الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُوَّةُ سُلْطَانِ الْهَوَى، وَخَفَاءُ مَكْرِهِ (1) .
فَأَمَّا الأَْوَّل: فَهُوَ أَنْ يَقْوَى سُلْطَانُ الْهَوَى بِدَوَاعِيهِ حَتَّى تَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ مُغَالَبَةُ الشَّهَوَاتِ، فَيَكِل الْعَقْل عَنْ دَفْعِهَا وَيَضْعُفَ عَنْ مَنْعِهَا مَعَ وُضُوحِ قُبْحِهَا فِي الْعَقْل الْمَقْهُورِ بِهَا، وَهَذَا يَكُونُ فِي الأَْحْدَاثِ أَكْثَرَ وَعَلَى الشَّبَابِ أَغْلَبَ؛ لِقُوَّةِ شَهَوَاتِهِمْ وَكَثْرَةِ دَوَاعِي الْهَوَى الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ رُبَّمَا جَعَلُوا الشَّبَابَ عُذْرًا لَهُمْ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَهُوَ أَنْ يُخْفِيَ الْهَوَى مَكْرَهُ حَتَّى تَمُوهُ أَفْعَالُهُ عَلَى الْعَقْل، فَيَتَصَوَّرُ الْقَبِيحَ حَسَنًا، وَالضَّرَرَ نَفْعًا، وَهَذَا يَدْعُو إِلَيْهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلنَّفْسِ مَيْلٌ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَيَخْفَى عَلَيْهَا الْقَبِيحُ بِحُسْنِ ظَنِّهَا وَتَتَصَوَّرُهُ حَسَنًا لِشِدَّةِ مَيْلِهَا إِلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ (2) . أَيْ يُعْمِي عَنِ الرُّشْدِ، وَيُصِمُّ عَنِ الْمَوْعِظَةِ، وَقَال عَلِيٌّ رضي الله عنه:" الْهَوَى عَمًى ".
(1) أَدَب الدُّنْيَا وَالدِّينِ ص 36.
(2)
حَدِيث: " حُبّك الشَّيْء يُعْمِي وَيَصِمُ ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (5 / 347 - ط حِمْص) وقال الْمُنْذِرِي فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ (8 / 31 - ط دَار الْمَعْرِفَة) : فِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّة بْن الْوَلِيدِ، وَأَبُو بَكْر بِكِير بْن عَبْد اللَّه، وَفِي كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَال.
وَأَمَّا السَّبَبُ الثَّانِي: فَهُوَ اسْتِثْقَال الْفِكْرِ فِي تَمْيِيزِ مَا اشْتَبَهَ، وَطَلَبُ الرَّاحَةِ فِي اتِّبَاعِ مَا يَسْهُل حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ أَوْفَقُ أَمْرَيْهِ وَأَحْمَدُ حَالَيْهِ، اغْتِرَارًا بِأَنَّ الأَْسْهَل مَحْمُودٌ وَالأَْعْسَرَ مَذْمُومٌ، فَلَنْ يَعْدِمَ أَنْ يَتَوَرَّطَ بِخُدَعِ الْهَوَى وَزِينَةِ الْمَكْرِ فِي كُل مَخُوفٍ حَذِرٍ، وَمَكْرُوهٍ عَسِرٍ (1) .
ص -
نَهْيُ النَّفْسِ عَنِ الْهَوَى:
7 -
سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ نَهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ وَالْحُكَمَاءُ عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ إِلَى سَعَادَةِ الآْخِرَةِ إِلَاّ بِنَهْيِ النَّفْسِ عَنِ الْهَوَى وَمُخَالَفَةِ الشَّهَوَاتِ (2) .
فَقَدْ جَعَل اللَّهُ سبحانه وتعالى مُخَالَفَةَ النَّفْسِ بِتَرْكِ هَوَاهَا عِلَّةً عَادِيَّةً وَسَبَبًا شَرْعِيًّا لِقِصَرِ مَقَامِهِ عَلَى الْجَنَّةِ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ مُخَالَفَةُ النَّفْسِ رَأْسَ الْعِبَادَةِ (3) قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} ، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (4) } فَدِفَاعُ الْهَوَى أَعْظَمُ جِهَادٍ (5) كَمَا
(1) أَدَب الدُّنْيَا وَالدِّينِ ص 36 ط دَار ابْن كَثِير.
(2)
إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ 3 / 65.
(3)
بِرِيقَة مَحْمُودِيَّة فِي شَرْحِ طَرِيقَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ 2 / 72.
(4)
سُورَة النَّازِعَات / 40، 41.
(5)
الذَّرِيعَة إِلَى مَكَارِمَ الشَّرِيعَة لِلرَّاغِبِ الأَْصْفَهَانِيّ ص 103.