الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12) باب المسح على الخفين والتوقيت فيه
[206]
عَن هَمَّامٍ؛ قَالَ: بَالَ جَرِيرٌ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيهِ، فَقِيلَ: تَفعَلُ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَم. رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيهِ.
ــ
(12)
ومن باب المسح على الخفين
أنكر طائفة من أهل البدع المسح على الخفين في السفر والحضر، كالخوارج؛ لأنهم لم يجدوه في القرآن، على أصلهم وردهم أخبار الآحاد، وأنكرته الشيعة؛ لما رُوي عن علي أنه كان لا يمسح. وأنكره غير هؤلاء زاعمين أن التمسك بآية الوضوء أولى؛ إما لأنها ناسخة لما تقدمها من جواز المسح الثابت بالسنة، وإما لأنها أرجح من أخبار الآحاد.
وأما جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى فالمسح عندهم جائز. قال الحسن: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين، ثم إنه قد ورد من الأحاديث الصحيحة والمشهورة ما يفيد مجموعها القطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين. وقد روي عن مالك إنكار المسح على الخفين، وليس ذلك بصحيح مطلقًا، وإنما الذي صح عنه من رواية ابن وهب في هذا؛ أنه قال: لا أمسح في حضر ولا سفر، نقلها أبو محمد بن أبي زيد في نوادره وغيره. فظاهر هذا أنه اتقاه في نفسه.
وقد روى ابن نافع في المبسوط عن (1) مالك ما يزيل كل إشكال، أنه قال له عند موته: المسح على الخفين في الحضر والسفر صحيح، يقين، ثابت، لا شك فيه، إلا أني كنت أجد في خاصة نفسي بالطهور،
(1) ساقط من (م).
قَالَ إبرَاهِيمُ: كَانَ يُعجِبُهُم هَذَا الحَدِيثُ، لأَنَّ إِسلامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعدَ نُزُولِ المَائِدَةِ.
رواه أحمد (4/ 358)، والبخاري (387)، ومسلم (272)، وأبو داود (154)، والترمذي (93)، والنسائي (1/ 81).
ــ
ولا أرى من مسح مقصرًا فيما يجب عليه؛ وعلى هذا حمل أحمد بن حنبل قول مالك.
كما روي عن عمر أنه أمرهم أن يمسحوا أخفافهم، وخلع هو وتوضأ، وقال: حُبب إلي الوضوء. ونحوه عن أبي أيوب. قال الشيخ رحمه الله: وعلى هذا يحمل ما روي عن علي. قال أحمد بن حنبل: فمن ترك ذلك على نحو ما تركه عمر، وأبو أيوب، ومالك، لم أنكره عليه، وصلينا خلفه ولم نعبه إلا أن يترك ذلك ولا يراه، كما صنع أهل البدع، فلا نصلي خلفه.
فأما من أنكر المسح في الحضر - وهي أيضًا رواية عن مالك - فلأن أكثر أحاديث المسح إنما هي في السفر، والصحيح جواز المسح فيه، إذ هو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، وحديث السُّباطة مما يدل عليه؛ حيث كانت السُّباطة خلف الحائط، بل قد روي في ذلك الحديث عن حذيفة، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. . وذكر الحديث.
وقد روى أبو داود عن بلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الأسواق لحاجته، ثم خرج فتوضأ، ومسح على خفيه (1). والأسواق: موضع بالمدينة. وسيأتي حديث عليّ في توقيت المسافر والمقيم (2).
و(قول النخعي: كان يُعجبُهُم) يعني: أصحاب عبد الله، وقد جاء في
(1) رواه أبو داود (153).
(2)
يأتي برقم (208).
[207]
وَعَنِ المُغِيرَةِ؛ قَالَ: كُنتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيلَةٍ فِي مَسِيرٍ فَقَالَ لِي: أَمَعَكَ مَاءٌ؟ قُلتُ: نَعَم. فَنَزَلَ عَن رَاحِلَتِهِ، فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى فِي سَوَادِ اللَّيلِ، ثُمَّ جَاءَ، فَأَفرَغتُ عَلَيهِ مِنَ الإِدَاوَةِ، فَغَسَلَ وَجهَهُ، وَعَلَيهِ جُبَّةٌ مِن صُوفٍ - وَفِي رِوَايَةٍ: شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الكُمَّينِ - فَلَم يَستَطِع أَن يُخرِجَ
ــ
روايةٍ مفسرًا هكذا. وإنما أعجبهم ذلك؛ لأنه إنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلم، وأسلم بعد نزول المائدة، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول المائدة، فلا تكون آية الوضوء التي في المائدة ناسخة للسُّنة الثابتة في ذلك (1)، ولا مرجحة عليها؛ خلافًا لمن ذهب إلى ذلك.
