الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إيجاب الاقتداء بهم]
الوجه الرابع والعشرون: ما رواه الترمذي من حديث الثوري عن عبد الملك بن عُمير، عن هلال مولى رِبعي بن حِراش (1)، عن رِبعي، عن حذيفة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللَّذَين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد"(2) قال الترمذي: هذا حديث حسن، ووجه الاستدلال (3) به ما تقدم في تقرير المتابعة (4).
[الرشد في طاعة أبي بكر وعمر]
الوجه الخامس والعشرون: ما رواه مسلم في "صحيحه"[من حديث عبد اللَّه بن رَبَاح](5)، عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم[قال] (5):"إن يُطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا"(6)، وهو في حديث الميضأة الطويل (7)، فجعل الرشد معلَّقًا بطاعتهما (8)، فلو أفتوا بالخطأ في حكم وأصابه من بعدهم لكان الرشد في خلافهما (9).
الوجه السادس والعشرون: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر (10) وعمر في شأن تأمير القَعْقَاعِ بن حكيم والأقرع بن حابس: "لو اتفقتما على شيء لم أخالفكما"(11) فهذا رسول صلى الله عليه وسلم يخبر أنه لا يخالفهما لو اتفقا، ومن يقول قولهما
(1) في (ق): "خراس".
(2)
سبق تخريجه، و"ابن أم عبد: هو عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه تعالى عنه-" كذا في (و) و (د) و (ط).
ووقع في (ق): "وتمسكوا بهدي ابن أم عبد".
(3)
في نسخة: "ووجه الاحتجاج"(د)، وهي كذلك في (ك).
(4)
في أول البحث عند الكلام على آية التوبة وتفصيل وجوه دلالتها (س).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
سبق تخريجه.
(7)
في (ق): "حديث الميعاد الطويل".
(8)
في (ق): "بطاعتهم".
(9)
وهذا يستلزم رد الحديث، فالقول به باطل بموجب الحديث (س).
(10)
في (ق): "قال اللَّه لأبي بكر".
(11)
روى قصة اختلاف أبي بكر وعمر في شأن التأمير: البخاري (4367) في (المغازي): باب (68)، و (4845) في تفسير (سورة الحجرات): باب {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} ،=
ليس بحجة يُجوز مخالفتهما وبعض غلاتهم يقول: لا يجوز الأخذ بقولهما ويجب الأخذ بقول إمامنا الذي قلّدناه، وذلك موجود في كتبهم.
الوجه السابع والعشرون: أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر فقال: "هذان السَّمعُ والبصر"(1) أي هما مني بمنزلة السمع والبصر، أو هما من الدين بمنزلة
= و (4847) باب {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} ، و (7302) في (الاعتصام): باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين، من حديث عبد اللَّه بن الزبير قال: قدم وفد من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أمِّر القعقاع بن معبد بن زُرارة فقال عمر: بل أمِّر الأقرع بن حابس قال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي قال عمر: ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} .
وليس فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكره المصنف والقعقاع هو ابن معبد، وليس ابن حكيم كما ذكره المؤلف، وليس في الصحابة من اسمه القعقاع بن حكيم أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم، وانظر "الإصابة"، وفي (ك):"أخالفهما".
(1)
ورد من حديث عبد اللَّه بن حنطب وجابر، وابن عمر، وابن عباس، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص.
أما حديث عبد اللَّه بن حنطب، فقد رواه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك وقد اختلف عنه.
فرواه قتيبة بن سعيد عنه عن عبد العزيز بن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب عن أبيه عنه.
أخرجه الترمذي (6371) في (المناقب): باب في مناقب أبي بكر وعمر.
وقال: "هذا حديث مرسل عبد اللَّه بن حنطب لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم".
وتابعه موسى بن أيوب، أخرجه أبو حاتم -كما في "علل ابنه"(2/ 385) - وابن منده -كما في "الإصابة"(2/ 290) -.
إذن رواه قتيبة وموسى بن أيوب عن ابن أبي فديك، عن عبد العزيز بن المطلب دون واسطة.
لكن رواه جماعة عن ابن أبي فديك فذكروا واسطة بينه وبين عبد العزيز.
فقد علقه أبو حاتم (2/ 385)، ووصله ابن منده -كما في "الإصابة" (2/ 290) - من طريق دحيم عن ابن أبي فديك: حدثني غير واحد عن عبد العزيز به، وهؤلاء الجماعة الذين روى عنهم ابن أبي فديك وقفنا على بعضهم.
