الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ الْهِجْرَةَ هِجْرَتَانِ:
الأُْولَى: هِجْرَةٌ بِالْجِسْمِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَهَذِهِ أَحْكَامُهَا مَعْلُومَةٌ.
الثَّانِيَةُ: الْهِجْرَةُ بِالْقَلْبِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهِيَ هِجْرَةٌ تَتَضَمَّنُ (مِنْ) وَ (إِلَى) ، فَيُهَاجِرُ بِقَلْبِهِ مِنْ مَحَبَّةِ غَيْرِ اللَّهِ إِلَى مَحَبَّتِهِ، وَمِنْ عُبُودِيَّةِ غَيْرِهِ إِلَى عُبُودِيَّتِهِ، وَمِنْ خَوْفِ غَيْرِهِ وَرَجَائِهِ وَالتَّوَكُّل عَلَيْهِ إِلَى خَوْفِ اللَّهِ وَرَجَائِهِ وَالتَّوَكُّل عَلَيْهِ، وَمِنْ دُعَاءِ غَيْرِهِ وَسُؤَالِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ وَالذُّل وَالاِسْتِكَانَةِ لَهُ إِلَى دُعَائِهِ وَسُؤَالِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ وَالذُّل وَالاِسْتِكَانَةِ لَهُ (1) .
ثُمَّ تَعَرَّضَ لِحَال الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُهَاجِرِ إِلَى رَبِّهِ فَقَال: وَلَهُ فِي كُل وَقْتٍ هِجْرَتَانِ: هِجْرَةٌ إِلَى اللَّهِ بِالطَّلَبِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالتَّوَكُّل وَالإِْنَابَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيضِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالإِْقْبَال عَلَيْهِ وَصِدْقِ الْمَلْجَأِ وَالاِفْتِقَارِ فِي كُل نَفْسٍ إِلَيْهِ. وَهِجْرَةٌ إِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَرَكَاتِهِ، وَسَكَنَاتِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، بِحَيْثُ تَكُونُ مُوَافِقَةً لِشَرْعِهِ الَّذِي هُوَ تَفْصِيل مَحَابِّ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ، وَلَا يَقْبَل اللَّهُ مِنْ أَحَدِ دِينًا سِوَاهُ، وَكُل عَمَلٍ سِوَاهُ، فَعَيْشُ النَّفْسِ وَحَظُّهَا لَا زَادَ الْمَعَادِ (2) .
(1) الرِّسَالَة التبوكية لاِبْن الْقَيِّمِ ص 24، 25
(2)
طَرِيق الْهِجْرَتَيْنِ لاِبْن الْقَيِّمِ ص 7
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْهِجْرَةِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْهِجْرَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
هِجْرَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَسَاسُ التَّارِيخِ الْهِجْرِيِّ:
5 -
التَّارِيخُ الْهِجْرِيِّ: هُوَ تَعْرِيفُ الْوَقْتِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَوَّل الْعَامِ الَّذِي هَاجَرَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ. جَاءَ فِي " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ ": سَبَبُ وَضْعِ التَّارِيخِ أَوَّل الإِْسْلَامِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أُتِيَ بِصَكٍّ مَكْتُوبٍ إِلَى شَعْبَانَ، فَقَال: أَهُوَ شَعْبَانُ الْمَاضِي أَمْ شَعْبَانُ الْقَابِل؟ ثُمَّ أَمَرَ بِوَضْعِ التَّارِيخِ، وَاتَّفَقَتِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم عَلَى ابْتِدَاءِ التَّارِيخِ مِنْ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، وَجَعَلُوا أَوَّل السَّنَةِ الْمُحَرَّمَ (1) . وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَال: كَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ أَنَّهُ تَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكَ كُتُبٌ لَيْسَ لَهَا تَأْرِيخٌ فَأَرِّخْ. فَاسْتَشَارَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ، فَقَال بَعْضُ الصَّحَابَةِ: أَرِّخْ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَال بَعْضُهُمْ: بِوَفَاتِهِ. فَقَال عُمَرُ: لَا، بَل نُؤَرِّخُ بِمُهَاجَرِهِ؛ فَإِنَّ مُهَاجَرَهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِل، فَأُرِّخَ بِهِ (2) .
(1) الْعُقُود الدُّرِّيَّة فِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الحامدية لاِبْنِ عَابِدِينَ 2 / 335 ط بُولَاق
(2)
الشَّمَارِيخ فِي عِلْمِ التَّارِيخِ لِلسُّيُوطِيَ ص 23