الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْهِبَةِ، فَإِذَا قَبَضَ الْوَاهِبُ الْعِوَضَ فَلَيْسَ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ فِيمَا مَلَكَهُ، سَوَاءٌ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِأَمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَيَشْتَرِطُ شَرَائِطَ الْهِبَةِ فِي الْعِوَضِ بَعْدَ الْهِبَةِ مِنَ الْقَبْضِ وَالْحِيَازَةِ وَالإِْفْرَازِ، وَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ وَلَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ.
وَقَال الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا لَمْ يَجِبِ (الْعِوَضُ) فَأَعْطَاهُ الْمُتَّهَبُ ثَوَابًا كَانَ ذَلِكَ ابْتِدَاءَ هِبَةٍ، حَتَّى لَوْ وَهَبَ لاِبْنِهِ فَأَعْطَاهُ الاِبْنُ ثَوَابًا، لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الرُّجُوعِ (1) .
ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ:
38 -
إِذَا تَمَّتِ الْهِبَةُ صَحِيحَةً بِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ (2) .
وَالأَْصْل أَنَّ الْهِبَةَ تَكُونُ بِلَا عِوَضٍ، وَهَكَذَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا بِلَا عِوَضٍ، فَإِذَا اشْتَرَطَ الْعِوَضَ فِيهَا كَانَتْ عَلَى شَرْطِهَا.
(1) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 394، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 5 / 386، وَالْمُغْنِي مَعَ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ 6 / 299.
(2)
الْبَحْر الرَّائِق 7 / 310، وَانْظُرْ تَعَارِيف الْفُقَهَاء فِي الْهِبَةِ.
وَهَذَا الْمِلْكُ اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي ثُبُوتِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ، وَاعْتَبَرُوهُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْهِبَةِ وَتَمَامِهَا.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ قَرَّرُوا ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ (الإِْيجَابُ وَالْقَبُول) وَمَا الْقَبْضُ عِنْدَهُمْ إِلَاّ أَثَرًا مِنْ آثَارِ الْعَقْدِ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ تَنْفِيذُهُ، وَذَلِكَ بِتَسْهِيل إِقْبَاضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَمَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إِلَاّ أَنْ يُسْرِعَ فِي حِيَازَةِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ وَلَا يُفَرِّطَ فِيهِ.
وَقَدْ نَحَا الْحَنَابِلَةُ مَنْحَى الْمَالِكِيَّةِ فِي الْهِبَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنَ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ، فَقَرَّرُوا ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ (1) .
الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ:
39 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ رُجُوعِ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ:
الأَْوَّل: عَدَمُ جَوَازِ الرُّجُوعِ إِلَاّ لأَِبٍ فِيمَا وَهَبَ وَلَدَهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ،
(1) تَكْمِلَة رَدِّ الْمُحْتَارِ 8 / 424، 470 ط الْحَلَبِيّ، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 5 / 375، وَالْقَوَاعِد لاِبْن رَجَب ص 71، وَالشَّرْح الْكَبِير 4 / 101.
وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ يُلْحَقُ سَائِرُ الأُْصُول بِالأَْبِ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ.
وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ الأُْمَّ بِالأَْبِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الاِبْنُ غَيْرَ يَتِيمٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الأُْمَّ كَالأَْبِ فِي الرُّجُوعِ مُطْلَقًا (1) وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْل مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِل لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَاّ فِيمَا يَهَبُ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ (2) ، فَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِي عَدَمِ جَوَازِ رُجُوعِ غَيْرِ الأَْبِ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ (3) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَيْسَ لَنَا مَثَل
(1) الْخَرَشِيّ 7 / 114، وَالْقَوَانِين الْفِقْهِيَّة ص 315، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 4 / 110، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 248، وَالْمُهَذَّبِ 1 / 447، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 2 / 402، وَحَاشِيَة البجيرمي 3 / 219، وَحَاشِيَة الْقَلْيُوبِيّ وَعَمِيرَة 3 / 313، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْح الْكَبِير 6 / 272، وَالإِْنْصَاف 7 / 145، وَالْفُرُوع 4 / 647
(2)
حَدِيث: " لَا يَحْل لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ. . . ". أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الآْثَار (4 / 79 ط مَطْبَعَة الأَْنْوَار الْمُحَمَّدِيَّة)، وَالْبَيْهَقِيّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى (6 / 179 - 180 ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ) وَقَال: مُنْقَطِع، وَفِي الْبَابِ مُوَصِّلاً بِلَفْظٍ آخَرَ.
(3)
حَدِيث: " الْعَائِد فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيِّئْهُ ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 5 / 234 ط السَّلَفِيَّة) ، وَمُسْلِم (3 / 1241 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهم ا.
السَّوْءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ (1) .
الثَّانِي: يَصِحُّ الرُّجُوعُ لِلْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ مَوَانِعِ الرُّجُوعِ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالِي: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رَدُّوهَا (3) } وَالتَّحِيَّةُ هُنَا تُفَسَّرُ بِالْهَدِيَّةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ (أَوْ رَدُّوهَا) لأَِنَّ الرَّدَّ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الأَْعْيَانِ لَا فِي الأَْعْرَاضِ؛ لأَِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إِعَادَةِ الشَّيْءِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الأَْعْرَاضِ كَالتَّحِيَّةِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا (4) أَيْ يُعَوَّضُ، فَقَدْ جَعَل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْوَاهِبَ أَحَقَّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يَصِل إِلَيْهِ الْعِوَضُ.
(1) حَدِيث: " لَيْسَ لَنَا مَثَل السَّوْءِ: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ. . . ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 5 / 234 - 235 ط السَّلَفِيَّة) ، وَمُسْلِم (3 / 1240 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهم ا.
(2)
بَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 127، وَتَكْمِلَة فَتْح الْقَدِير 7 / 129، وَالْبَحْر الرَّائِق 7 / 295، 316، وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 4 / 539.
(3)
سُورَة النِّسَاء / 86.
(4)
حَدِيث: " الْوَاهِب أَحَقّ بِهِبَتِهِ. . . ". سَبَقَ تَخْرِيجه ف 32.