الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَال: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُول الأَْشْهَادُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (1) .
د - الْهَمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فِي الْحَرَمِ:
9 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ مُؤَاخَذَةِ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الْهَمُّ بِالْمَعْصِيَةِ عَلَى حُكْمِ مَنْ يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ:
فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ مَنْ يَهْتَمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فِي الْحَرَمِ يُؤَاخَذُ بِهَا وَلَوْ لَمْ يَصِل ذَلِكَ إِلَى دَرَجَةِ التَّصْمِيمِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (2) } . وَلأَِنَّ الْحَرَمَ يَجِبُ اعْتِقَادُ تَعْظِيمِهِ، فَمَنْ هَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ فِيهِ خَالَفَ الْوَاجِبَ بِانْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ، وَلأَِنَّ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الْحَرَمِ بِالْمَعْصِيَةِ تَسْتَلْزِمُ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ اللَّهِ؛ لأَِنَّ تَعْظِيمَ
(1) حَدِيث: حَدِيثُ النَّجْوَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ! (فَتْح الْبَارِي 5 / 96 ط السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (4 / 2125 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) ، وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ.
(2)
سُورَة الْحَجّ / 25.
الْحَرَمِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ، فَصَارَتِ الْمَعْصِيَةُ فِي الْحَرَمِ أَشَدَّ مِنَ الْمَعْصِيَةِ فِي غَيْرِهِ، وَإِنِ اشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي تَرْكِ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَال شِهَابُ الدِّينِ الأَْلُوسِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى إِرَادَةِ ذَلِكَ مُطْلَقًا، فَيُفِيدُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَيِّئَةً فِي مَكَّةَ - وَلَمْ يَعْمَلْهَا - يُحَاسَبُ عَلَى مُجَرَّدِ الإِْرَادَةِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي الْحَجَّاجِ.
وَقَال إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: قُلْتُ لأَِحْمَدَ: هَل وَرَدَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ السَّيِّئَةَ تُكْتَبُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ قَال: لَا، مَا سَمِعْتُ إِلَاّ بِمَكَّةَ لِتَعْظِيمِ الْبَلَدِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْعَفْوَ عَنِ الْهَمِّ بِالْمَعْصِيَةِ وَعَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ عَامَّةٌ فِي النَّاسِ جَمِيعًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ أَمْ فِي غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ لَمْ تُفَرِّقْ لَا فِي الأَْزْمِنَةِ وَلَا فِي الأَْمْكِنَةِ، وَإِنَّمَا عَمَّمَتْ (1)، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ
(1) فَتْح الْبَارِي 11 / 328، 329، وتفسير الْقُرْطُبِيّ 12 / 34، 35، 18 / 224، وتفسير رُوح الْمَعَانِي 9 / 134، وأحكام الْقُرْآن لاِبْنِ الْعَرَبِيِّ 3 / 277