الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَعَوَّضَهُ الصَّدَقَةَ مِنَ الْهِبَةِ كَانَتِ الصَّدَقَةُ عِوَضًا بِالإِْجْمَاعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافِ الأَْصْلَيْنِ؛ أَصْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَصِحَّتُهُ عِوَضًا ظَاهِرٌ، وَأَصْل أَبِي يُوسُفَ؛ لأَِنَّ الصَّدَقَةَ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا.
ثَالِثًا:
سَلَامَةُ الْعِوَضِ لِلْوَاهِبِ: وَيُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا، فَإِنْ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَكُنْ عِوَضًا، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ؛ لأَِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ التَّعْوِيضَ لَمْ يَصِحَّ بَعْدَ ظُهُورِ اسْتِحْقَاقِهِ.
وَعَلَيْهِ فَإِنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ إِذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَهْلَكْ وَلَمْ يَزْدَدْ خَيْرًا وَلَمْ يَحْدُثْ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ.
فَإِنْ كَانَ قَدْ هَلَكَ أَوِ اسْتَهْلَكَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ.
وَإِنِ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْعِوَضِ وَبَقِيَ الْبَعْضُ، فَإِنَّ الْبَاقِيَ يَكُونُ عِوَضًا عَنْ كُل الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ مِنَ الْعِوَضِ، وَيَرْجِعُ فِي كُل الْمَوْهُوبِ إِنْ كَانَ قَائِمًا بِيَدِهِ وَلَمْ يُحْدُثْ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ.
وَحُجَّتُهُمْ: أَنَّ الْبَاقِيَ يَصْلُحُ عِوَضًا عَنْ كُل الْهِبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَوِّضْهُ إِلَاّ بِهِ فِي الاِبْتِدَاءِ كَانَ عِوَضًا مَانِعًا عَنِ الرُّجُوعِ فَكَذَا فِي
الاِنْتِهَاءِ، بَل أَوْلَى لأَِنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَل، إِلَاّ أَنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ؛ لأَِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ قَدْ غَرَّهُ حَيْثُ عَوَّضَهُ لإِِسْقَاطِ الرُّجُوعِ بِشَيْءٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ.
وَقَال زُفَرُ: يَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ بِقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ مِنَ الْعِوَضِ؛ لأَِنَّ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ثَبَتَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا، فَكَمَا أَنَّ الثَّانِيَ عِوَضٌ عَنِ الأَْوَّل، فَكَذَا الأَْوَّل يَصِيرُ عِوَضًا عَنِ الثَّانِي. ثُمَّ لَوِ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْهِبَةِ الأُْولَى كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْعِوَضِ، فَكَذَا إِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْعِوَضِ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ تَحْقِيقًا لِلْمُعَاوَضَةِ (1) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ: عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَهَبَ الْوَاهِبُ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ فَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ؛ إِذْ لَا تَقْتَضِيهِ لَفْظًا وَلَا عَادَةً، وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِهَذَا هِبَةَ الأَْهْل وَالأَْقَارِبِ؛ لأَِنَّ الْقَصْدَ هُوَ الصِّلَةُ، وَهِبَةَ الْعَدُوِّ؛ لأَِنَّ الْقَصْدَ التَّآلُفُ، وَهِبَةَ الْغَنِيِّ لِلْفَقِيرِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ نَفْعُهُ، وَالْهِبَةَ لِلْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ؛ لأَِنَّ الْقَصْدَ الْقُرْبَةُ وَالتَّبَرُّكُ، وَهِبَةَ الْمُكَلَّفِ لِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الاِعْتِيَاضِ عَنْهُ، وَالْهِبَةَ لِلأَْصْدِقَاءِ وَالإِْخْوَانِ؛ لأَِنَّ الْقَصْدَ تَأَكُّدُ الْمَوَدَّةِ، وَالْهِبَةَ لِمَنْ أَعَانَ بِجَاهِهِ أَوْ مَالِهِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مُكَافَأَتُهُ.
