الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسَيَأْتِي بَيَانُ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ النِّيَّةِ فِي كُل عِبَادَةٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي مَوْطِنِهِ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ.
فَضِيلَةُ النِّيَّةِ:
8 -
النِّيَّةُ هِيَ مَحَطُّ نَظَرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْعَبْدِ، قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ (1) ، وَإِنَّمَا نَظَرَ إِلَى الْقُلُوبِ لأَِنَّهَا مَظِنَّةُ النِّيَّةِ، وَهَذَا هُوَ سِرُّ اهْتِمَامِ الشَّارِعِ بِالنِّيَّةِ فَأَنَاطَ قَبُول الْعَمَل وَرَدَّهُ وَتَرْتِيبَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بِالنِّيَّةِ (2)، وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - قَال الْغَزَالِيُّ (3) : إِنَّ الْمَرْءَ يُشْرِكُ فِي مَحَاسِنِ الْعَمَل وَمَسَاوِيهِ بِالنِّيَّةِ، وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: لَمَّا خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَال: " إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَاّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ (4)، وَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: سَمِعْتُ
(1) حديث: " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم. . . ". أخرجه مسلم (4 / 1987 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2)
إحياء علوم الدين 4 / 351.
(3)
إحياء علوم الدين 4 / 362 - 365.
(4)
حديث: " إن بالمدينة أقواما. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 127 - ط السلفية) .
رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِل وَالْمَقْتُول فِي النَّارِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ هَذَا الْقَاتِل فَمَا بَال الْمَقْتُول؟ قَال: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْل صَاحِبِهِ (1) .
ب - إِنَّ الْهَمَّ بِفِعْل الْحَسَنَةِ حَسَنَةٌ فِي ذَاتِهِ، يَدُل عَلَى ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ (2) ، فَالنِّيَّةُ فِي نَفْسِهَا خَيْرٌ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَل بِعَائِقٍ (3) .
وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ عَنِ الْجَمَاعَةِ لِعُذْرٍ مِنْ أَعْذَارِهَا - إِذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ حُضُورَهَا لَوْلَا الْعُذْرُ - يَحْصُل لَهُ ثَوَابُهَا (4) .
ج - إِنَّ النِّيَّةَ تُعَظِّمُ الْعَمَل وَتُصَغِّرُهُ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: رُبَّ عَمَلٍ صَغِيرٍ تُعَظِّمُهُ النِّيَّةُ، وَرُبَّ عَمَلٍ كَبِيرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّةُ (5) ، لِقَوْل
(1) حديث أبي بكرة: " إذا التقى المسلمان بسيفيهما. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 85 - ط السلفية) ، ومسلم (4 / 2213 - 2214 - ط الحلبي) .
(2)
حديث: " من هم بحسنة فلم يعملها. . . ". أخرجه مسلم (1 / 118 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(3)
الإحياء 4 / 352.
(4)
الأشباه للسيوطي ص 47.
(5)
الإحياء 4 / 353.
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ (1) .
د - إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِينُ الْعَبْدَ وَيُوَفِّقُهُ لِلْعَمَل عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، فَقَدْ كَتَبَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: اعْلَمْ أَنَّ عَوْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ، فَمَنْ تَمَّتْ نِيَّتُهُ تَمَّ عَوْنُ اللَّهِ لَهُ، وَإِنْ نَقَصَتْ نَقَصَ بِقَدْرِهِ (2) .
هـ - قَال الْغَزَالِيُّ: عِمَادُ الأَْعْمَال النِّيَّاتُ، قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ (3) ، فَالْمَرْءُ يُتَقَبَّل مِنْهُ عَمَلُهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ أَوْ يُرَدُّ عَمَلُهُ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ نِيَّتِهِ (4) .
كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى صَدَاقٍ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يُؤَدِّيَهُ إِلَيْهَا فَهُوَ زَانٍ، وَمَنِ ادَّانَ دَيْنًا وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يُؤَدِّيَهُ إِلَى صَاحِبِهِ - أَحْسَبُهُ قَال -: فَهُوَ سَارِقٌ (5) .
(1) حديث: " نية المؤمن خير من عمله ". أخرجه الطبراني في الكبير (6 / 185 - 186 - ط العراق) من حديث سهل بن سعد، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 61 - ط القدسي) ، وذكر أن فيه راويا لم ير من ترجمه.
(2)
الإحياء 4 / 353.
(3)
حديث: " إنما الأعمال بالنيات. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 9 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1515 - ط الحلبي) من حديث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
(4)
الإحياء 4 / 362.
(5)
حديث أبي هريرة: " من تزوج امرأة على صداق. . . ". أخرجه البزار كما في كشف الأستار (2 / 163 - ط الرسالة) ، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب (2 / 586 - دار ابن كثير) وأشار إلى تضعيفه.
ز - إِنَّ النِّيَّةَ تَقْلِبُ الْمُبَاحَاتِ إِلَى وَاجِبَاتٍ وَمَنْدُوبَاتٍ لِيَنَال النَّاوِي عَلَيْهَا الثَّوَابَ بِنِيَّتِهِ.
وَمِثَال ذَلِكَ أَنَّ لُبْسَ الثِّيَابِ هُوَ مُبَاحٌ، فَإِذَا أَرَادَ الشَّخْصُ أَنْ يُحَوِّل هَذَا الْمُبَاحَ إِلَى وَاجِبٍ نَوَى بِلُبْسِهِ الثِّيَابَ سَتْرَ الْعَوْرَةِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ. فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا يُتَزَيَّنُ بِهِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ إِلَى نِيَّةِ الْوَاجِبِ امْتِثَال السُّنَّةِ فِي إِظْهَارِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ (1) ، فَيَنْوِي بِذَلِكَ مُبَادَرَتَهُ إِلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا لَا يُتَزَيَّنُ بِهِ فَيَنْوِي بِلُبْسِهِ التَّوَاضُعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالاِنْكِسَارَ وَالتَّذَلُّل بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِظْهَارَ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ إِلَيْهِ، وَامْتِثَال السُّنَّةِ (2) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ - وَهُوَ يُقْدِرُ عَلَيْهِ - دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَل الإِْيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا (3) .
(1) حديث: " إن الله يحب أن يرى ". أخرجه الترمذي (4 / 122 - الحلبي) من حديث عبد الله بن عمرو، وقال: حديث حسن.
(2)
المدخل لابن الحاج 1 / 23 - 24.
(3)
حديث: " من ترك اللباس تواضعا لله. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 650 - ط الحلبي) من حديث معاذ بن أنس، وقال: حديث حسن.