الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَّا إِذَا تَقَابَضَا فَإِنَّ الْهِبَةَ بِعِوَضٍ تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَعَدَمِ الرُّؤْيَةِ، وَيَرْجِعَ فِي حَالَةِ الاِسْتِحْقَاقِ، وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ، وَهَذِهِ كُلُّهَا أَحْكَامُ بَيْعٍ. لَكِنَّ ابْنَ نُجَيْمٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَانَ بَيْعًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً (1) .
وَحُجَّتُهُمْ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَفْظُ الْهِبَةِ وَمَعْنَى الْبَيْعِ فَيُعْمَل بِالشَّبَهَيْنِ قَدْرَ الإِْمْكَانِ، فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ وَالْحِيَازَةُ عَمَلاً بِشِبْهِ الْهِبَةِ، وَيَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَعَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ عَمَلاً بِشِبْهِ الْبَيْعِ (2) .
الْقَوْل الثَّالِثُ: نَقَل أَبُو الْخَطَّابِ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْهِبَةِ. فَلَا تَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْخَاصَّةُ.
وَانْتَصَرَ الْحَارِثِيُّ لِهَذَا الْقَوْل وَقَال: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفَسَّرَ الْقَاضِي هَذَا الرَّأْيَ قَائِلاً: الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَيْسَتْ بَيْعًا، وَإِنَّمَا الْهِبَةُ تَارَةً تَكُونُ تَبَرُّعًا، وَتَارَةً تَكُونُ بِعِوَضٍ، وَكَذَلِكَ
(1) الْبَحْر الرَّائِق 7 / 322، وَالإِْنْصَاف 7 / 116، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 2 / 405.
(2)
الْمَبْسُوط 12 / 75، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 32، وَتَكْمِلَة فَتْح الْقَدِير 7 / 133، وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 4 / 539.
الْعِتْقُ، وَلَا يَخْرُجَانِ عَنْ مَوْضُوعِهِمَا (1) .
لُزُومُ الْعِوَضِ بِدُونِ اشْتِرَاطٍ:
36 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْعِوَضِ عَنِ الْهِبَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْقَوْل الأَْوَّل: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْعِوَضِ وَإِنْ كَانَتْ دَلَالَةُ الْحَال تُفِيدُهُ. فَإِذَا أَعْطَاهُ عِوَضًا كَانَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً إِلَاّ أَنْ يَقُول الْمَوْهُوبُ لَهُ: هَذَا عِوَضٌ عَنْ هِبَتِكِ أَوْ بَدَلِهَا (2)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ دَفَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عِوَضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ مَمْنُوعًا بَل هُوَ جَائِزٌ، إِلَاّ أَنَّهُمْ وَضَعُوا شُرُوطًا حِينَ يَدْفَعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعِوَضَ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ:
أَوَّلاً:
تَصْرِيحُ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِأَنَّ الْمَدْفُوعَ مِنْ قِبَلِهِ إِنَّمَا هُوَ عِوَضٌ لِهِبَتِهِ نَحْوَ أَنْ يَقُول لَهُ: هَذَا عِوَضٌ عَنْ هِبَتِكَ أَوْ بَدَلٌ عَنْهَا أَوْ مَكَانَهَا. وَذَلِكَ لأَِنَّ الْعِوَضَ اسْمٌ لِمَا يُقَابِل الْمُعَوَّضَ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُل عَلَى الْمُقَابَلَةِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ
(1) الإِْنْصَاف 7 / 116، وَالْمُغْنِي مَعَ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ 6 / 300.
(2)
بَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 130، وَالإِْنْصَاف 7 / 116، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 2 / 404 - 405، وَحَاشِيَة البجيرمي 3 / 221