الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، بَل يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَهَا بَعْدَ الإِْحْرَامِ بِالْقِرَانِ، وَبَعْدَ الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي التَّمَتُّعِ، وَيَجُوزُ قَبْل الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّل مِنَ الْعُمْرَةِ فِي الأَْظْهَرِ.
36 -
وَأَمَّا دَمُ الْجِنَايَاتِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ؛ لأَِنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ، فَلَا تَخْتَصُّ بِزَمَانِ النَّحْرِ، بَل يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إِلَى أَيِّ وَقْتٍ آخَرَ، إِلَاّ أَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ كَانَ التَّعَجُّل بِهَا أَوْلَى، لاِرْتِفَاعِ النُّقْصَانِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ الثَّلَاثَةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ وَقْتَ ذَبْحِ دِمَاءِ الْجِنَايَاتِ يَكُونُ مِنْ وَقْتِ فِعْل الْمَحْذُورِ.
37 -
وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ ذَبْحِ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ ذَبْحِ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ هُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ الثَّلَاثَةُ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ
بِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ قِيَاسًا عَلَى الأُْضْحِيَةِ (1) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِنْ فَاتَ الْوَقْتُ قَبْل ذَبْحِ الْهَدْيِ ذَبَحَ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ قَضَاءً؛ لأَِنَّ الذَّبْحَ أَحَدُ مَقْصُودَيِ الْهَدْيِ فَلَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَهَا فِي الْوَقْتِ وَلَمْ يُفَرِّقْهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ (2) .
مَكَانُ ذَبْحِ الْهَدْيِ:
38 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ دِمَاءَ الْهَدْيِ - عَدَا الإِْحْصَارِ - يَخْتَصُّ جَوَازُ إِرَاقَتِهَا بِالْحَرَمِ، وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ شَيْءٍ مِنْهَا خَارِجَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ (3) } وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (4) } ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: نَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ (5) :
(1) تَبْيِين الْحَقَائِقِ 2 / 90، والهداية وَفَتْح الْقَدِير 2 / 323، والمدونة 1 / 487، والدسوقي 2 / 86 - 88، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 516 - 530، وكشاف الْقِنَاع 3 / 9 - 10، والفروع 3 / 545 - 546.
(2)
هِدَايَة السَّالِكِ لاِبْنِ جَمَاعَة 1 / 328، وكشاف الْقِنَاع 3 / 10.
(3)
سُورَةُ الْمَائِدَةِ / 95.
(4)
سُورَةُ الْحَجِّ / 33.
(5)
حَدِيث: (نَحَرَتْ هَهُنَا، وَمِنًى كُلّهَا مَنْحَر. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 893 - ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ جَابِر بْن عَبْد اللَّه.
وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: كُل فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ (1) .
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَكَانَ ذَبْحِ الْهَدَايَا بِمَا فِيهَا دَمُ الْمُحْصَرِ الْحَرَمُ، فَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا إِلَاّ فِي الْحَرَمِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (2) } ، وَلَوْ كَانَ كُل مَوْضِعٍ مَحِلًّا لِلذَّبْحِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْمَحِل فَائِدَةٌ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِ إِرَاقَةِ دَمِ الْمُحْصَرِ فِي الْحَرَمِ أَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ " أُمِرَ الْمُحْصَرُ بِأَنْ يَبْعَثَ هَدْيًا وَيُوَاعِدَ أَصْحَابَهُ مَوْعِدًا، فَإِذَا نَحَرَ عَنْهُ حَل "(3) .
وَلأَِنَّهُ دَمُ تَحَلُّلٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَوَقَّتَ بِالْحَرَمِ قِيَاسًا عَلَى دَمِ الْمُتْعَةِ؛ وَدَمِ الْمُجَامِعِ قَبْل الْوُقُوفِ، وَهَذَا لأَِنَّ الدَّمَ لَا يَخْلُو عَنِ الإِْرَاقَةِ عَلَى سَبِيل الْقُرْبَةِ، وَالْقُرْبَةُ فِي الإِْرَاقَةِ لَا تُعْقَل
(1) حَدِيث: كُل فِجَاج مَكَّة طَرِيق وَمَنْحَر. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (2 / 479 - ط حِمْص) ، والحاكم (1 / 460 - ط دَارَ الْمَعَارِف الْعُثْمَانِيَّة) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
(2)
سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 196.
(3)
أَثَر ابْن مَسْعُود " أَنَّهُ أَمَّرَ الْمَحْصَر بِأَنْ يَبْعَثَ هَدْيًا " أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الآْثَار (2 / 251 - ط مَطْبَعَة الأَْنْوَار الْمُحَمَّدِيَّة) .
قِيَاسًا، وَإِنَّمَا عُقِلَتْ شَرْعًا مُؤَقَّتَةً بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِمَكَانٍ بِعَيْنِهِ وَالزَّمَانُ غَيْرُ مُرَاعًى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مُتَوَقِّتٌ بِالْمَكَانِ، وَمَا هُوَ إِلَاّ الْحَرَمُ؛ لأَِنَّ سَائِرَ دِمَاءِ الْحَجِّ كُلِّهَا قُرْبَةً كَانَتْ أَوْ كَفَّارَةً لَا تَصِحُّ إِلَاّ فِي الْحَرَمِ فَكَذَلِكَ هَذَا (1) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَا وَقَفَهُ بِعَرَفَةَ مِنَ الْهَدْيِ فِي جُزْءٍ مِنَ اللَّيْل لَا يَنْحَرُهُ إِلَاّ فِي مِنًى أَيَّامَ النَّحْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ فَاتَتْ تَعَيَّنَتْ مَكَّةُ أَوْ مَا يَلِيهَا مِنَ الْبُيُوتِ، فَإِنْ ذَبَحَهُ بِمَكَّةَ أَيَّامَ مِنًى جَاهِلاً أَوْ مُتَعَمِّدًا فَرَوَى سَحْنُونٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ مَا لَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ أَوْ وُقِفَ فِي غَيْرِ اللَّيْل فَمَحِلُّهُ مَكَّةُ، وَلَوْ عَطِبَ قَبْل أَنْ يَبْلُغَ مَكَّةَ لَمْ يُجْزِئْهُ لأَِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ، وَلَيْسَتْ مِنًى مَحِلَّهُ (2) .
وَأَفْضَل بِقَاعِ الْحَرَمِ لِلنَّحْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ مِنًى، وَفِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ مَكَّةُ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْهَدَايَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ مِنًى، وَفِي غَيْرِ أَيَّامِ
(1) بَدَائِع الصَّنَائِع 2 / 179، والمناسك لأَِبِي زَيْد الدَّبُّوسِيّ ص 511 - 515، والفتاوى الْهِنْدِيَّة 1 / 261.
(2)
الْمُدَوَّنَة 1 / 386.