الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَغْلَظُ مِنْهَا فِي حُقُوقِ الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ، فَيَلْزَمُهُمْ فِي حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ الْقَبِيحِ مِنَ الْقَوْل وَالْفِعْل وَيَبْذُلُوا لَهُمُ الْجَمِيل فِي الْقَوْل وَالْفِعْل، وَلَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ الْقَبِيحِ فِي الْقَوْل وَالْفِعْل.
وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْذُلُوا لَهُمُ الْجَمِيل فِي الْقَوْل وَالْفِعْل لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (1) } ، فَإِنْ عَدَل الْكُفَّارُ الْمُهَادِنُونَ عَنِ الْجَمِيل فِي الْقَوْل وَالْفِعْل، فَكَانُوا يُكْرِمُونَ الْمُسْلِمِينَ فَصَارُوا يَسْتَهِينُونَ بِهِمْ، وَكَانُوا يُضَيِّفُونَ الرُّسُل وَيَصِلُونَهُمْ فَصَارُوا يَقْطَعُونَهُمْ، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ كِتَابَ الإِْمَامِ فَصَارُوا يَطْرَحُونَهُ، وَكَانُوا يَزِيدُونَهُ فِي الْخِطَابِ فَصَارُوا يَنْقُصُونَهُ، فَهَذِهِ رِيبَةٌ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ شَكَّيْنِ؛ لأَِنَّهَا تَحْتَمِل أَنْ يُرِيدُوا بِهَا نَقْضَ الْهُدْنَةِ، وَتَحْتَمِل أَنْ لَا يُرِيدُوا بِهَا نَقْضَهَا، فَيَسْأَلُهُمُ الإِْمَامُ عَنْهَا وَعَنِ السَّبَبِ فِيهَا، فَإِنْ ذَكَرُوا عُذْرًا يَجُوزُ مِثْلُهُ قَبِلَهُ مِنْهُمْ وَكَانُوا عَلَى هُدْنَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا عُذْرًا أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى عَادَتِهِمْ مِنَ الْمُجَامَلَةِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَإِنْ عَادُوا أَقَامَ عَلَى هُدْنَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَعُودُوا نَقَضَهَا بَعْدَ إِعْلَامِهِمْ بِنَقْضِهَا (2) .
(1) سُورَة الصَّفِّ / 9.
(2)
الْحَاوِي للمارودي 18 / 444.
ذِكْرُهُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِسُوءٍ:
24 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ هَذَا السَّبِّ عَلَى عَقْدِ الْهُدْنَةِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ مِمَّا يَنْتَقِضُ بِهِ الْعَهْدُ هُوَ سَبُّهُمُ اللَّهَ تَعَالَى أَوِ الْقُرْآنَ أَوِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَوْ نَبِيًّا مِنَ الأَْنْبِيَاءِ عليهم السلام مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ عِنْدَنَا (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ انْتِقَاضِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لأَِنَّ سَبَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُفْرٌ مِنَ الْكَافِرِ الْمُهَادِنِ؛ وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لِعَقْدِ الْهُدْنَةِ لَا يَمْنَعُ عَقْدَ الْهُدْنَةِ فِي الاِبْتِدَاءِ فَالْكُفْرُ الطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ فِي حَال الْبَقَاءِ (2)، رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَل رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَهْلاً يَا عَائِشَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَْمْرِ كُلِّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟
(1) شَرْح الزُّرْقَانِيّ 3 / 147، وجواهر الأكليل 1 / 269، وتحفة الْمُحْتَاج 9 / 302، ومغني الْمُحْتَاج 4 / 264، ومطالب أُولِي النُّهَى 2 / 622.
(2)
حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 3 / 278، 249، وفتح الْقَدِير 4 / 381 ط الأَْمِيرِيَّة.