الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَجْزَأَهُ؛ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَرِيبِ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ بِكَمَالِهِ، وَيُحْتَمَل أَنْ يُجْزِئَهُ، وَيَكُونُ مُسِيئًا كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الإِْحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْ دُونِهِ.
فَإِنْ خَرَجَ لِلْحَجِّ أَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، حَجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ؛ لأَِنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِبْ ثَانِيًا.
وَكَذَلِكَ إِنْ مَاتَ نَائِبُهُ اسْتُنِيبَ حَيْثُ مَاتَ لِذَلِكَ (1) .
النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ بِأُجْرَةٍ:
47 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ.
أَمَّا عَنِ الْحَيِّ فَلَا يَجُوزُ إِلَاّ لِلْعُذْرِ الْمَيْئُوسِ عَنْ زَوَالِهِ وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ عَنِ الْحَيِّ عِنْدَهُمْ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ عَنِ الْحَيِّ أَوِ
(1) المغني 5 / 39، 40، وشرح منتهى الإرادات 1 / 519.
الْمَيِّتِ، فَإِنْ وَقَعَتِ الإِْجَارَةُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لَكِنَّ الْحَجَّةَ تَقَعُ عَنِ الأَْصِيل، وَلِمَنْ حَجَّ نَفَقَةُ مِثْلِهِ لأَِنَّهُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِمَنْفَعَةِ الأَْصِيل، فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ (1) .
رَابِعًا: النِّيَابَةُ فِي الأُْضْحِيَّةِ:
48 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي ذَبْحِ الأُْضْحِيَّةِ إِذَا كَانَ النَّائِبُ مُسْلِمًا، وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا إِذَا كَانَ النَّائِبُ كِتَابِيًّا، وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِمَوْضِعِ ذَبْحِ الأُْضْحِيَّةِ لَا مَوْضِعِ الْمُضَحَّى عَنْهُ عَلَى خِلَافٍ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أُضْحِيَّة ف 64) .
خَامِسًا: النِّيَابَةُ فِي الْوَظَائِفِ:
49 -
اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي جَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ.
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ - مِنْهُمُ الطَّرْطُوسِيُّ - إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ لأَِرْبَابِ الْوَظَائِفِ حَتَّى مَعَ قِيَامِ الأَْعْذَارِ. وَيَرَى آخَرُونَ - مِنْهُمْ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ - جَوَازَ الاِسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ.
وَقَال الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: يَجِبُ تَقْيِيدُ جَوَازِ
(1) ابن عابدين 2 / 240، والدسوقي 2 / 11، 13، والمجموع 7 / 120، 114، 115، ونهاية المحتاج 3 / 254، والمغني 5 / 23.
الاِسْتِنَابَةِ بِوَظِيفَةٍ تَقْبَل الإِْنَابَةَ كَالتَّدْرِيسِ بِخِلَافِ التَّعَلُّمِ، وَحَيْثُ تَحَرَّرَ الْجَوَازُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنَابُ مُسَاوِيًا لِلنَّائِبِ فِي الْفَضِيلَةِ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ دُونَهُ.
وَاشْتَرَطَ أَبُو السُّعُودِ لِجَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ الْعُذْرَ الشَّرْعِيَّ، وَكَوْنَ الْوَظِيفَةِ مِمَّا يَقْبَل النِّيَابَةَ كَالإِْفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ، وَكَوْنَ النَّائِبِ مِثْل الأَْصِيل أَوْ خَيْرًا مِنْهُ، وَأَنَّ الْمَعْلُومَ بِتَمَامِهِ يَكُونُ لِلنَّائِبِ لَيْسَ لِلأَْصِيل مِنْهُ شَيْءٌ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ فِي أَيَّامِ الْعُذْرِ وَقَالُوا: جَازَ لِلْمُسْتَنِيبِ تَنَاوُل رِيعِ الْوَقْفِ وَأَنْ يُطْلِقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّيعِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الأَْعْذَارِ فَلَا تَجُوزُ الاِسْتِنَابَةُ عِنْدَهُمْ فِي الْوَظَائِفِ، قَال فِي الْمَسَائِل الْمَلْقُوطَةِ: مَنْ وَلَاّهُ الْوَاقِفُ عَلَى وَظِيفَةٍ بِأُجْرَةٍ، فَاسْتَنَابَ فِيهَا غَيْرَهُ وَلَمْ يُبَاشِرِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُل الأُْجْرَةِ وَلَا لِنَائِبِهِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُبَاشِرِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، وَمَا عُيِّنَ لَهُ النَّاظِرُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَاّ بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعَيِّنِ النَّاظِرُ النَّائِبَ فِي الْوَظِيفَةِ، فَمَا تَنَاوَلَاهُ حَرَامٌ (2) .
وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي جَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ فِي
(1) ابن عابدين 3 / 408.
(2)
مواهب الجليل 6 / 37، والفروق 3 / 4.
الْوَظَائِفِ، فَقَدْ جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الْقَلْيُوبِيِّ: الاِسْتِنَابَةُ فِي الْوَظَائِفِ الَّتِي تَقْبَل النِّيَابَةَ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْل الْمُسْتَنِيبِ أَوْ أَعْلَى، وَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ جَمِيعَ الْمَعْلُومِ وَإِنْ جَعَل لِلنَّائِبِ شَيْئًا وَجَبَ دَفْعُهُ.
وَجَاءَ فِي حَاشِيَةِ عَمِيرَةَ مَا يُفِيدُ أَنَّ الاِسْتِنَابَةَ فِي الْوَظَائِفِ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ وَلَا النَّائِبُ شَيْئًا، لَكِنْ تَجُوزُ الاِسْتِنَابَةُ إِذَا كَانَتْ بِإِذْنِ الْوَاقِفِ (1) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: النِّيَابَةُ فِي الأَْعْمَال الْمَشْرُوطَةِ مِنْ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَأَذَانٍ وَغَلْقِ بَابٍ وَنَحْوِهَا جَائِزَةٌ، إِذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْل مُسْتَنِيبِهِ فِي كَوْنِهِ أَهْلاً لِمَا اسْتُنِيبَ فِيهِ، ثُمَّ قَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ أَكَل أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِل قَوَّمَ لَهُمْ رَوَاتِبَ أَضْعَافَ حَاجَاتِهِمْ وَقَوَّمَ لَهُمْ جِهَاتٍ مَعْلُومُهَا كَثِيرٌ يَأْخُذُونَهُ وَيَسْتَنِيبُونَ فِيهَا بِيَسِيرٍ مِنَ الْمَعْلُومِ لأَِنَّ هَذَا خِلَافُ غَرَضِ الْوَاقِفِينَ (2) .
(1) حاشيتي القليوبي وعميرة 3 / 132.
(2)
كشاف القناع 4 / 268، والإنصاف 7 / 69.