فقد رواه الحاكم في "المستدرك"(3/ 69) من طريق آدم بن أبي إياس، والقطيعي في "زوائده على فضائل الصحابة" (686) من طريق رجل وسمَّيا الواسطة: الحسن بن عبد اللَّه بن عطية.
قال الحاكم: صحيح الإسناد، فتعقبه الذهبي فقال: حسن.
أقول: والحسن هذا لم أجد له ترجمة.
وقد رواه ابن قانع في "معجم الصحابة"(8/ 3137 رقم 970) وأبو نعيم في "معرفة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الصحابة" (2/ 887 رقم 2295) والآجري في "الشريعة" (رقم 1322) من طريق علي بن مسلم عن ابن أبي فُديك، والبغوي وغيره -كما في "الإصابة"- من طريق أحمد بن صالح المصري وآخرين، فذكروا من أسماء المبهمين: علي بن عبد الرحمن وعمر بن أبي عمر.
فعلي بن عبد الرحمن ترجم له ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان ولم يذكر له راويًا سوى ابن أبي فديك. وعمر بن أبي عمر -كذا في "تهذيب الكمال" و"الميزان" متروك الحديث.
إذن رواية الأكثر على إثبات الواسطة، وهذا ما رجّحه الحافظ في "الإصابة" أما أبو حاتم رحمه الله فقد قال بعد أن رواه دون واسطة: وهذا أشبه!
وبعد هذا الاختلاف، اختلف في صحبة عبد اللَّه بن حنطب فممن أثبت صحبته ابن أبي حاتم وابن حبان وابن عبد البر ورجَّحه ابن حجر.
وقد خالف جميع ما ذكرنا جعفر بن مسافر: فرواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة"(2/ 886 - 887 رقم 2294) من طريقه عن ابن أبي فديك عن المغيرة بن عبد الرحمن عن المطلب بن عبد اللَّه عن حنطب عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. . . فجعل اسم الصحابي: حنطب، وجعفر هذا في حفظه شيء فروايته لا تعتبر بالمقارنة مع رواية الثقات. وانظر:"المعرفة" أيضًا (6/ 3032 رقم 7027) لأبي نعيم.
وأما حديث جابر: فرواه الخطيب في "تاريخ بغداد"(8/ 459 - 460) واللالكائي في "السنة"(رقم 2507) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(9/ ق 586) من طريق زكريا بن يحيى الساجي ثنا الحكم بن مروان ثنا حسن بن صالح عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس"، وهذا إسناد ضعيف جدًا، فيه الحكم بن مروان، ضرب أحمد وابن معين وأبو خيثمة على اسمه وأسقطوه، انظر:"اللسان"(2/ 238) وزكريا بن يحيى، ترجمه الخطيب ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وهو أبو يعلى الساجي غير أبي يحيى الإمام الثقة، ولعل شيخنا الألباني رحمه الله ظنه هو في "الصحيحة" (814) فقال عن هذا الإسناد:"حسن"!!
وأما حديث ابن عمر: فرواه القطيعي (575) وأبو نعيم في "فضائل الخلفاء الأربعة"(رقم 92) وابن شاهين في "شرح السنة"(رقم 146) والآجري في "الشريعة"(رقم 1324) والعشاري في "فضائل الصديق"(رقم 36) من طريق فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عنه، مثل حديث جابر، وهذا إسناد ضعيف جدًا، فرات بن السائب قال أحمد: كذّبوه، وقد تركه الدارقطني والساجي وأبو أحمد الحاكم.
ورواه الآجري في "الشريعة"(رقم 1325) من طريق حمزة النصيبي عن نافع عنه، وحمزة هذا متروك.
وأما حديث ابن عباس: فرواه أبو نعيم في "الحلية"(4/ 73) من طريق الحسن بن عرفة: =
السمع والبصر، ومن المحال أن يحرم سمع الدين وبصره الصواب ويظفر به من بعدهما.
