الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَانِيًا: هَجْرُ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ:
6 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ هَجْرُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا، حَيْثُ وَرَدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَْنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا يَحِل لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ (1) فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصَّ فِي مَنْعِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ (2) وَقَدْ عَدَّ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ هَجْرَ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ مِنَ الْكَبَائِرِ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّقَاطُعِ وَالإِْيذَاءِ وَالْفَسَادِ، وَثُبُوتِ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ فِي الآْخِرَةِ (3) لِحَدِيثِ: مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَهُوَ فِي النَّارِ إِلَاّ أَنْ يَتَدَارَكَهُ اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ (4)
(1) حَدِيث: " لَا يَحِل لِمُسْلِم. . . ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 10 / 492 ط السَّلَفِيَّة) ، وَمُسْلِم (4 / 1984 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) وَاللَّفْظ لِمُسْلِم.
(2)
مِرْقَاة الْمَفَاتِيح لِلْمَلَا عَلِي الْقَارِّيّ 4 / 716، وَالْجَامِع مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ لاِبْن رُشْد (ص 267 ط دَارَ الْفَرْقَانِ) ، وَالنَّوَوِيّ عَلَى مُسْلِمِ 16 / 117، وَعُمْدَة الْقَارِّيّ 18 / 179، وَفَتْح الْبَارِي 10 / 495، وَالْمُنْتَقَى لِلْبَاجِي 7 / 215، وَكِفَايَة الطَّالِب الرَّبَّانِيّ لِرِسَالَةِ ابْن أَبِي زَيْد الْقَيْرَوَانِيّ 2 / 394.
(3)
الزَّوَاجِر عَنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ 2 / 42، 44، وَالآْدَاب الشَّرْعِيَّة لاِبْن مُفْلِح 1 / 242.
(4)
حَدِيث: " مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَهُوَ. . . ". أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِيرِ (18 / 315 ط الْعِرَاق) مِنْ حَدِيث فَضَالَّة بْن عَبِيد وَقَال الهيثمي فِي مَجْمَع الزَّوَائِد (8 / 67 ط الْقُدْسِيّ) : رِجَالُهُ رِجَال الصَّحِيحِ
أَمَّا هِجْرَةُ الْمُسْلِمِ لأَِخِيهِ مُدَّةَ ثَلَاثٍ، فَجَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى إِبَاحَتِهَا اعْتِبَارًا لِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، دَلِيل الْخِطَابِ فِي الْحَدِيثِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا فِي الثَّلَاثِ؛ لأَِنَّ الآْدَمِيَّ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ، فَعُفِيَ عَنِ الْهِجْرَةِ فِي الثَّلَاثَةِ لِيَذْهَبَ ذَلِكَ الْعَارِضُ (1) . قَال الْخَطَّابِيُّ: فَرَخَّصَ لَهُ فِي مُدَّةِ ثَلَاثٍ لِقِلَّتِهَا، وَجُعِل مَا وَرَاءَهَا تَحْتَ الْحَظْرِ (2) وَقَدْ بَيَّنَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ وَجْهَ تَحْدِيدِ التَّرْخِيصِ بِثَلَاثٍ فَقَال (3) : الثَّلَاثُ آخِرُ حَدِّ الْيَسِيرِ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، فَاسْتَخَفَّ فِي الْمُهَاجَرَةِ لِجَرْيِ الْعَادَةِ فِي الطِّبَاعِ بِهَا عِنْدَ وُقُوعِ مَا يُثِيرُهَا. وَالأَْصْل فِي تَحْدِيدِهَا فِي الْهَجْرِ وَغَيْرِهِ قَوْل اللَّهِ عز وجل:{فَقَال تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (4) }
(1) النَّوَوِيّ عَلَى مُسْلِمِ 16 / 117، وَانْظُرْ عُمْدَة الْقَارِّيّ 18 / 184، وَالْمُنْتَقَى لِلْبَاجِي 7 / 215، وَالأُْبِّيّ عَلَى مُسْلِم 7 / 16، وَكِفَايَة الطَّالِب الرَّبَّانِيّ لِرِسَالَةِ ابْن أَبِي زَيْد الْقَيْرَوَانِيّ وَحَاشِيَة الْعَدَوِيّ عَلَيْهِ 2 / 395.
(2)
مَعَالِم السُّنَنِ (7 / 231 - بِهَامِشٍ مُخْتَصِرٍ سُنَن أَبِي دَاوُد لِلْمُنْذِرِي.
(3)
الْجَامِع مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ لاِبْن رُشْد ص 268.
