الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقِسْمُ الرَّابِعُ:
أَنْ يَنْوِيَ مَعَ النَّفْل نَفْلاً آخَرَ.
قَال الْقَفَّال: لَا يَحْصُلَانِ، وَنَقَضَ عَلَيْهِ بِنِيَّتِهِ الْغُسْل لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ فَإِنَّهُمَا يَحْصُلَانِ.
الْقِسْمُ الْخَامِسُ:
أَنْ يَنْوِيَ مَعَ غَيْرِ الْعِبَادَةِ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَهَا وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الْحُكْمِ:
وَمِنْ فُرُوعِهِ: أَنْ يَقُول لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَيَنْوِيَ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ. . فَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَمَا اخْتَارَهُ ثَبَتَ، وَقِيل: يَثْبُتُ الطَّلَاقُ لِقُوَّتِهِ. وَقِيل: الظِّهَارُ لأَِنَّ الأَْصْل بَقَاءُ النِّكَاحِ (1) .
وَقَال الزَّرْكَشِيُّ: سَائِرُ الْعِبَادَاتِ يُدْخَل فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا إِلَاّ الصَّلَاةَ فَلَا بُدَّ مَعَ النِّيَّةِ التَّكْبِيرُ (2) .
42 -
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ شَرِكَ بَيْنَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَبَيْنَ قَصْدِ التَّبَرُّدِ أَوْ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوِ الْوَسَخِ أَجْزَأَهُ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ؛ لأَِنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ، وَلِهَذَا لَوْ قَصَدَ مَعَ رَفْعِ الْحَدَثِ تَعْلِيمَ الْوُضُوءِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ (3) ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْصِدُ
(1) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 20 - 23، والمنثور في القواعد 3 / 302، ومغني المحتاج 1 / 49.
(2)
المنثور في القواعد 3 / 312.
(3)
جامع العلوم والحكم 1 / 88.
أَحْيَانًا بِالصَّلَاةِ تَعْلِيمَهَا لِلنَّاسِ، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ كَمَا قَال: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ (1) .
وَعِنْدَهُمْ كَذَلِكَ: لَا يَضُرُّ مَعَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ قَصْدُ تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ، لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَغَيْرِهِ، أَوْ قَصْدُ خَلَاصٍ مِنْ خَصْمٍ أَوْ إِدْمَانِ سَهَرٍ، أَيْ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ بَعْدَ إِتْيَانِهِ بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، لَا أَنَّهُ لَا يُنْقِصُ ثَوَابَهُ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا يُنْقِصُ الأَْجْرَ، وَمِثْلُهُ قَصْدُهُ مَعَ نِيَّةِ الصَّوْمِ هَضْمَ الطَّعَامِ، أَوْ قَصْدُهُ مَعَ نِيَّةِ الْحَجِّ رُؤْيَةَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ قَصَدَ مَا يَلْزَمُ ضَرُورَةً (2) .
تَفْرِيقُ النِّيَّةِ:
43 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ تَفْرِيقِ النِّيَّةِ عَلَى أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ أَوْ عَلَى أَجْزَاءِ الطَّاعَةِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَال الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُجْزِئُ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ، أَيْ جِنْسُهَا الْمُتَحَقِّقُ فِي مُتَعَدِّدٍ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، بِأَنْ خَصَّ كُل عُضْوٍ بِنِيَّةٍ، بِأَنْ غَسَل وَجْهَهُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ إِتْمَامِ
(1) حديث: " خذوا عني مناسككم ". أخرجه مسلم (2 / 943 - ط الحلبي) ، والبيهقي في السنن (5 / 125 ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث جابر، واللفظ للبيهقي.
(2)
كشاف القناع 1 / 314.