و(قوله في حديث المغيرة: ذات ليلة) أي: ليلة من الليالي، وهي منصوبة على الظرفية، كما تقول: ذات مرة؛ أي: مرة من المرات، ويقال للمذكر: ذا صباح وذا مساءٍ، كما قال الشاعر (2):
عزمت على إقامة ذي صباح
…
لأمر ما يسود من يسود
وكان هذا المسير في غزوة تبوك، كما في الموطأ. والمسير: السير، وقد يكون: الطريق الذي يسار فيه. وتوارى: غاب. والإداوة: الإناء من الجلد، وفي طريق آخر: مطهرة، وفيه حجة للجماعة في جواز صب الماء على المتوضئ. وقد رُوي عن عمر وابنه كراهة ذلك، وقد روي عنهما خلاف ذلك. فروي عن عمر: أن ابن عباس صب على يديه الوضوء. وقال ابن عمر: لا أبالي، أعانني رجل على وضوئي وركوعي وسجودي (3). وهو الصحيح.
وفيه دليلٌ على جواز الاقتصار على فروض الوضوء دون السنن، إذا
(1) ساقط من (ع).
(2)
هو أنس بن نَهِيك.
(3)
رواه أبو جعفر الطبري كما في فتح الباري (1/ 286).
ذِرَاعَيهِ مِنهَا، حَتَّى أَخرَجَهُمَا مِن أَسفَلِ الجُبَّةِ. فَغَسَلَ ذِرَاعَيهِ، وَمَسَحَ بِرَأسِهِ، ثُمَّ أَهوَيتُ لأَنزِعَ خُفَّيهِ، فَقَالَ: دَعهُمَا، فَإِنِّي أَدخَلتُهُمَا طَاهِرَتَينِ وَمَسَحَ عَلَيهِمَا.
ــ
أرهقت إلى ذلك ضرورة. ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعلها ولم يذكرها المغيرة، والظاهر خلاف، وقد روى البخاري من حديث عبد الله بن زيد: أنه عليه الصلاة والسلام اقتصر على الفروض (1)، وقد قدمنا قوله للأعرابي: توضأ كما أمرك الله (2)، وفيه دليلٌ على أن يسير التفريق في الطهارة لا يفسدها. قال أبو محمد عبد الوهاب: لا يختلف في أن التفريق غير المتفاحش لا يُفسد الوضوء. واختلف في الكثير المتفاحش، فروي عن ابن وهب: أنه يفسده في العمد والسهو، وهو أحد قولي الشافعي، وحكي عن ابن عبد الحكم أنه لا يفسده في الوجهين، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي في قول آخر. وعند ابن القاسم: أنه يفسده مع العمد أو التفريط، ولا يفسده مع السهو.
وقال أبو الفضل عياض: إن مشهور المذهب أن سنة، وهذا هو الصحيح؛ بناءً على ما تقدم: من أن الفرائض محصورة في الآية، وليس في الآية ما يدل على الموالاة، وإنما أخذت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإذ لم يرو عنه قط أنه فرق تفريقًا متفاحشًا.
واختلف في الفرق بين اليسير والكثير؛ فقيل: ذلك يرجع إلى الاجتهاد، وليس فيه حدٌّ، وقيل: جفاف الوضوء هو الكثير. وفيه دليلٌ على أن الصوف لا ينجس بالموت؛ لأن الجبة كانت من عمل الشام، والشام إذ ذاك بلاد الكفر والشرك من مجوس وغيرهم، وأكثر مأكلهم ميتة، ولم يسأل عن ذلك صلى الله عليه وسلم ولا توقف فيه.
وفيه دليلٌ على الضيق والتشمير للأسفار.
و(قوله: دعهما، فإني أدخلتهما وهما طاهرتان) حمل الجمهور هذه
(1) سبق تخريجه برقم (173).
(2)
سبق تخريجه ص (482).
رواه أحمد (4/ 251)، والبخاري (5799)، ومسلم (274)، وأبو داود (149 و 150 و 151)، واقرمذي (97 - 100)، والنسائي (1/ 82).
[208]
وَعَن شُرَيحِ بنِ هَانِئٍ؛ قَالَ: أَتَيتُ عَائِشَةَ أَسأَلُهَا عَنِ المَسحِ عَلَى الخُفَّينِ. فَقَالَت: عَلَيكَ بِابنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلهُ. فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلنَاهُ، فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلمُسَافِرِ، وَيَومًا وَلَيلَةً لِلمُقِيمِ.
رواه مسلم (276)، والنسائي (1/ 84).
* * *
ــ
الطهارة على العرفية، وهي طهارة الحدث، وخصّوها بالماء؛ لأنه الأصل، والطهارة به هي الغالبة. ورأى أصبغ: أن طهارة التيمم تدخل تحت مطلق قوله: هما طاهرتان، وقيل عنه: إنه بناه على أن التيمم يرفع الحدث.
وذهب داود إلى أن المراد بالطهارة هنا: هي الطهارة من النجس فقط، فإذا كانت رجلاه طاهرتين من النجاسة جاز المسح على الخفين، وسبب الخلاف: الاشتراك في اسم الطهارة.
و(قوله (1) في حديث علي: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم) نصٌّ في اشتراط التوقيت في المسح، وبه أخذ أبو حنيفة، والثوري، وأصحاب الحديث، والشافعي، ومالك وأحمد في أحد قوليهما، ومشهور مذهب مالك: أنه لا توقيت فيه، وهو قول الأوزاعي والليث، والقول
(1) قدّمنا هذه الفقرة من حديث علي برقم (208) كي تتوافق مع شرح الحديث في الباب (12).