الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَوَاجِبٍ مُخَيَّرٍ (1) .
فَالْمُعَيَّنُ: مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ بِعَيْنِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَأُجْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُكَلَّفِ إِلَاّ بِأَدَائِهِ.
وَالْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ: مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِيهِ وَاحِدًا مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ، كَإِحْدَى خِصَال الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَى مَنْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، أَوْ يَكْسُوَهُمْ أَوْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَيْ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الأُْمُورِ الثَّلَاثَةِ، فَأَيُّمَا فَعَل مِنْهَا سَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ (2) .
(ر: كَفَّارَة ف 84)
الْوَاجِبُ فِي الْخِصَال الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا:
9 -
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوَاجِبِ مِنَ الْخِصَال الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا بَعْدَ اتِّفَاقِ جُمْهُورِهِمْ عَلَى جَوَازِ إِيجَابِ شَيْءٍ مُبْهَمٍ.
فَقَال فَرِيقٌ مِنْهُمْ: إِنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ، وَأَيُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَتَى بِهِ سَقَطَ بِهِ الْوُجُوبُ، لَا أَنَّهُ الْوَاجِبُ بَل لاِشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ، وَلَا
(1) رَوْضَة النَّاظِر 1 / 156 وَمَا بَعْدَهَا، والمستصفي 1 / 47.
(2)
مُغْنِي الْمُحْتَاج 4 / 327، وشرح الْمَحَلِّيّ عَلَى الْمِنْهَاجِ 4 / 274، ورد الْمُحْتَار 3 / 60 - 61، والمغني 8 / 734، والشرح الصَّغِير 2 / 1 1 2، وحاشية الشَّيْخ زَادَهُ عَلَى تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ 2 / 131.
يُوصَفُ الْجَمِيعُ بِالْوَاجِبِ.
وَقَال آخَرُونَ: إِنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْكُل عَلَى التَّخْيِيرِ وَالْبَدَل.
وَقَال جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّ الْوَاجِبَ مِنْهَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ، وَالْوَاجِبُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ مَا يَفْعَلُهُ، وَبِفِعْلِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ الْوَاجِبُ بِعِلْمِ اللَّهِ، وَعَلَيْهِ يَخْتَلِفُ الْوَاجِبُ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُكَلَّفِينَ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا جَمِيعًا فَالْوَاجِبُ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ كَالصَّوْمِ فِي كَفَّارَاتِ الْيَمِينِ.
وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الإِْتْيَانُ بِكُلٍّ مِنَ الأُْمُورِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا جَمِيعًا، إِذَا أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْهُ وَخَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ.
فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ فَذَاكَ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ (1) .
ج ـ -
الْوَاجِبُ الْمُؤَقَّتُ وَغَيْرُ الْمُؤَقَّتِ:
10 -
يَنْقَسِمُ الْوَاجِبُ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ الْمَضْرُوبِ لِفِعْلِهِ فِيهِ إِلَى: مُؤَقَّتٍ، وَغَيْرِ مُؤَقَّتٍ. وَالْمُؤَقَّتُ إِلَى: مُضَيَّقٍ، وَمُوَسَّعٍ.
(1) حَاشِيَة الشَّيْخِ زَادَهُ عَلَى تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ 2 / 131، والبحر الْمُحِيط 1 / 186.
وَذَلِكَ: لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ لأَِدَاءِ الْوَاجِبِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَهُوَ مُؤَقَّتٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لأَِدَائِهِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَهُوَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ، وَالْمُكَلَّفُ فِي سَعَةٍ مِنْ أَدَائِهِ يُؤَدِّيهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، حَتَّى يَصِل إِلَى وَقْتٍ يَظُنُّ فَوْتَهُ بَعْدَهُ، أَوْ مَوْتَهُ (1) .
أَمَّا الْوَاجِبُ الْمُؤَقَّتُ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ الْمُقَدَّرُ لأَِدَائِهِ لَا يُفَضَّل عَنْ فِعْل الْوَاجِبِ - وَيُسَمَّى مُضَيَّقًا - وَلَا نِزَاعَ فِي وُجُوبِ شُرُوعِهِ مِنْ أَوَّل الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا، مَا دَامَ مَضِيقًا لَا يَزِيدُ عَنْ فِعْل الْوَاجِبِ.
وَإِمَّا أَنْ يُفَضَّل عَنِ الْوَاجِبِ فَيَسَعُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ.
وَفِي هَذِهِ الْحَال اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ يَجِبُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ، إِلَى أَنَّ وَقْتَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ هُوَ جَمِيعُ الْوَقْتِ، أَيِ الإِْيجَابُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ يَقْتَضِي إِيقَاعَ الْفِعْل فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ وَقْتِهِ يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُوقِعَ الْفِعْل فِي أَوَّل الْوَقْتِ، أَوْ فِي وَسَطِهِ، أَوْ فِي آخِرِهِ، هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ فُقَهَاءَ وَأُصُولِيِّينَ.
(1) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 208 وَمَا بَعْدَهَا.
وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُوَسَّعًا: أَنَّ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاجِبِ أَوَّل وَقْتِهِ أَوْ وَسَطَهُ إِلَى أَنْ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ لِفِعْل الْوَاجِبِ فَيَكُونُ مُضَيَّقًا.
فَالْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ، وَالْمُوَسَّعُ وَالْكِفَائِيُّ، كُلُّهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِ أُمُورٍ: فَفِي الْمُخَيَّرِ بِأَحَدِ الْخِصَال، وَفِي الْمُوَسَّعِ بِأَحَدِ الأَْزْمَانِ الْكَامِنَةِ بَيْنَ أَطْرَافِ الْوَقْتِ، وَفِي الْكِفَائِيِّ بِأَحَدِ طَوَائِفِ الْمُكَلَّفِينَ. وَمَتَى تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِقَدْرٍ مُشْتَرَكٍ كَفَى فِيهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ، لَا يَتَعَيَّنُ الإِْخْلَال بِهِ إِلَاّ بِتَرْكِ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ (1) .
وَعَلَى هَذَا، فَإِنَّ الْوَقْتَ كُلَّهُ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ ظَرْفٌ لِلْوَاجِبِ؛ لِتَحَقُّقِ الْمُشْتَرَكِ فِي جُمْلَةِ أَجْزَائِهِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ، وَلَكِنْ قَالُوا: إِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَ أَدَاءَهُ مِنْ أَوَّل الْوَقْتِ لَزِمَ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ؛ لأَِنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الأَْمْرُ وَلَمْ يَفْعَل وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْل، فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنِ الأَْمْرِ بِالضَّرُورَةِ، وَالْمُعْرِضُ عَاصٍ (2) .
(1) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 208 وَمَا بَعْدَهَا، وشرح مُخْتَصَر رَوْضَة النَّاظِر لِلنَّجْمِ الطُّوفِيّ 1 / 332 - 333.
(2)
فَتْح الْعَزِيز شَرْح الْوَجِيز 3 / 40 - 41، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 125، وفواتح الرَّحَمُوت عَلَى هَامِشِ الْمُسْتَصْفِي 1 / 69، والذخيرة 2 / 22 - 23، وروضة النَّاظِر بِشَرْحِ ابْن بَدْرَان 1 / 99 وَمَا بَعْدَهَا، وكشاف الْقِنَاع 1 / 259.