الوجه الثامن والعشرون: ما رواه أبو داود وابن ماجه [من حديث ابن إسحاق، عن مكحول، عن غضيف بن الحارث](1)، عن أبي ذر قال: مرَّ فتى على عمر [رضي الله عنه](1)، فقال [عمر] (1): نِعمَ الفتى، قال: فتبعه أبو ذر، فقال: يا فتى استغفر لي، فقال (2): يا أبا ذر أستغفر لك وأنت صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: استغفر لي، قال: لا أو تخبرني (3)، قال: إنك مررتَ على عمر فقال: نعم الفتى، وإني سمعت النبي (4) صلى الله عليه وسلم يقول:"إن اللَّه جعل الحق على لسان عمر وقلبه"(5)، ومن المحال أن يكون الخطأ في مسألة أفتى بها من جعل اللَّه الحقَّ
= حدثنا الوليد بن الفضل عن عبد اللَّه بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبه عنه، مثل لفظ حديث جابر، وقال: كذا قال الحسن بن عرفة: عبد اللَّه بن إدريس، وإنما هو عبد المنعم بن إدريس، والحديث غريب تفرد به الوليد بن الفضل عنه.
أقول: والوليد بن الفضل هذا قال ابن حبان: يروي الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به بحال.
وأما حديث عبد اللَّه بن عمرو، فرواه ابن أبي حاتم في "السنة"(رقم 1222) والطبراني في "الكبير" -كما في "المجمع"(9/ 52) - والآجري في "الشريعة"(رقم 1323)، وإسناده مظلم، فيه من لا يعرف وهذه الطرق ضعيفة جدًا، لا تسلم من متهمين أو متروكين، وهي لا تصلح لتحسين الحديث فضلًا عن تصحيحه، ولذا أعله الترمذي وابن عبد البر وغير واحد، واللَّه أعلم.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (ق): "قال".
(3)
في (ق): "وتخبرني".
(4)
في (ق): "رسول اللَّه".
(5)
رواه ابن سعد (2/ 335)، وأحمد في "مسنده"(5/ 165 و 177)، وفي "فضائل الصحابة"(316)، وابن أبي عاصم في "السنة"(249)، وأبو داود (2962) في (الخراج): باب في تدوين العطاء، وابن ماجه (108) في (المقدمة): باب فضل عمر، وابن أبي شيبة (7/ 478)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 461) والبلاذري في "أنساب الأشراف"(149 - 150/ أخبار الشيخين) والقطيعي في "زوائد فضائل الصحابة"(رقم 521، 687، 867)، وابن شاهين في "جزء من حديثه"(رقم 7) والبغوي (3876) وابن عساكر (ص 85 - 86/ ترجمة عمر). كلهم من طرق عن ابن إسحاق عن مكحول عن غضيف به، وصرح ابن إسحاق بالتحديث عند الفسوي فقط!
وهذا إسناد حسن لحال محمد بن إسحاق، وغضيف بن الحارث هذا ذكره بعضهم في الصحابة وهو الظاهر، ورواه الدارقطني في "الأفراد"(2/ 269 - أطرافه) والطبراني في "مسند الشاميين"(رقم 1543) والحاكم في "المستدرك"(3/ 86 - 87)، وأبو نعيم في "الحلية"(5/ 191) والبيهقي في "المدخل"(رقم 66) واللالكائي في "السنة"(2490) =
على لسانه وقلبه حظَّه (1)، ولا ينكره [عليه](2) أحد من الصحابة، ويكون الصواب فيها حَظَّ من بعده، هذا من أبين المحال.
الوجه التاسع والعشرون: ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "قد كان فيمن خَلا من الأمم أناس مُحدَّثون، فإن يكن في أمتي أحد [منهم] فهو عمر"(3)، وهو في "المسند"، و"الترمذي" وغيرهما من حديث أبي هريرة، والمحدَّثُ: هو المتكلم (4) الذي يُلقي اللَّه في روعه الصواب يحدثه به المَلَكُ عن اللَّه، ومن المحال أن يختلف هذا ومن بعده في مسألة، ويكون الصواب فيها مع المتأخر دونه، فإن ذلك يستلزم أن [يكون ذلك](5) الغير هو المحدث بالنسبة إلى هذا (6) الحكم دون أمير المؤمنين [رضي الله عنه](5)، وهذا وإن أمكن في أقرانه من الصحابة فإنه لا يخلو عصرهم من الحق إما على لسان عمر، وإما على لسان غيره منهم، ومن (7) المحال أن يفتي أمير المؤمنين المحدث بفتوى أو يحكم بحكم، ولا يقول أحد من الصحابة غيره، ويكون خطأ ثم يُوفَّقَ له من بعدهم فيصيب الحق، ويخطئه الصحابة.
