الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(17) بَابٌ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ
[39]
وعَن طَارِقِ بنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَن بَدَأَ بِالخُطبَةِ يَومَ العِيدِ قَبلَ الصَّلَاةِ: مَروَانُ،
ــ
المسافرُ في البادية، ولتيسُّرِ ذلك على أهل البادية غالبًا، وتعذُّرِهِ على أهل الحَضَرِ ومشقَّتِهِ عليهم غالبًا. وقد رُوِيَ: الضَّيَافَةُ عَلَى أهل الوَبَر، وَلَيسَت عَلَى أهل المَدَر (1).
(17)
وَمِن بَابِ تَغيِيرُ المُنكَرِ مِنَ الإِيمَانِ
(قوله: أَوَّلُ مَن بَدَأَ بِالخُطبَةِ يَومَ العِيدِ قَبلَ الصَّلَاةِ: مَروَانُ) هذا أصحُّ ما رُوِيَ في أَوَّلِ من قدَّم الخطبةَ على الصلاة، وقد رُوِيَ: أوَّلَ مَن فعل ذلك عمر، وقيل: عثمان، وقيل: ابن الزبير، وقيل: معاوية رضي الله عنهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: وبعيدٌ أن يصحَّ شيءٌ مِن ذلك عن مثل هؤلاء؛ لأنَّهم شاهدوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وصلَّوا معه أعيادًا كثيرة، والصحيحُ المنقولُ عنه، والمتواترُ عند أهل المدينة: تقديمُ الصلاة على الخطبة؛ فكيف يَعدِلُ أحد منهم عما فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم وداوَمَ عليه إلى أن توفِّي؟ فإن صحَّ عن واحدٍ مِن (2) هؤلاء أنَّه قدَّم ذلك، فلعلَّه إنما فعله لمَا رأى من انصرافِ الناسِ عن الخُطبة، تاركين
(1) رواه القضاعي في مسند الشهاب (202) من حديث ابن عمر، وابن عدي في الكامل (7/ 1)، قال القاري: لا أصل له. وقال القاضي في أول شرح مسلم: إنه موضوع عند أهل المعرفة، وتبعه النووي. (كشف الخفاء 1640).
(2)
فى (ع): مثل.
فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: الصَّلاةُ قَبلَ الخُطبَةِ، فَقَالَ: قَد تُرِكَ مَا هُنَالِكَ، فَقَالَ أبو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا، فَقَد قَضَى مَا عَلَيهِ؛
ــ
لسماعها مستعجلين، أو ليدرك الصلَاة مَن تأخَّر وبَعُدَ منزلُهُ، ومع هذين التأويلين، فلا ينبغي أن تُترَكَ سنَّةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لمثل ذلك، وأولئك الملأُ أعلمُ وأجلُّ من أن يصيروا إلى ذلك، والله أعلم.
وأمَّا مَروان وبنو أمية، فإنما قدَّموها؛ لأنَّهم كانوا في خُطَبهم ينالون من عليٍّ - كرم الله وجهه - ويُسمِعون الناسَ ذلك، فكان الناسُ إذا صلَّوا معهم، انصرفوا عن سَمَاعِ خُطَبِهِم لذلك، فلمَّا رأى مَروَانُ ذلك أو مَن شاء الله من بني أميَّة، قدَّموا الخطبة؛ لِيُسمِعُوا الناسَ مِن ذلك ما يكرهون. والصوابُ: تقديمُ الصلاةِ على الخُطبة؛ كما تقدَّم، وقد حكى فيه بعضُ علمائنا الإجماعَ.
و(قوله: فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ قَبلَ الخُطبَةِ، فَقَالَ أبو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا، فَقَد قَضَى مَا عَلَيهِ) مقتضَى هذا السياق أن المُنكِرَ على مَروان رجلٌ غيرُ أبي سعيد، وأنَّ أبا سعيد مصوِّبٌ للإنكار، مستدِلٌّ على صحته، وفي الرواية الأخرى: أن أبا سعيد هو المنكرُ على مروان والمستَدِلُّ.
ووجهُ التلفيقِ (1) بينهما: أَن يقال: إنَّ كلَّ واحد مِنَ الرجل وأبي سعيد أنكَرَ على مروان؛ فَرَأى بعضُ الرواةِ إنكارَ الرجل، ورأى بعضهم إنكارَ أبي سعيد. وقيل: هما واقعتان في وقتَينِ، وفيه بُعدٌ.