(4)
سُورَة هُود / 64.
وَأَمَّا مَنْ لَا يَعْتَدُّ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ فَقَال: إِنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ الْهِجْرَةِ فِي الثَّلَاثِ (1) .
جَاءَ فِي مِرْقَاةِ الْمَفَاتِيحِ: قَال أَكْمَل الدِّينِ مِنْ أَئِمَّتِنَا - أَيِ الْحَنَفِيَّةِ -: فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى حُرْمَةِ هِجْرَانِ الأَْخِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَأَمَّا جَوَازُ هِجْرَانِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَفْهُومٌ مِنْهُ لَا مَنْطُوقٌ، فَمَنْ قَال بِحُجِّيَّةِ الْمَفْهُومِ كَالشَّافِعِيَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقُول بِإِبَاحَتِهِ، وَمَنْ لَا فَلَا (2) .
وَقَدْ حَمَل الْفُقَهَاءُ الْهَجْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ عَلَى مَا كَانَ لِحَظِّ الإِْنْسَانِ، بِأَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فِي عَتَبٍ وَمَوْجِدَةٍ أَوْ لِنَبْوَةٍ تَكُونُ مِنْهُ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي حُقُوقِ الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ، دُونَ مَا كَانَ فِي جَانِبِ الدِّينِ، فَإِنَّ هِجْرَةَ أَهْل الأَْهْوَاءِ وَالْبِدَعِ دَائِمَةٌ عَلَى مَرِّ الأَْوْقَاتِ مَا لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمُ التَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَافَ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ النِّفَاقَ حِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَ بِهِجْرَانِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالْقُعُودِ فِي بُيُوتِهِمْ نَحْوَ خَمْسِينَ يَوْمًا (3) ، إِلَى
(1) النَّوَوِيّ عَلَى مُسْلِمِ 16 / 117، وَالآْدَاب الشَّرْعِيَّة لاِبْن مُفْلِح 1 / 242.
(2)
مِرْقَاة الْمَفَاتِيح 4 / 716، وَانْظُرِ الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِي 7 / 215.
(3)
حَدِيث: " أَمْر رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِجْرَة كَعْب وَأَصْحَابه. . . ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 8 / 114 - 115 ط السَّلَفِيَّة) ، وَمُسْلِم (4 / 2124 ط الْحَلَبِيّ) .
أَنْ أَنْزَل اللَّهُ سبحانه وتعالى تَوْبَتَهُ وَتَوْبَةَ أَصْحَابِهِ، فَعَرَفَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَرَاءَتَهُمْ مِنَ النِّفَاقِ (1) .
وَوَرَدَ أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه خَذَفَ (2)، فَنَهَاهُ وَقَال: إِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْخَذْفِ، فَأَعَادَ. فَقَال عَبْدُ اللَّهِ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ! لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا (3) .
قَال النَّوَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى أَثَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: فِيهِ هِجْرَانُ أَهْل الْبِدَعِ وَالْفُسُوقِ وَمُنَابِذِي السُّنَّةِ مَعَ الْعِلْمِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ هِجْرَانُهُ دَائِمًا، وَالنَّهْيُ عَنِ الْهِجْرَانِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِنَّمَا
(1) الأُْبِّيّ عَلَى مُسْلِم 7 / 16، وَالآْدَاب الشَّرْعِيَّة 1 / 252، وَغِذَاء الأَْلْبَاب للسفاريني 1 / 256، وَمِرْقَاة الْمَفَاتِيح 4 / 716، وَمَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّةَ 28 / 207، وَمَعَالِم السُّنَنِ لِلْخَطَابِيِّ 7 / 231، وَحَاشِيَة الْعَدَوِيّ عَلَى كِفَايَة الطَّالِب الرَّبَّانِيّ 2 / 395.
(2)
الْخَذْف هُوَ رَمْيُك حَصَاة أَوْ نَوَاة تَأْخُذُهَا بَيْنَ سَبَّابَتَيْك وَتَرْمِي بِهَا، أَوْ تَتَّخِذُ مِخْذَفَة مِنْ خَشَبٍ ثُمَّ تَرْمِي بِهَا الْحَصَاةَ (النِّهَايَة لاِبْنِ الأَْثِيرِ 2 / 16) .
(3)
حَدِيث: عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْخَذْفِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 9 / 607 - ط السَّلَفِيَّة) ، وَمُسْلِم (3 / 1548 - ط الْحَلَبِيّ) .