الوجه الثلاثون: ما رواه الترمذي [من حديث بكر بن عمرو، عن مِشْرَح بن
= وابن عساكر (85) عن طريق أبي خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق، ومحمد بن عجلان، وهشام بن الغاز عن مكحول عن غضيف عن أبي ذر.
وأبو خالد الأحمر هذا صدوق يخطئ كما قال الحافظ ابن حجر، ورواه هشام وابن عجلان عن مكحول عن أبي ذر مرسلًا دون ذكر غضيف انظر:"علل الدارقطني"(6/ 259) وتعليقي علي "المجالسة"(2/ 64 - 65)، ورواه أحمد في "مسنده"(5/ 145)، وفي "فضائل الصحابة"(317) -ومن طريقه ابن عساكر (87 - 88/ ترجمة عمر) - من طريق برد بن سنان عن عبادة بن نسيّ عن غضيف عن أبي ذر مرفوعًا، وإسناده جَيّد أيضًا وهذه متابعة قوية لابن إسحاق.
وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمر وأبي بكر وبلال وأبي سعيد ومعاوية وعائشة، خرجتها بتطويل -وللَّه الحمد- في تعليقي على "المجالسة"(2/ 56 - 69).
(1)
في (ق): "خطًا".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
رواه مسلم (2398) في (فضائل الصحابة): باب من فضائل عمر رضي الله عنه وأحمد (6/ 55) والترمذي (3693) عن عائشة.
وحديث أبي هريرة: رواه البخاري (3469) في أحاديث الأنبياء و (3689) في (فضائل الصحابة)، وهو ليس عند الترمذي وأحمد، كما قال المصنف، وانظر الهامش السابق، وما بين المعقوفتين من (ك).
(4)
في (ق): "المكلم".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
في (ق): "ذلك".
(7)
في المطبوع و (ك): "وإنما".
هاعان] (1)، عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقول: "لو كان بعدي نبي لكان عمر"(2)، وفي لفظ:"لو لم أبعث فيكم لبعث [فيكم] عمر"(3) قال الترمذي: حديث حسن، ومن المحال أن يختلف مَن هذا شأنه، ومن بعده من المتأخرين في حكم من أحكام الدين، ويكون حظ عمر منه الخطأ وحظ ذلك المتأخر منه الصواب.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
رواه أحمد (4/ 154)، والترمذي (3686) في (المناقب): باب ما جاء في مناقب عمر، والطبراني في "المعجم الكبير"(17/ 822)، والقطيعي في "زوائده على فضائل الصحابة"(رقم 519) و (694)، و"جزء الألف دينار"(رقم 199)، والفسوي في "تاريخه"(2/ 500)، والحاكم (3/ 85)، وابن عبد الحكم في "فتوح مصر"(ص 228) والروياني (214، 223) والدينوري في "المجالسة"(217 - بتحقيقي) وأبو نعيم في "فضائل الخلفاء"(رقم 85) والتيمي في "الحجة"(رقم 341) والبيهقي في "المدخل"(65)، والخطيب في "الموضح"(2/ 414) وابن عساكر (100، 101 - ترجمة عمر)، من طريق حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو به.
وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، إلا أن مشرح بن هاعان فيه كلام، لا ينزل حديثه عن درجة الحسن.
والحديث رواه عن مشرح ابن لهيعة أيضًا إلا أنه اضطرب فيه فرواه تارة عن مشرح: أخرجه القطيعي في "زوائده على فضائل الصحابة"(498)، وابن عدي (3/ 1014)، وتارة عن أبي عشانة (حي بن يؤمن) رواه الطبراني في "الكبير"(17/ 857) مع أن إسنادي القطيعي والطبراني واحد!! على كل حال هذا تخليط من ابن لهيعة لا يضر، فالعمدة على ما سبق.
والحديث عزاه ابن حجر في "فتح الباري"(7/ 51) لابن حبان، ولم أجده في "صحيحه".
وفي الباب عن عصمة: رواه الطبراني في "الكبير"(17/ 475)، قال في "المجمع"(9/ 68)، وفيه الفضل بن المختار، وهو ضعيف، وعن أبي سعيد الخدري: رواه الطبراني في "الأوسط" -ولم أظفر به في طبعتيه- كما في "المجمع"، وفيه عبد المنعم بن بشير، وهو ضعيف.
