الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعْتِبَارَ لِقَوْلِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَمَل بِالأَْصْل، وَهُوَ صِحَّةُ الْعَقْدِ، أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ؛ لأَِنَّهَا عَارِضٌ لَمْ تُنَوِّرْ دَعْوَى مُدَّعِيهَا بِالْبَيَانِ، فَلَا يَكُونُ الْقَوْل قَوْلَهُ، كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (1) .
وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ أَبَى يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: أَنَّ الْعَقْدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَاسِدٌ، وَالْقَوْل قَوْل مَنْ يَدَّعِي الْمُوَاضَعَةَ؛ لأَِنَّهُمَا قَدْ اعْتَبَرَا أَنَّ الأَْصْل هُوَ الْمُوَاضَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، إِلَاّ أَنْ يُوجَدَ مَا يُنَاقِضُهَا؛ لأَِنَّ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِئَلَاّ يَكُونَ اشْتِغَال الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالْمُوَاضَعَةِ عَبَثًا؛ أَمَّا كَوْنُ الأَْصْل فِي الْعَقْدِ الصِّحَّةَ وَاللُّزُومَ فَإِنَّهُ يُعَارَضُ بِأَنَّ الْمُوَاضَعَةَ سَابِقَةٌ عَلَى الْعَقْدِ، وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ، إِلَاّ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى سَبِيل الْجِدِّ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْمُوَاضَعَةِ، وَالْمُتَأَخِّرُ يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ إِذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُغَيِّرُهُ، كَمَا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا لَازِمًا، وَالْهَزْل بَاطِلٌ (2) .
(1) تَيْسِير التَّحْرِير 2 / 291، وفتح الْغَفَّار 2 / 110، والمبسوط لِلسَّرْخَسِيَ 24 / 123.
(2)
الْمَبْسُوط لِلسَّرْخَسِيَ 24 / 123، وشرح الْمَنَار وَحَوَاشِيه ص 982، والتلويح عَلَى التَّوْضِيحِ 2 / 188.
الصُّورَتَانِ الْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ:
16 -
أَمَّا الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ فَتَكُونُ فِيمَا إِذَا أَعْرَضَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْمُوَاضَعَةِ، وَقَال الآْخَرُ: لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ.
وَأَمَّا الصُّورَةُ السَّادِسَةُ فَتَكُونُ فِيمَا إِذَا بَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ، وَقَال الآْخَرُ: لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ.
وَقَدْ بَيَّنَ الْحَنَفِيَّةُ حُكْمَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، فَقَالُوا: عَلَى أَصْل أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْحُضُورِ كَالإِْعْرَاضِ، عَمَلاً بِالْعَقْدِ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لأَِنَّ الصِّحَّةَ هِيَ الأَْصْل فِي الْعُقُودِ عِنْدَهُ مَا لَمْ يُوجَدْ مُغَيِّرٌ.
وَعَلَى أَصْل الصَّاحِبَيْنِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْبِنَاءِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ تَرْجِيحًا لِلْمُوَاضَعَةِ بِالْعَادَةِ وَالسَّبْقِ، فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّورَتَيْنِ، وَهَذَا الْحُكْمُ مَأْخُوذٌ مِنْ صُورَةِ اتِّفَاقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى أَنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ الإِْعْرَاضِ، وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ (1)(وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا) .
(1) التَّلْوِيح 2 / 188، وفتح الْغَفَّار بِشَرْح الْمَنَار 2 / 110.