الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَقَدْ قُلْتُ: عَلَيْكَ (1) .
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا سَبٌّ مِنْهُمْ لَهُ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ كَانَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ لَقَتَلَهُمْ لِصَيْرُورَتِهِمْ حَرْبِيِّينَ (2) .
وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ عَدَمَ الاِنْتِقَاضِ بِمَا إِذَا لَمْ يُعْلِنِ الْمُهَادِنُ السَّبَّ، أَمَّا إِذَا أَعْلَنَ بِالسَّبِّ أَوِ اعْتَادَهُ وَكَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ قُتِل وَلَوِ امْرَأَةً، وَبِهِ يُفْتَى (3) .
رَابِعًا: نَبْذُ الْهُدْنَةِ إِذَا رَآهُ الإِْمَامُ أَصْلَحَ:
25 -
صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ رَأَى الإِْمَامُ الْمُوَادَعَةَ خَيْرًا فَوَادَعَ أَهْل الْحَرْبِ ثُمَّ نَظَرَ فَوَجَدَ مُوَادَعَتَهُمْ شَرًّا لِلْمُسْلِمِينَ نَبَذَ إِلَى مَلِكِهِمُ الْمُوَادَعَةَ وَقَاتَلَهُمْ (4) .
بُلُوغُ الْمُهَادِنِ مَأْمَنَهُ بَعْدَ نَقْضِ الْعَهْدِ:
26 -
وَعِنْدَ نَبْذِ الْعَهْدِ يَجِبُ إِبْلَاغُ مَنْ بِدَارِ الإِْسْلَامِ مِنْ أَهْل الْهُدْنَةِ إِلَى مَأْمَنِهِ، لَكِنْ مَنْ
(1) حَدِيث عَائِشَة: " دَخَل رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ. . . " أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 11 / 41، 42 - ط السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (4 / 1706 - ط الْحَلَبِيّ) .
(2)
فَتْح الْقَدِير 4 / 381 ط الأَْمِيرِيَّة.
(3)
ابْن عَابِدِينَ 3 / 278 - 279.
(4)
الْمَبْسُوط لِلسَّرْخَسِيَ 10 / 87، والفتاوى الْهِنْدِيَّة 2 / 197، وشرح السَّيْر الْكَبِير 5 / 1697، تبيين الْحَقَائِق 3 / 246.
عَلَيْهِ حَقُّ آدَمِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ أَوْ قِصَاصٍ يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَوَّلاً (1) .
وَالْمُعْتَبَرُ فِي إِبْلَاغِ الْكَافِرِ الْمَأْمَنَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْل عَهِدِهِمْ ويُلْحِقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَاكْتَفَى ابْنُ كَجٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِإِلْحَاقِهِ بِأَوَّل بِلَادِ الْكُفْرِ وَقَال: لَا يَلْزَمُ إِلْحَاقُهُ بِبَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ فَوْقَ ذَلِكَ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَوَّل بِلَادِ الْكُفْرِ وَبَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ بَلَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُرُورِ عَلَيْهِ.
وَنَقَل النَّوَوِيُّ عَنِ الْبَحْرِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْمَنَانِ لَزِمَ الإِْمَامَ إِلْحَاقُهُ بِسَكَنِهِ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ بَلَدَيْنِ فَالاِخْتِيَارُ لِلإِْمَامِ (2) .
أَحْوَال نَقْضِ الْهُدْنَةِ مِنْ قِبَل الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ:
27 -
نَقْضُ الْهُدْنَةِ مِنْ قِبَل الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جَمِيعِهِمْ أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ، فَإِنْ كَانَ النَّقْضُ مِنْ جَمِيعِهِمُ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ جَمِيعًا وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَمَانٌ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ (3) .
(1) رَوْضَة الطَّالِبِينَ 10 / 338، ومطالب أُولِي النُّهَى 2 / 591.
(2)
رَوْضَة الطَّالِبِينَ 10 / 338 - 339
(3)
تَبْيِين الْحَقَائِقِ 3 / 246، وشرح السَّيْر الْكَبِير 5 / 1696 - 1697، الحاوي 18 / 440 - 441 والمغني 8 / 462، وحاشية الدُّسُوقِيّ 2 / 204 - 206، وجواهر الإِْكْلِيل 1 / 270.