وفي الباب أيضًا عن أبي هريرة وابن عمر وبلال، خرجتها في تعليقي على "المجالسة"(2/ 86 - 90).
(3)
رواه ابن عدي (4/ 1511) -ومن طريقه ابن عساكر (99 - ترجمة عمر) وابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 320) - من طريق عبد اللَّه بن واقد: قال حدثنا حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر.
ونقل ابن الجوزي عن ابن معين وأحمد أنهما قالا في عبد اللَّه بن واقد: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك. =
الوجه الحادي والثلاثون: ما روى إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أن عليًا رضي الله عنه (1) قال: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر (2)، ومن المحال
= أقول: وقال أحمد أيضًا: رجل صالح، ويشبه أهل النسك والخير إلا أنه ربما أخطأ، وقال البخاري: سكتوا عنه، إلا أن السيوطي حاول في "اللآلئ المصنوعة"(1/ 302) أن يقوي حاله كعادته!!
وقد لخص ابن عدي حاله فقال: ليس هو ممن يتعمد الكذب، إلا أنه يحمل على حفظه فيخطئ. . . وله غرائب غير ما ذكرت.
ومما يدل على سوء حفظ هذا الرجل أن عبد اللَّه بن يزيد المقرئ رواه عن حيوة بن شريح عن مشرح بن هاعان عن رجل عن عقبة، رواه القطيعي في "زوائده على فضائل الصحابة" لأحمد (676)، وعبد اللَّه هذا من الثقاث المشهورين فزاد رجلًا مبهمًا.
وللحديث إسناد آخر: رواه ابن عدي في "الكامل"(3/ 1071) -ومن طريقه ابن عساكر (101 - ترجمة عمر) وابن الجوزي (1/ 320) - من طريق زكريا بن يحيى الوقار: حدثنا بشر بن بكر عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن عفيف بن الحارث عن بلال به مرفوعًا.
وزكريا هذا هو أبو يحيى قال فيه صالح جزرة: كان من الكذَّابين الكبار، وقال ابن عدي: له حديث كثير بعضها موضوعات، وكان يتهم بوضعها. . .
أما السيوطي فحاول أن يحسن من حاله!!!
ثم ذكر السيوطي له طريقين آخرين:
قال المعلمي في "تعليقه على الفوائد المجموعة" للشوكاني (ص 337): في أسانيدهما جماعة لم أعرفهم، وفي الأولى عبد اللَّه بن واقد، وقد مر ذكره، وفي الثانية إسحاق بن نجيح الملطي، وهو كذاب.
أقول: فالحديث لا يصح، لكن لا يبلغ أن يكون موضوعًا، وما بين المعقوفتين من (ك).
(1)
في المطبوع: "كرم اللَّه وجهه".
(2)
رواه من هذا الطريق: عبد اللَّه بن أحمد في "زياداته على فضائل الصحابة"(310، 470)، والقطيعي في "زوائده"(523)، و (601) و (614) و (627)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 461، 462) وأبو عروبة الحراني في "حديثه"(ق 63/ أ) أو (رقم 36) وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 328 و 8/ 211) والبيهقي في "المدخل"(رقم 67) والخطابي في "غريب الحديث"(2/ 258)، والبغوي (3877) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(13/ ق 15)، وأبو الخير القزويني في "الأربعين في فضائل عمر بن الخطاب"(ق 55/ أ) من طرق عن إسماعيل به، وإسناده صحيح.
ورواه ابن أبي شيبة (12/ 23) والقطيعي في "زوائده"(634) من طريق الشيباني وإسماعيل به.
ورواه القطيعي (711) من طريق أبي إسماعيل عن الشعبي به، وفيه زيادة، وأبو إسماعيل هذا كثير النواء الضعيف. =
أن يكون من بعدَهُ من المتأخرين أسعدَ بالصواب منه في أحكام اللَّه تعالى (1)، ورواه عمرو بن ميمون عن زرّ عن علي رضي الله عنه.
الوجه الثاني والثلاثون: ما رواه واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن ابن مسعود [رضي الله عنه] (2) قال: ما رأيت عمر إلا وكأنّ بين عينيه مَلَكًا يسدده (3)، ومعلوم قطعًا أن هذا أولى بالصواب ممن ليس بهذه المَثَابة.
