الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأَْوَّل:
أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ لَا تَجُوزُ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ الْوَاهِبُ أَنْ يُبْطِل الشَّرْطَ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَتْ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْل مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَمِثْل قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ.
الثَّانِي:
أَنَّ الْوَاهِبَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ شَرْطَهُ أَوْ يَسْتَرِدَّ هِبَتَهُ وَوَرَثَتَهُ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ أَمْرُهُ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ.
الثَّالِثُ:
أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْهِبَةَ جَائِزَةٌ.
الرَّابِعُ:
أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَبْسًا، فَإِذَا مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ أَوِ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَجَعَ إِلَى الْمُتَصَدِّقِ أَوْ وَرَثَتِهِ أَوْ أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْل مَالِكٍ.
الْخَامِسُ:
أَنَّ الشَّرْطَ عَامِلٌ، وَالْهِبَةُ مَاضِيَةٌ لَازِمَةٌ، فَتَكُونُ الصَّدَقَةُ بَيْنَ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ كَالْحَبْسِ، لَا يَبِيعُ وَلَا يَهَبُ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِذَا مَاتَ وَرِثَ عَنْهُ عَلَى سَبِيل الْمِيرَاثِ، وَهُوَ قَوْل عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَقَوْل مُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ.
قَال الْحَطَّابُ: وَهَذَا الْقَوْل هُوَ أَظْهَرُ الأَْقْوَال وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ؛ لأَِنَّ الرَّجُل لَهُ أَنْ يَفْعَل فِي مِلْكِهِ مَا شَاءَ (1) .
(1) مَوَاهِب الْجَلِيل 6 / 50، وَانْظُرِ الذَّخِيرَة 6 / 164.
الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى:
32 -
يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَوْقِيتَ الْهِبَةِ لَا يَجُوزُ، لَكِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي بَابِ الْهِبَةِ عَنِ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى كَصُورَةٍ مِنْ صُوَرِ تَوْقِيتِ الْهِبَةِ بِالْعُمْرِ أَوْ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ (رُقْبَى ف 4، عُمْرَى ف 6) .
الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ:
33 -
الأَْصْل فِي الْهِبَةِ أَنَّهَا مِنْ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ أَيْ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يُعَوِّضُ الْوَاهِبَ شَيْئًا عَمَّا وَهَبَهُ لَهُ.
إِلَاّ أَنَّهُ لَوْ صَدَرَتِ الْهِبَةُ مِنَ الْوَاهِبِ مُقْتَرِنَةً بِشَرْطِ الْعِوَضِ مُقَابِل الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، كَمَا لَوْ قَال الْوَاهِبُ: وَهَبْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ عَلَى أَنَّ تُثِيبَنِي أَوْ تُعَوِّضَنِي فَهَل يَصِحُّ مِثْل هَذَا الشَّرْطِ؟ لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ قَوْلَانِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ وَهُوَ قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْظْهَرِ.
وَحُجَّتُهُمْ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا (1) .
(1) حَدِيث: " الْوَاهِب أَحَقّ بِهِبَتِهِ. . . ". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ (3 / 44 ط دَارَ الْمَحَاسِن)، وَالْبَيْهَقِيّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى (6 / 181 ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ) وَقَال: فِيهِ إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل ضَعِيف.
الْقَوْل الثَّانِي: لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ وَقَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ.
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ لَفْظَ الْهِبَةِ يُفِيدُ التَّبَرُّعَ فَمِنَ التَّنَاقُضِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا الْعِوَضُ (1) .
وَبِهَذَا الْقَوْل قَال دَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ؛ لأَِنَّ الْهِبَةَ صَارَتْ مِنْ قَبِيل بَيْعِ الْغَرَرِ (2) .
34 -
وَعَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا مُعَيَّنًا كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولاً فَإِنَّ الأَْصَحَّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ الآْخَرُ - أَنَّ الْهِبَةَ تَفْسُدُ وَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَرُدُّهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إِلَى الْوَاهِبِ بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ؛ لأَِنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِ الْوَاهِبِ، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً رَدَّ قِيمَتَهَا.
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ بَيْعٌ يَفْتَقِرُ إِلَى التَّرَاضِي بِسَبَبِ الْجَهَالَةِ.
(1) بَدَائِع الصَّنَائِع 1 / 129 - 130، وَالْخَرَشِيّ 7 / 107، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 4 / 114، وَالْمُهَذَّب 1 / 7، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 2 / 404، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْح 6 / 299، وَكَشَّاف الْقِنَاع 4 / 300، وَالإِْنْصَاف 7 / 117.
(2)
بِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 248.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ فَيَرَوْنَ أَنَّ الْهِبَةَ بَاطِلَةٌ إِذَا كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولاً، لِتَعَذُّرِ صِحَّتِهِ بَيْعًا لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ، وَلِتَعَذُّرِ صِحَّتِهِ هِبَةً لِذِكْرِ الثَّوَابِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَقْتَضِيهِ، وَقِيل: يَصِحُّ هِبَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَقْتَضِيهِ (1)
وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ عِوَضٍ مَجْهُولٍ صَحِيحَةٌ، فَإِذَا أَعْطَاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عِوَضًا رَضِيَهُ، لَزِمَ الْعَقْدُ بِذَلِكَ.
وَلَوْ تَغَيَّرَتِ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ وَلَمْ يُثِبْهُ مِنْهَا، فَقَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَرَى عَلَيْهِ نُقْصَانَ مَا نَقَصَ عِنْدَهُ إِذَا رَدَّهَا إِلَى الْوَاهِبِ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا لَبِسَهُ أَوْ دَابَّةً اسْتَعْمَلَهَا، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ إِذَا نَقَصَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
لَكِنَّ الْمُرْدَاوِيَّ فِي الإِْنْصَافِ أَوْرَدَ أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ عِوَضٍ مَجْهُولٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَْصْحَابِ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَال: يُرْضِيهِ بِشَيْءٍ فَيَصِحُّ، وَذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَال الْحَارِثِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ (2) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ يُرَاعَى
(1) مُغْنِي الْمُحْتَاج 2 / 405، وَالْمُغْنِي مَعَ الشَّرْحِ 6 / 300
(2)
الإِْنْصَاف 7 / 117، وَالْمُغْنِي مَعَ الشَّرْحِ 6 / 299 - 302.