الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب - أَنْ يَقْصِدَ النَّاسُ مُدَايَنَةَ الْوَلَدِ أَوْ تَزْوِيجَهُ لأَِجْل الْهِبَةِ، لِكَوْنِهِ أَصْبَحَ بِالْهِبَةِ مُوسِرًا، فَمَنْ عَقَدَ زَوَاجَ الذَّكَرِ أَوِ الأُْنْثَى لأَِجْل يُسْرِهِمَا بِالْهِبَةِ أَوْ أَعْطَى أَحَدَهُمَا دَيْنًا لأَِجْل ذَلِكَ، أَوِ اشْتَرَيَا شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلأَْبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الزَّوَاجُ وَالْمُدَايَنَةُ لأَِمْرٍ غَيْرِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ.
ج - أَنْ يَمْرَضَ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَرَضَ الْمَوْتِ؛ وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ وَرَثَتِهِ بِالْهِبَةِ، فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا مَرِضَ الْوَاهِبُ ذَلِكَ الْمَرَضَ، فَإِنَّ مَرَضَهُ هَذَا يَمْنَعُهُ مِنَ الرُّجُوعِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ؛ لأَِنَّ رُجُوعَهُ يَكُونُ لِغَيْرِهِ، أَيْ يَمُوتُ فَتَكُونُ الْهِبَةُ الَّتِي رَجَعَ فِيهَا لِغَيْرِ الْوَلَدِ، كَزَوْجَةِ الأَْبِ مَثَلاً، أَمَّا إِذَا وَهَبَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ الْمُتَزَوِّجَ أَوِ الْمَدِينَ أَوِ الْمَرِيضَ، أَوْ كَانَ الْوَالِدُ مَرِيضًا وَقْتَ الْهِبَةِ - فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ.
د - أَنْ تَفُوتَ الْهِبَةُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِمَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ تَفُوتَ بِصِفَةٍ فِيهَا مِمَّا يُغَيِّرُهَا عَنْ حَالِهَا كَجَعْل الدَّنَانِيرِ حُلِيًّا (1) .
(1) بِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 248، وَالْقَوَانِين الْفِقْهِيَّة ص 315، وَالْخَرَشِيّ 7 / 114، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 4 / 110، وَمَنْح الْجَلِيل 4 / 104.
ثَالِثًا: مَوَانِعُ الرُّجُوعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا أَجَازُوا الرُّجُوعَ فِيهِ:
42 -
يُمْنَعُ الرُّجُوعُ لِلأَْبِ وَسَائِرِ الأُْصُول عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا خَرَجَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ عَنْ سَلْطَنَةِ الْوَلَدِ.
وَيَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ كُلِّهِ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ هِبَتِهِ لآِخَرَ مَعَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ.
أَمَّا غَصْبُ الْمَوْهُوبِ أَوْ رَهْنُهُ أَوْ هِبَتُهُ قَبْل الْقَبْضِ أَوْ إِجَارَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَكُل ذَلِكَ لَا يُزِيل سَلْطَنَةَ الْوَلَدِ، فَيَجُوزُ لِلأَْبِ الرُّجُوعُ.
وَلَوْ بَاعَ الْوَلَدُ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ لَهُ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِشِرَاءٍ أَوْ إِرْثٍ لَمْ يَكُنْ لِلأَْبِ الرُّجُوعُ فِي الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّ عَوْدَ السَّلْطَنَةِ هُنَا كَانَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ.
وَلَا تَمْنَعُ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الرُّجُوعَ، أَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فَهِيَ لِلْوَلَدِ؛ وَلأَِنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَيَرْجِعُ الْوَالِدُ بِالشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ (1)
رَابِعًا: مَوَانِعُ الرُّجُوعِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِيمَا أَجَازُوا الرُّجُوعَ فِيهِ:
43 -
أ - إِذَا خَرَجَ الْمَوْهُوبُ عَنْ مِلْكِ
(1) الْمُهَذَّب 1 / 447، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 2 / 402، وَحَاشِيَة البجيرمي 3 / 219
الْمَوْهُوبِ لَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ؛ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ إِرْثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لِلْوَالِدِ الرُّجُوعُ؛ لأَِنَّهُ إِبْطَالٌ لِمِلْكِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ لَمْ يَمْلِكِ الأَْبُ الرُّجُوعَ.
أَمَّا إِنْ عَادَ إِلَيْهِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ لِعَيْبٍ أَوْ إِقَالَةٍ أَوْ فَلَسِ الْمُشْتَرِي، فَفِي جَوَازِ رُجُوعِ الأَْبِ وَجْهَانِ: الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ.
ب - عَدَمُ بَقَاءِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ فِي تَصَرُّفِ الْوَلَدِ بِحَيْثُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهِ، فَإِنْ رَهَنَهُ أَوْ أَفْلَسَ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ، لَمْ يَمْلِكِ الأَْبُ الرُّجُوعَ فِيهِ؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ إِبْطَالاً لِحَقِّ غَيْرِ الْوَلَدِ، فَإِذَا زَال الْمَانِعُ مِنَ التَّصَرُّفِ جَازَ الرُّجُوعُ.
ج - إِذَا تَعَلَّقَ بِالشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ رَغْبَةً لِغَيْرِ الْوَلَدِ، مِثْل أَنْ يَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ شَيْئًا، فَيَرْغَبُ النَّاسُ فِي مُعَامَلَتِهِ وَمُدَايَنَتِهِ، أَوْ رَغِبُوا فِي تَزْوِيجِهِ فَزَوَّجُوهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَعَنْ أَحْمَدَ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ رِوَايَتَانِ:
الأُْولَى: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لأَِنَّهُ غَرَّ النَّاسَ بِمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ حَتَّى وَثِقُوا بِهِ، فَأَقْدَمُوا عَلَى مُدَايَنَتِهِ أَوْ تَزْوِيجِهِ، فَإِذَا رَجَعَ كَانَ ذَلِكَ إِضْرَارًا بِهِمْ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، (1)
(1) حَدِيث: " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ. أَخْرَجَهُ ابْن مَاجَهْ (2 / 784 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ عِبَادَة بْن الصَّامِتِ، وَابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، وَأَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ (1 / 313 ط الميمنية)، وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرِكِ (2 / 57 - 58 ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ) وَقَال: صَحِيح.
وَلأَِنَّ فِي هَذَا الصَّنِيعِ تَحَايُلاً عَلَى إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
الثَّانِيَةُ: لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي رُجُوعِ الأَْبِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ، وَلأَِنَّ حَقَّ الدَّائِنِ وَالْمُتَزَوِّجِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنَ الرُّجُوعِ.
د - إِذَا زَادَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَتَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ، فَإِنْ زَادَتْ فَعَنْ أَحْمَدَ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ رِوَايَتَانِ:
الأُْولَى: يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ؛ لأَِنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِكَوْنِهَا نَمَاءَ مِلْكِهِ، وَلَمْ تَنْتَقِل إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ وَالِدِهِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِيهَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِي الأَْصْل أَيْضًا.
الثَّانِيَةُ: لَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ؛ لأَِنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ فَلَمْ تَمْنَعِ الرُّجُوعَ كَالزِّيَادَةِ قَبْل الْقَبْضِ وَكَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ (1)
هـ - وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ
(1) الْمُغْنِي وَالشَّرْح الْكَبِير 6 / 276، وَكَشَّاف الْقِنَاع 4 / 314، وَقَوَاعِد ابْن رَجَب ق 32.