الوجه الثالث والثلاثون: ما رواه الأعمش عن شقيق قال: قال عبد اللَّه (4): [واللَّه](5) لو أن علم عمر وُضعَ في كفة ميزان، وجُعل علم أهل الأرض في كفّة لرجَحَ علم عمر، فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال: قال عبد اللَّه: [واللَّه](5) إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم (6)، ومن أبعد الأمور أن يكون المخالف لعمر بعد انقراض عصر الصحابة أولى بالصواب منه في شيء من الأشياء.
الوجه الرابع والثلاثون: ما رواه ابن عيينة، عن عبيد اللَّه (7) بن أبي يزيد قال: كان ابن عباس إذا سُئل عن شيء، وكان في القرآن أو السنة قال به، وإلا قال بما
= وأما رواية زر عن علي فرواها عبد الرزاق في "مصنفه"(11/ 222)(20380)، ومن طريقه القطيعي (522) من طريق معمر عن عاصم عن زر عن علي به، وهذا إسناد حسن.
ورواه أحمد في "مسنده"(1/ 106)، وابنه عبد اللَّه في "زوائده على الفضائل"(رقم 50) من طريق الثمعبي عن وهب السُّوائي عن علي، وفيه زيادة، وإسناده جيّد.
(1)
في (ق) و (ك): "عز وجل".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
طريق واصل الأحدب: رواها الطبراني في "المعجم الكبير"(8832)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(69) وأبو نعيم في "تثبيت الإمامة"(رقم 88) عن أبي وائل به.
وسقط ابن مسعود من إسناد الطبراني، قال الهيثمي (9/ 72): رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها رجال الصحيح.
ورواه القطيعي في "زوائده على فضائل الصحابة"(306)، والطبراني في "الكبير"(8833) من طريق سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي وائل به.
ورواه الطبراني (8831) من طريق القاسم عن ابن مسعود.
(4)
هو "عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه"(س).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
سبق تخريجه.
(7)
في (د): "عبد اللَّه"وقال: "في نسخة: "عببد اللَّه بن أبي يزيد"، وليس بصواب"!!.
قلت: وهو المثبت في (ق) و (ك) وهو الصحيح.
قال به أبو بكر وعمر، فإن لم يكن قال برأيه (1).
فهذا ابن عباس -واتِّباعه للدليل وتحكيمه للحجة معروف، حتى [إنه](2) يخالف لما قام عنده من الدليل أكابرَ الصحابة- يجعل (3) قول أبي بكر وعمر حجة يؤخذ بها بعد قول اللَّه ورسوله، ولم يخالفه في ذلك أحد من الصحابة.
الوجه الخامس والثلاثون: ما رواه منصور، عن زيد بن وهب، عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "رضيتُ لأمتي ما رضي لها ابنُ أم عبد"(4)، كذا رواه يحيى بن يعلى المحاربي عن زائدة (5) عن منصور، والصواب ما رواه إسرائيل وسفيان عن منصور عن القاسم بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا ولكن قد روى جعفر بن عون (6) عن المسعودي عن جعفر بن عمرو بن حُريث (7) عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد اللَّه بن مسعود: "اقرأ عليَّ" قال: أقرأ [عليك](8) وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فافتتح سورة النساء حتى إذا بلغ:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] فاضَتْ عينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكفَّ عبدُ اللَّه [بن مسعود](9)، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتكلَّم فحمد اللَّه [وأثنى عليه](8) في أول كلامه وأثنى على اللَّه، وصلّى على نبيه (10) صلى الله عليه وسلم، وشهد شهادة الحق، وقال:"رضينا (11) باللَّه ربًا وبالإسلام دينًا ورضيت لكم ما رضي [لكم] (8) ابن أم عبد"(12)، ومن قال: ليس قوله بحجة،
(1) رواه الدارمي في "المقدمة"(1/ 59) وابن أبي شيبة (7/ 242) -ومن طريقه ابن حزم في "الإحكام"(5/ 768) - وابن سعد (2/ 366)، والحاكم (1/ 127)، والبيهقي (10/ 115) والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 203) وابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 71)، من طريق ابن عيينة به وإسناده صحيح.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في (ق): "ثم يجعل".
(4)
سبق تخريجه قريبًا.
وقال (ط): "هو عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه".
(5)
في المطبوع: "زيد" والمثبت من (ق) و (ك).
(6)
كذا في (ق): هو الصواب، وفي سائر النسخ "عوف"!!
(7)
وقع في مطبوع "الإعلام": "عمرو بن حريش" بالشين!!
