الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَال: " لَوْلَا أَنَّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ (1) " فَقَدْ أَطْلَقَ الرَّاوِي اسْمَ الإِْهْدَاءِ بِدُونِ الْقَبُول، وَالإِْهْدَاءُ مِنْ
أَلْفَاظِ الْهِبَةِ
.
كَمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه دَعَا عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَقَال لَهَا: إِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ - أَعْطَيْتُكِ - جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي بِالْعَالِيَةِ، وَإِنَّكِ لَمْ تَكُونِي قَبَضْتِيهِ وَلَا حَرَزْتِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَال الْوَارِثِ (2) .
وَالدَّلِيل فِيهِ: أَنَّ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه أَطْلَقَ اسْمَ النُّحْلَى بِدُونِ الْقَبْضِ، وَالنُّحْلَى مِنْ أَلْفَاظِ الْهِبَةِ (3) .
أَلْفَاظُ الْهِبَةِ:
27 -
يَصِحُّ إِيجَابُ الْوَاهِبِ بِلَفْظِ: وَهَبْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ فِي إِفَادَةِ التَّمْلِيكِ بِلَا ثَمَنٍ، كَقَوْلِهِ: أَعْطَيْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ، أَوْ نَحَلْتُهُ لَكَ أَوْ أَهْدَيْتُكَهُ، أَوْ أَطْعَمْتُكَ هَذَا الطَّعَامَ
(1) حديث: " لولا أنا محرمون. . . ". أخرجه مسلم (2 / 851 ط عيسى الحلبي) .
(2)
أثر: إني كنت نحلتك. . . . سبق تخريجه ف 21.
(3)
بدائع الصنائع 6 / 115.
أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُرَادُ بِهِ الْهِبَةُ وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ قَال: مَنَحْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ أَوْ هُوَ لَكَ مِنْحَةٌ فَلَا يَخْلُو الأَْمْرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَنَى بِالْمِنْحَةِ الْهِبَةَ، وَإِمَّا لَمْ تَتَبَيَّنْ نِيَّتُهُ.
فَإِنْ عَنَى بِهَا الْهِبَةَ فَهُوَ عَلَى مَا عَنَى أَوْ نَوَى، سَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ مِمَّا يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إِلَاّ بِاسْتِهْلَاكِهِ، لأَِنَّهُ قَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُ الْمِنْحَةِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ، إِذِ الأَْصْل أَنْ يُعْتَبَرَ هَذَا عَارِيَةً.
أَمَّا إِذَا لَمْ تَتَبَيَّنْ نِيَّتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِمَّا يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ إِلَاّ بِاسْتِهْلَاكِهِ.
فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ كَانَ إِعَارَةً، كَالدَّارِ وَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالأَْرْضِ، كَقَوْلِهِ: هَذِهِ الدَّارُ لَكَ مِنْحَةٌ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ هَذِهِ الأَْرْضُ لأَِنَّ الْمِنْحَةَ فِي الأَْصْل: هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ أَوْ مَا لَهُ حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ أُضِيفَ إِلَى مَا يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ مِنَ
(1) بدائع الصنائع 6 / 116، والقوانين الفقهية ص 315، ومغني المحتاج 2 / 397، ونهاية المحتاج 5 / 403، والخرشي 7 / 104، والمغني والشرح الكبير 6 / 252، وكشاف القناع 4 / 298.