وفيه من الفقه: أنَّ سنن الإسلامِ لا يجوزُ تغييرُ شيء منها ولا مِن ترتيبها، وأنَّ تغييرَ ذلك منكَرٌ يجبُ تغييره ولو على الملوكِ إذا قُدِرَ على ذلك، ولم يَدعُ إلى منكرٍ أكبَرَ من ذلك.
وعلى الجملة: فإذا تحقَّق المنكَرُ وجَبَ تغييرُهُ على مَن رآه، وكان قادرًا على تغييره؛ وذلك كالمُحدَثَاتِ والبِدَع، والمجمعِ على أنَّه منكَر، فأمَّا
(1) في (ع): الفرق.
سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَن رَأَى مِنكُم مُنكَرًا فَليُغَيِّرهُ بِيَدِهِ، فَإِن لَم يَستَطِع فَبِلِسَانِهِ، فَإِن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ، وَذَلِكَ أَضعَفُ الإِيمَانِ.
رواه أحمد (3/ 10 و 20 و 49 و 54 و 92)، ومسلم (49)، وأبو داود (1140)، والترمذي (2173)، والنسائي (8/ 111)، وابن ماجه (4013).
ــ
إن لم يكن كذلك، وكان مما قد صار إليه الإمام، وله وجهٌ مَّا من الشرع، فلا يجوزُ لمن رأى خلافَ ذلك (1) أن يُنكِرَ على الإمام؛ وهذا لا يُختَلَفُ فيه. وإنما اختلف العلماء: فيمن قلَّده السلطانُ الحِسبةَ في ذلك، هل يَحمِلُ الناسَ على رأيِه ومذهبِهِ أم لا؟ على قولَين.
و(قوله: مَن رَأَى مِنكُم مُنكَرًا، فَليُغَيِّرهُ بِيَدِهِ) هذا الأمرُ على الوجوب؛ لأنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكر من واجباتِ الإيمان، ودعائمِ الإسلام، بالكتابِ والسنة وإجماع الأمة، ولا يُعتَدُّ بخلافِ الرافضة في ذلك؛ لأنَّهم إمَّا مكفَّرون؛ فليسوا من الأمة، وإمَّا مبتدعون؛ فلا يُعتَدَّ بخلافهم؛ لظهور فِسقهم؛ على ما حقَّقناه في الأصول.
ووجوبُ ذلك بالشرعِ لا بالعقل؛ خلافًا للمعتزلة القائلين بأنَّه واجبٌ عقلاً، وقد بيَّنَّا في الأصول أنَّه لا يجبُ شيءٌ بالعقل، وإنما العقلُ كاشفٌ عن ماهيَّاتِ الأمور، ومميِّزٌ لها، لا مُوجِبٌ شيئًا منها. ثم إذا قلنا: إنَّ الأمر بالمعروفِ، والنهيَ عن المنكر واجبٌ، فذلك على الكفاية، مَن قام به أجزَأَه عن غيره؛ لقوله تعالى: وَلتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلَى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ ولوجوبه شرطان:
أحدهما: العلمُ بكون ذلك الفعلِ مُنكَرًا أو معروفًا.
والثاني: القدرةُ على التغيير.
(1) من (م) و (ط) و (ل).
[40]
وعَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِن نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى فِي أُمَّةٍ قَبلِي، إِلَاّ كَانَ لَهُ مِن أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصحَابٌ؛
ــ
فإذا كان كذلك، تعيَّن التغييرُ باليد إن كان ذلك المُنكَرُ مما يَحتَاجُ في تغييره إليها، مثلُ: كَسرِ أواني الخمر، وآلاتِ اللهو؛ كالمزاميرِ والأوتاد والكبَرِ (1)، وكمنعِ الظالمِ من الضَّربِ والقتلِ وغيرِ ذلك، فإن لم يَقدِر بنفسه، استعان بغيره، فإن خاف من ذلك ثَوَرَانَ فتنةٍ، وإشهارَ سلاح، تعيَّن رفعُ ذلك، فإن لم يَقدِر بنفسه على ذلك، غيَّر بالقولِ المرتجى نفعُهُ، مِن لين أو إغلاظ؛ حسَبَ ما يكونُ أنفع، وقد يُبلَغُ بالرِّفقِ والسياسة ما لا يُبلَغ بالسيف والرياسة.
