الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالسَّلَامُ نَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ وَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا بَقِيَ مِنَ الْمِائَةِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُل بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا (1) .
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ دَمُ النُّسُكِ، فَيَجُوزُ مِنْهُ الأَْكْل كَالأُْضْحِيَةِ.
وَبِهَذَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ هَدْيُ التَّطَوُّعِ مُعَيَّنًا، أَمَّا إِذَا نَوَى الْمُهْدِي الْهَدْيَ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ سَمَّاهُ لَهُمْ - عَيَّنَ أَمْ لَا - فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الأَْكْل مِنْهُ (2) .
ثَانِيًا: الْهَدْيُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ:
أ - هَدْيُ التَّطَوُّعِ:
29 -
صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِذَا عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَبْلُغِ الْحَرَمَ نَحَرَهُ فِي مَوْضِعِهِ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلُهُ الْفَقِيرُ، وَلَا يَأْكُل الْمُهْدِي مِنْهُ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلأَْغْنِيَاءِ الأَْكْل مِنْهُ كَذَلِكَ، وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ
(1) حَدِيث: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَة بِيَدِهِ. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 892 - ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ جَابِر بْن عَبْد اللَّه.
(2)
الْبَحْر الرَّائِق 3 / 76، والحاوي 5 / 252، وكشاف الْقِنَاع 3 / 19، والشرح الْكَبِير مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 2 / 89.
لِرُفْقَةِ الْمُهْدِي الأَْكْل مِنَ الْهَدْيِ إِذَا عَطِبَ. وَاخْتَارَ فِي التَّبْصِرَةِ إِبَاحَةَ الأَْكْل مِنْهُ لِرَفِيقِ الْمُهْدِي الْفَقِيرِ (1) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا عَطِبَ هَدْيُ التَّطَوُّعِ فِي الطَّرِيقِ فَعَل بِهِ الْمُهْدِي مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ وَغَيْرِهِمَا (2) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إِذَا نَوَاهُ الْمُهْدِي لِلْمَسَاكِينِ أَوْ سَمَّاهُ لَهُمْ سَوَاءٌ أَعَيَّنَ أَمْ لَا، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِلْمُهْدِي الأَْكْل بَلَغَ مَحِلَّهُ أَمْ لَا وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ يَجُوزُ الأَْكْل مِنْهُ (3) .
ب - الْهَدْيُ الْوَاجِبُ:
30 - لَا يَنْبَغِي لِلْمُهْدِي أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِ الْهَدْيِ أَوْ مِنْ مَنَافِعِهِ إِلَى نَفْسِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ (4) .
أَمَّا إِذَا عَطِبَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ فِي الطَّرِيقِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ أَكْل الْمُهْدِي مِنْهُ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ عَطِبَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ أَقَامَ الْمُهْدِي غَيْرَهُ مَقَامَهُ وَصَنَعَ بِهِ مَا
(1) الْبَحْر الرَّائِق 3 / 76، والإنصاف 4 / 97 - 98، وكشاف الْقِنَاع 3 / 15.
(2)
رَوْضَة الطَّالِبِينَ 3 / 190.
(3)
الشَّرْح الْكَبِير مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 2 / 89.
(4)
فَتْح الْقَدِير 3 / 165.
شَاءَ لأَِنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِمَا عَيَّنَهُ، وَهُوَ مِلْكُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ (1) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِجَوَازِ الأَْكْل مِنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ لِنَقْصٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ تَرْكٍ وَاجِبٍ أَوْ فَسَادٍ أَوْ فَوَاتٍ أَوْ تَعَدِّي مِيقَاتٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ نَذْرٍ لَمْ يُعَيَّنْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ أَوْ لَا (2) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ عَطِبَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ فِي الطَّرِيقِ قَبْل مَحِلِّهِ أَوْ عَجَزَ عَنِ الْمَشْيِ إِلَى مَحِلِّهِ لَزِمَ الْمُهْدِيَ نَحْرُهُ مَوْضِعَهُ مُجَزِّئًا، وَصَبَغَ نَعْل الْهَدْيِ الَّتِي فِي عُنُقِهِ فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ لِيَعْرِفَهُ الْفُقَرَاءُ فَيَأْخُذُوهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُهْدِي وَعَلَى خَاصَّةِ رُفْقَتِهِ الأَْكْل مِنَ الْهَدْيِ الْعَاطِبِ - وَلَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ - مَا لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُول: إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْل رُفْقَتِكَ (3) .
(1) الْبَحْر الرَّائِق 3 / 167.
(2)
الشَّرْح الْكَبِير مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 3 / 89.
(3)
حَدِيث:، " ذُؤَيْب أَبِي قَبِيصَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبَدَنِ. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 963 ط الْحَلَبِيّ) .
وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ دَمَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ حَيْثُ أَجَازُوا الأَْكْل مِنْهُمَا، جَاءَ فِي الإِْنْصَافِ: وَلَا يَأْكُل مِنْ وَاجِبٍ إِلَاّ مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَأْكُل إِلَاّ مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ فَقَطْ.
وَقَال الآْجُرِّيُّ: لَا يَأْكُل مِنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ أَيْضًا.
وَعَنْ أَحْمَدَ: يَأْكُل مِنَ الْكُل إِلَاّ مِنَ النَّذْرِ - وَجَزَاءُ الصَّيْدِ. وَأَلْحَقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى بِهِمَا الْكَفَّارَةَ، وَجَوَّزَ الأَْكْل مِمَّا عَدَا ذَلِكَ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ وَكَانَ وَاجِبًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ. فَلَوْ تَرَكَهُ حَتَّى هَلَكَ ضَمِنَهُ، وَإِذَا ذَبَحَهُ غَمَسَ النَّعْل الَّتِي قَلَّدَهُ فِي دَمِهِ، وَضَرَبَ بِهَا سِنَامَهُ، وَتَرَكَهُ لِيَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُل مِنْهُ، وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُهْدِي وَلَا لأَِغْنِيَاءِ الرُّفْقَةِ الأَْكْل مِنْهُ قَطْعًا، وَلَا لِفُقَرَاءِ الرُّفْقَةِ عَلَى الصَّحِيحِ (2) .
(1) كَشَّاف الْقِنَاع 3 / 15، ومطالب أُولِي النُّهَى 2 / 483 - 484، والإنصاف 4 / 104.
(2)
رَوْضَة الطَّالِبِينَ 3 / 190 - 191.