الْوُضُوءِ، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيَغْسِل الْيَدَيْنِ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ بِنِيَّةٍ، وَهَكَذَا لِتَمَامِ الْوُضُوءِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ إِتْمَامِ الْوُضُوءِ، بِأَنْ نَوَى عَدَمَ إِتْمَامِهِ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ أَصْلاً، أَمَّا لَوْ خَصَّ كُل عُضْوٍ بِنِيَّةٍ مَعَ قَصْدِهِ إِتْمَامَ الْوُضُوءِ عَلَى الْفَوْرِ مُعْتَقِدًا أَنْ لَا يَرْتَفِعَ حَدَثُهُ وَلَا يَكْمُل وُضُوؤُهُ إِلَاّ بِجَمْعِ النِّيَّاتِ، فَهَذَا مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ فَلَا يَضُرُّ، لَا مِنْ بَابِ التَّفْرِيقِ.
أَمَّا لَوْ جَزَّأَ النِّيَّةَ عَلَى الأَْعْضَاءِ، بِأَنْ جَعَل لِكُل عُضْوٍ رُبْعَهَا مَثَلاً فَإِنَّهُ يُجْزِئُ؛ لأَِنَّ النِّيَّةَ مَعْنًى لَا تَقْبَل التَّجْزِيءَ وَحِينَئِذٍ فَجَعْلُهُ لَغْوٌ، قَال الدُّسُوقِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ بَحَثَ فِيهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ بِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ؛ لأَِنَّ رُبْعَ النِّيَّةِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فِي اعْتِقَادِ الْمُتَوَضِّئِ (1) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَال عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: تَفْرِيقُ النِّيَّةِ عَلَى الطَّاعَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطَّاعَاتِ، وَهِيَ أَقْسَامٌ:
أَحَدُهَا: طَاعَةٌ مُتَّحِدَةٌ: وَهِيَ الَّتِي يَفْسُدُ أَوَّلُهَا بِفَسَادِ آخِرِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، فَلَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ عَلَى أَبْعَاضِهَا، مِثَالُهُ فِي الصِّيَامِ أَنْ يَنْوِيَ إِمْسَاكَ السَّاعَةِ الأُْولَى وَحْدَهَا،
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 1 / 95.
ثُمَّ يَنْوِيَ إِمْسَاكَ السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ يُفْرِدُ كُل إِمْسَاكٍ بِنِيَّةٍ تَخْتَصُّ بِهِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، فَإِنَّ صَوْمَهُ لَا يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَرَّقَ نِيَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى أَرْكَانِهَا وَأَبْعَاضِهَا: كَأَنْ يُفْرِدَ التَّكْبِيرَ بِنِيَّةٍ، وَالْقِيَامَ بِنِيَّةٍ ثَانِيَةٍ، وَالرُّكُوعَ بِثَالِثَةٍ، وَكَذَلِكَ إِلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ؛ لأَِنَّ مَا نَوَاهُ مِنْ هَذِهِ الْمُفْرَدَاتِ لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى حِيَالِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: طَاعَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرِدَ أَبْعَاضَهُ بِالنِّيَّةِ وَأَنْ يَجْمَعَهُ فِي نِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى أَحَدِ جُزْئَيِ الْجُمْلَةِ فِي الْقِرَاءَةِ مِثْل أَنَّهُ قَال: بِسْمِ اللَّهِ، أَوْ قَال: فَالَّذِينَ آمَنُوا. . فَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يُثَابُ إِلَاّ إِذَا فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى الْجُمَل الْمُفِيدَةِ، إِذْ لَا قُرْبَةَ فِي الإِْتْيَانِ بِأَحَدِ جُزْئَيِ الْجُمْلَةِ، وَجُمَل الْقُرْآنِ أَحَدُهَا: مَا لَا يُذْكَرُ إِلَاّ قُرْآنًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (1) } . فَهَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَتُهُ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ كَوْنُهُ ذِكْرًا لَيْسَ بِقُرْآنٍ كَقَوْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللَّهِ، فَهَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَتُهُ إِلَاّ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْقِرَاءَةَ لِغَلَبَةِ الذِّكْرِ عَلَيْهِ.
(1) سورة الشعراء / 105.