فإن خاف من القول القتل أو الأذى، غيَّر بقلبه، ومعناه: أن يكره ذلك الفعلَ بقلبه، ويعزمَ على أن لو قدَرَ على التغيير لغيَّره.
وهذه آخرُ خَصلَةٍ منَ الخصالِ المتعيِّنةِ على المؤمن في تغييرِ المُنكَر، وهي المعبَّرُ عنها في الحديث بأنَّها أضعفُ الإيمان، أي: خصالِ الإيمان، ولم يبق بعدها للمؤمنِ مرتبةٌ أخرى في تغيير المنكر؛ ولذلك قال في الرواية الأخرى: لَيسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَردَلٍ (2)، أي: لم يبق وراءَ هذه المرتبةِ رتبةٌ أخرى، والإيمانُ في هذا الحديث بمعنى الإسلام على ما تقدَّم.
وفيه دليلٌ على أن مَن خاف على نفسه القتلَ أو الضرب سقَطَ عنه التغيير، وهو مذهبُ المحقِّقين سَلَفًا وخَلَفًا، وذهبت طائفةٌ من الغلاة: إلى أنه لا يسقُطُ وإن خاف ذلك، وسيأتي استيفاءُ هذا المعنى في الجهاد إن شاء الله تعالى.
و(قوله: مَا مِن نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبلِي، إِلَاّ كَانَ لَهُ مِن أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصحَابٌ) أي: ما من رسولٍ من الرسلِ المتقدِّمة، ويعني بذلك: غالبَ الرسل
(1) الكِبَر: جمع كِبْر، وهو الطَّبل. ويجب إتلاف الطبل وكَسره في غير الحرب.
(2)
جزء من حديث رواه البخاري (5705)، ومسلم (220)، والترمذي (2448) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
يَأخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقتَدُونَ بِأَمرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخلُفُ مِن بَعدِهِم خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفعَلُونَ، وَيَفعَلُونَ مَا لَا يُؤمَرُونَ؛ فَمَن جَاهَدَهُم بِيَدِهِ فهو مُؤمِنٌ، وَمَن جَاهَدَهُم بِلِسَانِهِ فهو مُؤمِنٌ، وَمَن جَاهَدَهُم بِقَلبِهِ فهو مُؤمِنٌ، ولَيسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَردَلٍ.
رواه أحمد (1/ 458)، ومسلم (50).
* * *
ــ
لا كلَّهم؛ بدليل قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخَرِ الذي أخبَرَ فيه عن مجيء الأنبياءِ في أممهم يوم القيامة؛ فإنَّه قال فيه: يَأتِي النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَيَأتِي النَّبِيُّ وَلَيسَ مَعَهُ أَحَدٌ؛ فهذا العمومُ - وإن كان مؤكَّدًا مِن بعد النفي، فهو مخصَّصٌ بما ذكرناه.
والحواريُّون: جمع حَوَارِيٍّ، وهم خُلصَان (1) الأنبياء، الذين أخلصوا في حُبِّ أنبيائهم، وخَلَصُوا مِن كل عيب، وحُوَّارَى الدقيقِ: الدقيقُ الذي نُخِلَ؛ قاله الأزهريُّ. وقال ابن الأنباري: هم المختصُّون المفضَّلون، وسمِّي خُبزَ الحُوَّارَى؛ لأنه أشرفُ الخبز. وقيل: هم الناصرون للأنبياء؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: لكلِّ نبيٍّ مِن أمَّته حَوَارِيُّون، وحَوَارِيَّ الزبيرُ (2). وقيل في حَوَارِي عيسى خمسةُ أقوال: قيل: هم البِيضُ الثيابِ، وقيل: المبيِّضون لها، وقيل: المجاهدون، وقيل: الصَّيَّادون، وقيل: المُخلصون.
والأصحاب: جمعُ صَحب، كَفَرخٍ وأَفرَاخٍ؛ قاله الجوهري، وقال غيره:
(1) جاء في لسان العرب مادة: خلص: واستخلص الرجل؛ إذا اختصه بدخْلُلِه، وهو خالصتي وخلصاني، وهو خلصاني. يستوي فيه الواحد والجماعة. وتقول: هؤلاء خلصاني وخلصائي.
(2)
رواه أحمد (3/ 365)، وابن ماجه (122) من حديث جابر رضي الله عنه.