وَإِنْ كَانَ النَّقْضُ مِنْ بَعْضِهِمْ فَإِمَّا أَنْ يُظْهِرَ الْبَعْضُ الآْخَرُ الرِّضَا بِهَذَا النَّقْضِ أَوْ يَسْكُتُوا عَنْهُ أَوْ يُظْهِرُوا الْكَرَاهَةَ لَهُ.
فَإِنْ أَظْهَرَ الْبَعْضُ الآْخَرُ الرِّضَا فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَيَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ جَمِيعًا، النَّاقِضُونَ وَالرَّاضُونَ بِهِ، وَيَصِيرُونَ جَمِيعُهُمْ حَرْبًا.
وَكَذَا إِنْ سَكَتَ الْبَعْضُ الآْخَرُ فَلَمْ يُظْهِرُوا رِضًا بِالنَّقْضِ وَلَا كَرَاهَةً لَهُ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ انْتَقَضَ عَهْدُ الْجَمِيعِ، وَيَكُونُ سُكُوتُهُمْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ (1) .
قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (2) } ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي عَاقِرِ نَاقَةِ صَالِحٍ، بَاشَرَ عَقْرَهَا أُحَيْمِرُ وَهُوَ الْقَدَّادُ بْنُ سَالِفٍ، وَأَمْسَكَ قَوْمُهُ عَنْهُ، فَأَخَذَ اللَّهُ جَمِيعَهُمْ بِذَنْبِهِ، فَقَال تَعَالَى:{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (3) } .
وَقَدْ وَادَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ، وَهَمَّ بَعْضُهُمْ بِقَتْلِهِ، فَجَعَلَهُ نَقْضًا مِنْهُمْ لِعَهْدِهِ
(1) رَوْضَة الطَّالِبِينَ 10 / 338، ومطالب أُولِي النُّهَى 2 / 591، والمغني 8 / 4621، والبحر الرَّائِق هـ / 86، وبدائع الصَّنَائِع 7 / 109 - 110.
(2)
سُورَة الأَْنْفَال / 25
(3)
سُورَة الشَّمْسِ / 14 - 15.
فَغَزَاهُمْ وَأَجْلَاهُمْ (1) .
وَوَادَعَ يَهُودَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَعَانَ بَعْضُهُمْ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ عَلَى حَرْبِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَنْدَقِ، وَقِيل: إِنَّ الَّذِي أَعَانَهُ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطُبَ وَأَخُوهُ وَآخَرُ، فَنَقَضَ بِهِ عَهْدَهُمْ وَغَزَاهُمْ حَتَّى قَتَل رُمَاتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَهُمْ (2) .
وَهَادَنَ قُرَيْشًا فِي الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ بَنُو بَكْرٍ فِي حِلْفِ قُرَيْشٍ، وَخُزَاعَةُ فِي حِلْفِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَقْضًا لِعَهْدِ جَمِيعِهِمْ فَسَارَ إِلَيْهِمْ مُحَارِبًا، وَأَخْفَى عَنْهُمْ أَثَرَهُ حَتَّى نَزَل بِهِمْ وَفَتَحَ مَكَّةَ (3) .
فَدَل عَلَى أَنَّ الْمُمْسِكَ يَجْرِي عَلَيْهِ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ؛ وَلأَِنَّهُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ بَعْضِهِمْ لِلْهُدْنَةِ مُوجِبًا لأَِمَانِ جَمِيعِهِمْ وَإِنْ
(1) حَدِيث: " مُوَادَعَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم يَهُودٌ بَنَى النَّضِير " عَزَاهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ (7 / 331 - ط السَّلَفِيَّة) إِلَى ابْن إِسْحَاق فِي سِيرَتِهِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيد بْن رُومَانَ مُرْسَلاً.
(2)
حَدِيث: قِصَّة تَحْرِيض حَيّ بْن أَخْطُبُ بَنِي قُرَيْظَة أَوْرَدَهَا ابْن هِشَام فِي السِّيرَةِ (3 / 172 - 173 ط دَار الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ.
(3)
حَدِيث: قِصَّة مُهَادَنَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا مَعَهُمْ بَنُو خُزَاعَة وَبَنُو بَكْر. ذَكَرَهَا ابْن هِشَام فِي السِّيرَةِ (3 / 264 - ط دَار الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ)