الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّقْضَ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ مَا يَهْزِل بِهِ كُلٌّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لأَِنَّهُمَا إِمَّا أَنْ يَهْزِلَا فِي أَصْل الْعَقْدِ - كَالْبَيْعِ مَثَلاً - أَوْ فِي قَدْرِ الْبَدَل، أَوْ فِي جِنْسِ الْبَدَل، وَنُبَيِّنُ فِيمَا يَلِي حُكْمَ كُلٍّ مِنْهَا وَمَا يَتَفَرَّعُ عَنْهَا مِنْ صُوَرٍ (1) .
الصُّورَةُ الأُْولَى:
اتِّفَاقُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فِي أَصْل الْعَقْدِ:
12 -
إِذَا اتَّفَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى أَنْ يَبْنِيَا الْعَقْدَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ، أَيْ عَلَى عَدَمِ رَفْعِ الْهَزْل، وَعَدَمِ الرُّجُوعِ عَنْهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ، وَلَكِنَّهُ مُنْعَقِدٌ، لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، لَكِنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ لِعَدَمِ الرِّضَا بِحُكْمِهِ، فَصَارَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى الْهَزْل كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَبَدًا، لَكِنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ - كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ - لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ بَاطِلٌ.
قَال صَاحِبُ شَرْحِ الْمَنَارِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاطِلاً لِعَدَمِ وُجُودِ حُكْمِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 4 / 7، 8، 124، وشرح الْمَنَار ص 981.
يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِحَمْل مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُطْلَانِ الْفَسَادُ، كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِي.
ثُمَّ قَال ابْنُ عَابِدِينَ: قُلْتُ وَهَذَا أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ مَا فِي كُتُبِ الأُْصُول مِنْ أَنَّهُ فَاسِدٌ.
هَذَا وَقَدْ بَيَّنَ الرَّهَاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: أَنَّ عَقْدَ الْهَازِل لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَقْدًا مَوْقُوفًا؛ لأَِنَّ عُلَمَاءَ الْمَذْهَبِ قَدْ رَتَّبُوا الأَْحْكَامَ عَلَى الْفَاسِدِ دُونَ الْمَوْقُوفِ (1) .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ:
أَنْ يَتَّفِقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى الإِْعْرَاضِ عَنِ الْمُوَاضَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَعَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ عَلَى سَبِيل الْجِدِّ:
13 -
نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ صَحِيحًا لَازِمًا، وَيَبْطُل الْهَزْل بِإِعْرَاضِهِمَا عَنِ الْمُوَاضَعَةِ؛ لأَِنَّ تِلْكَ الْمُوَاضَعَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ؛ فَتَرْتَفِعُ بِمَا قَصَدَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ مِنْ عَقْدِ الْبَيْعِ عَلَى سَبِيل الْجِدِّ، وَذَلِكَ لأَِنَّ حَقِيقَةَ
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 4 / 7، 8، 124، وشرح الْمَنَار وَحَوَاشِيه ص 981، وفتح الْغَفَّار 2 / 110، وفواتح الرَّحَمُوت 1 / 162.