(1) الْمَبْسُوط 12 / 76، 82، وَالْبَدَائِع 6 / 132.
أَمَّا إِنْ وَهَبَ الْوَاهِبُ لِمَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ كَهِبَةِ الْغُلَامِ لأُِسْتَاذِهِ، فَلَا عِوَضَ فِي الأَْظْهَرِ، وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ: يَجِبُ الثَّوَابُ؛ لاِطِّرَادِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ.
وَإِنْ وَهَبَ لِنَظِيرِهِ فَلَا عِوَضَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَقْطُوعِ بِهِ؛ لأَِنَّ الْقَصْدَ مِنْ مِثْلِهِ الصِّلَةُ وَتَأَكُّدُ الصَّدَاقَةِ، وَقِيل: فِيهَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ.
وَحَيْثُ وَجَبَ الْعِوَضُ عَلَى مُقَابِل الأَْظْهَرِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ الْمَوْهُوبِ أَيْ قَدْرُهُ عَلَى الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّ الْعَقْدَ إِذَا اقْتَضَى الْعِوَضَ وَلَمْ يُسَمَّ فِيهِ شَيْءٌ، تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ، وَالاِعْتِبَارُ بِقِيمَةِ وَقْتِ الْقَبْضِ لَا وَقْتِ الْعِوَضِ.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: يَلْزَمُهُ مَا يُعَدُّ عِوَضًا لِمِثْلِهِ عَادَةً، فَإِنْ لَمْ يُثِبْهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي الْمَوْهُوبِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبِبَدَلِهِ إِنْ تَلَفَ.
وَلَوْ تَنَازَعَ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ فِي وُجُودِ الْعِوَضِ فَإِنَّ الْقَوْل قَوْل الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لأَِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَالأَْصْل عَدَمُ ذِكْرِ الْبَدَل (1) .
الْقَوْل الثَّانِي: يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وُجُوبَ الْعِوَضِ إِذَا دَل الْعُرْفُ وَحَال
(1) الْمُهَذَّب 1 / 447، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 2 / 404 - 405، وَحَاشِيَة البجيرمي 3 / 221.
الْوَاهِبِ عَلَيْهِ (1) .
وَيُفَرِّعُ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ هَذَا: أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ فِي وُجُوبِ الثَّوَابِ فَإِنَّ الْقَوْل قَوْل الْوَاهِبِ إِنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ.
أَمَّا إِنْ شَهِدَ الْعُرْفُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِأَنْ كَانَ مِثْل الْوَاهِبِ لَا يَطْلُبُ فِي هِبَتِهِ عِوَضًا، فَإِنَّ الْقَوْل حِينَئِذٍ قَوْل الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَفِي طَلَبِ حَلْفِ الْوَاهِبِ مَعَ تَصْدِيقِهِ قَوْلَانِ.
وَمِنْ تَفْرِيعَاتِ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا طَلَبَ الْعِوَضَ وَلَمْ تَكُنْ هِبَتُهُ مَدْفُوعَةً لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا إِلْزَامَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي دَفْعِ الْعِوَضِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ مَدْفُوعَةً، فَدَفَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعِوَضَ فَعَلَى الْوَاهِبِ قَبُولُهُ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ دَفْعُ الْعِوَضِ؛ لأَِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْهِبَةَ وَيَرْفُضَ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ، اللَّهُمَّ إِلَاّ أَنْ يُفَوِّتَ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ بِيَدِهِ بِزِيَادَةٍ، كَمَا لَوْ سَمَّنَ الْهَزِيل، أَوْ بِنَقْصٍ كَمَا لَوْ هَرِمَ الْكَبِيرُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ حِينَئِذٍ الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَعَلَى الْوَاهِبِ قَبُول الْقِيمَةِ (2) .
(1) بِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 248، وَالْخَرَشِيّ 7 / 118، وَالإِْنْصَاف 7 / 116.
(2)
الْخَرَشِيّ 7 / 114.