بالمرء هنا: المُسلِمَ المؤمنَ؛ لأنَّه هو الذي يمكنُ أن يُخلَصَ لله تعالى في محبَّتِه، وأن يُتَقَرَّبَ لله تعالى باحترامِهِ وحُرمَتِه؛ فإنه هو الموصوفُ بالأخوَّة الإيمانيَّة، والمحبَّة الدينيَّة؛ كما قال تعالى: إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ، وكما قال تعالى: فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا.

(1) في (ع): لدينا.

(2)

ساقط من (م).

ص: 214

وَأَن يَكرَهَ أَن يَعُودَ فِي الكُفرِ بَعدَ أَن أَنقَذَهُ اللهُ مِنهُ كَمَا يَكرَهُ أَن يُقذَفَ فِي النَّارِ.

رواه أحمد (3/ 103 و 174 و 230)، والبخاري (16)، ومسلم (43)، والترمذي (2626)، والنسائي (8/ 96)، وابن ماجه (4033).

* * *

ــ

وقد أفاد هذا الحديثُ: أنَّ محبَّةَ المؤمنِ الموصِّلَةَ لحلاوة (1) الإيمان لا بدَّ أن تكونَ خالصةً لله تعالى، غيرَ مشوبةٍ بالأَغراض الدنيويَّة، ولا الحظوظِ البشريَّة؛ فإنَّ مَن أحبَّه لذلك، انقطعَت محبَّته إن حصَلَ له ذلك الغرَضُ أو يئِسَ مِن حصوله.

ومحبَّةُ المؤمن وظيفةٌ متعيِّنة (2) على الدوام، وُجِدَتِ الأغراضُ أو عُدِمَت، ولمَّا كانتِ المحبَّةُ للأغراضِ هي الغالبة، قَلَّ وِجدانُ تلك الحلاوة، بل قد انعدم، لا سيَّما في هذه الأزمان التي قد امَّحَى فيها أكثَرُ رسومِ الإيمان. وعلى الجملة: فمحبَّةُ المؤمنين من العبادات، التي لا بُدَّ فيها من الإخلاصِ في حُسنِ النيَّات.

و(قوله: وَأَن يَكرَهَ أَن يَعُودَ فِي الكُفرِ كَمَا يَكرَهُ أَن يُقذَفَ فِي النَّارِ) معنى يُقذَفَ: يُرمَى، والقذفُ: الرمي. وهذه الكراهةُ مُوحيَةٌ؛ لما انكشَفَ للمؤمن من محاسن الإسلام، ولِمَا دخَلَ قلبَهُ من نور الإيمان، ولِمَا خلّصه الله مِن رذائلِ الجهالاتِ وقُبحِ الكفران، والحمدُ لله.

* * *

(1) في (ع): الموصولة بحلاوة.

(2)

في (م): فعلية.

ص: 215