الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِخْلَاصُ الْعَمَل لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِيَةُ: تَكُونُ فِي الْمُحْتَمَل لِلشَّيْءِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ إِذَا أَقْبَضَهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِل التَّمْلِيكَ هِبَةً وَقَرْضًا وَوَدِيعَةً وَإِبَاحَةً، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ تَمْيِيزِ إِقْبَاضِهِ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الإِْقْبَاضِ. وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ، كَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنًا فَسَلَّمَهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا لَا يَقَعُ عَنْهُ الدَّيْنُ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَدَاءَهُ، وَمِثْلُهُ كُل مَنْ جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ كَالْوَكِيل وَالْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ وَيَتِيمِهِ، فَإِذَا أُطْلِقَ الشِّرَاءُ يَنْصَرِفُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْصَرِفُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَاّ بِالنِّيَّةِ الَّتِي تُمَيِّزُهُ عَنِ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ (1) .
عَلَاقَةُ النِّيَّةِ بِالإِْخْلَاصِ:
37 -
فَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالإِْخْلَاصِ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُفَرِّقْ، وَنُوَضِّحُ آرَاءَهُمْ فِيمَا يَلِي:
قَال ابْنُ نُجَيْمٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ الإِْخْلَاصِ فِيهَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهُ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالإِْخْلَاصِ ثُمَّ خَالَطَهُ الرِّيَاءُ فَالْعِبْرَةُ
(1) المنثور 3 / 285 - 287.
لِلسَّابِقِ، وَلَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ. ثُمَّ قَال: الصَّلَاةُ لإِِرْضَاءِ الْخُصُومِ لَا تُفِيدُ، بَل يُصَلِّي لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ خَصْمُهُ لَمْ يَعْفُ يُؤْخَذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَدْ أَفَادَ الْبَزَّازِيُّ بِقَوْلِهِ " فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ ": إِنَّ الْفَرَائِضَ مَعَ الرِّيَاءِ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْوَاجِبِ. وَلَكِنْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الأُْضْحِيَةِ أَنَّ الْبَدَنَةَ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ إِنْ كَانَ الْكُل مُرِيدِينَ الْقُرْبَةَ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ جِهَاتُهُمْ مِنْ أُضْحِيَةٍ وَقِرَانٍ وَمُتْعَةٍ. قَالُوا: فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ مُرِيدًا لَحْمًا لأَِهْلِهِ أَوْ كَانَ نَصْرَانِيًّا لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَعَلَّلُوا بِأَنَّ الْبَعْضَ إِذَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً خَرَجَ الْكُل عَنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً؛ لأَِنَّ الإِْرَاقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَبَحَهَا أُضْحِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا تُجْزِئُهُ بِالأَْوْلَى، وَيَنْبَغِي أَنْ تَحْرُمَ.
وَفِي التَّاتَارَخَانِيَّةِ: لَوِ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ دَخَل فِي قَلْبِهِ الرِّيَاءُ فَهُوَ عَلَى مَا افْتَتَحَ، وَالرِّيَاءُ: أَنَّهُ لَوْ خَلَّى عَنْهُ النَّاسُ لَا يُصَلِّي وَلَوْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُصَلِّي، فَأَمَّا لَوْ صَلَّى مَعَ النَّاسِ يُحْسِنُهَا وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَا يُحْسِنُ، فَلَهُ ثَوَابُ أَصْل الصَّلَاةِ دُونَ الإِْحْسَانِ، وَلَا يَدْخُل الرِّيَاءُ فِي الصَّوْمِ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ: قَال إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ: لَوْ صَلَّى رِيَاءً فَلَا أَجْرَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ. قَال بَعْضُهُمْ: يَكْفُرُ، وَقَال بَعْضُهُمْ: لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا وِزْرَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُصَل.
وَفِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَيَخَافُ أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِ الرِّيَاءُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ لأَِنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ (1) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: قَال الْقَرَافِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ مَا دَامَ حَيًّا مُسْتَطِيعًا قَبْل حُضُورِهَا وَحُضُورِ أَسْبَابِهَا، فَإِذَا حَضَرَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ النِّيَّةُ وَالإِْخْلَاصُ الْفِعْلِيَّانِ فِي أَوَّلِهَا، وَيَكْفِي الْحُكْمِيَّانِ فِي بَقِيَّتِهَا (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّمْيِيزِ الإِْخْلَاصُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُقْبَل النِّيَابَةُ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ اخْتِبَارُ سِرِّ الْعِبَادَةِ، وَقَال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الإِْخْلَاصُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى النِّيَّةِ لَا يَحْصُل بِدُونِهَا وَقَدْ تَحْصُل بِدُونِهِ، وَنَظَرُ الْفُقَهَاءِ قَاصِرٌ عَلَى النِّيَّةِ، وَأَحْكَامُهُمْ إِنَّمَا تَجْرِي عَلَيْهَا، وَأَمَّا الإِْخْلَاصُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحُوا عَدَمَ وُجُوبِ الإِْضَافَةِ إِلَى اللَّهِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ (3) .
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 39.
(2)
الذخيرة 1 / 243 - 244.
(3)
الأشباه والنظائر للسيوطي ص 20.
وَقَال ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الإِْخْلَاصُ أَنْ يَفْعَل الْمُكَلَّفُ الطَّاعَةَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، لَا يُرِيدُ بِهَا تَعْظِيمًا مِنَ النَّاسِ وَلَا تَوْقِيرًا وَلَا جَلْبَ نَفْعٍ دِينِيٍّ وَلَا دَفْعَ ضَرَرٍ دُنْيَوِيٍّ، وَلَهُ رُتَبٌ، مِنْهَا أَنْ يَفْعَلَهَا خَوْفًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَمِنْهَا أَنْ يَفْعَلَهَا تَعْظِيمًا لِلَّهِ، وَمَهَابَةً وَانْقِيَادًا وَإِجَابَةً، وَلَا يَخْطُرُ لَهُ عَرَضٌ مِنَ الأَْعْرَاضِ، بَل يَعْبُدُ مَوْلَاهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَإِذَا رَآهُ غَابَتْ عَنْهُ الأَْكْوَانُ كُلُّهَا وَانْقَطَعَتِ الأَْعْرَاضُ بِأَسْرِهَا (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي تَعْرِيفِ النِّيَّةِ شَرْعًا: إِنَّهَا عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى فِعْل الْعِبَادَةِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، بِأَنْ يَقْصِدَ بِعَمَلِهِ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ تَصَنُّعٍ لِمَخْلُوقٍ أَوِ اكْتِسَابِ مَحْمَدَةٍ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مَحَبَّةِ مَدْحٍ مِنْهُمْ أَوْ نَحْوِهِ، وَهَذَا هُوَ الإِْخْلَاصُ.
وَقَال بَعْضُهُمْ: هُوَ تَصْفِيَةُ الْفِعْل عَنْ مُلَاحَظَةِ الْمَخْلُوقِينَ، وَقَال آخَرُ: هُوَ التَّوَقِّي عَنْ مُلَاحَظَةِ الأَْشْخَاصِ، وَقَال آخَرُ: هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفِعْل لِدَاعِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا مِنَ الدَّوَاعِي تَأْثِيرٌ فِي الدُّعَاءِ إِلَى ذَلِكَ الْفِعْل (2) .
وَفِي الْخَبَرِ: قَال اللَّهُ تَعَالَى: الإِْخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي، اسْتَوْدَعْتُهُ قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ مِنْ
(1) قواعد الأحكام 1 / 123.
(2)
كشاف القناع 1 / 313، 315.