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(10)
في (ق) و (ك): "النبي".
(11)
في (ق): "رضيت".
(12)
رواه الحاكم في "المستدرك"(3/ 319) من طريق محمد بن عبد الوهاب عن جعفر بن عون، عن المسعودي به. =
وإذا خالفه غيره ممن بعده يجوز أن يكون الصواب في قول المخالف [له](1) لم يَرْضَ للأمة ما رضيه (2) لهم ابن أم عبد، ولا ما رضيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
الوجه السادس والثلاثون: ما رواه أبو إسحاق، عن حارثة بن مُضرِّب قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى [أهل](3) الكوفة: "قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرًا و [عبد اللَّه] (4) بن مسعود معلمًا ووزيرًا وهما من النُّجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أهل بدر، فاقتدوا بهما واسمعوا قولهما وقد آثرتكم بعبد اللَّه على نفسي"(5)، فهذا عمر قد أمر أهل الكوفة أن يقتدوا بعمار وابن مسعود، ويسمعوا قولهما ومن لم يجعل قولَهما حجة يقول: لا يجب الاقتداء بهما ولا سماع أقوالهما إلا فيما أجمعت عليه الأمة، ومعلوم أن ذلك لا اختصاص لهما به، بل فرق فيه بينهما (6) وبين غيرهما من سائر الأمة.
الوجه السابع والثلاثون: ما قاله عُبادة بن الصَّامت وغيره: بايعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أن نقول بالحق حيث كنا ولا نخاف في اللَّه لومة لائم (7)، ونحن نشهد باللَّه أنهم وَفَوْا بهذه البيعة، وقالوا بالحق، وصدعوا به، ولم تأخذهم في اللَّه لومة لائم، ولم يكتموا شيئًا منه مخافة سوط ولا عصا (8)، ولا أمير ولا وال كما هو
= وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
أقول: المسعودي اختلط لكن رواية جعفر عنه قبل الاختلاط، كما في "الكواكب النيِّرات".
وأما جعفر بن عمرو فلم يوثقه أحد إلا ابن حبان! لكن روى عنه ثقتان، فمثله قد يُحسّن حديثه، ولا سيما أن لحديثه شاهدًا.
وقد روى أول الحديث إلى قوله: "فاضت عينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم": مسلم في "صحيحه"(800) بعد (248) وما بعده من طريق معن عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه عن ابن مسعود.
وأول الحديث ثابت في "صحيح البخاري"(4582)، و (5049) و (5050) و (5055) و (5056)، ومسلم (800) من حديث ابن مسعود.
وأما قوله: "رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد"، فقد أشرنا إلى أنه تقدم تخريجه.
(1)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "و" وسقط من (ك).
(2)
في (ق): "رضي به".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
في (ق): "بل لا فرق بينهما".
(7)
رواه البخاري (7200) في (الأحكام): باب كيف يبايع الإمام الناس، ومسلم (1709) في (الإمارة): باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية.
(8)
في (ق): "أو عصا".
معلوم لمن تأمله من هديهم (1) وسيرتهم، فقد أنكر أبو سعيد على مروان وهو أمير على المدينة (2)، وأنكر عبادة بن الصامت على معاوية وهو خليفة (3)، وأنكر ابن عمر على الحجاج مع سَطْوته وبأسه، وأنكر على عمرو بن سعيد (4)، وهو أمير على المدينة، وهذا كثير [جدًا](5) من إنكارهم على الأمراء والولاة إذا خرجوا عن العدل لم يخافوا سَوطهم (6) ولا عقوبتهم، ومن بعدهم لم تكن لهم (7) هذه المنزلة، بل كانوا يتركون كثيرًا من الحق خوفًا من ولاة الظلم وأمراء الجور، فمن المحال أن يوفَّق هؤلاء (8) للصواب ويحرمه أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثامن والثلاثون: ما ثبت في "الصحيح" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رقى المنبر فقال: "إن عبدًا خيّره اللَّه بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند اللَّه" فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا لبكائه أن يُخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل خُيّر فكان المخيّر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر أعلمنا به (9)، وقال (10) النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أمَنَّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنت مُتّخذًا من [أهل] الأرض خليلًا لاتخذتُ أبا بكر خليلًا ولكن أخوةُ الإسلام ومودّته، لا يبقى (11) في المسجد باب إلا سُدَّ إلا باب
(1) في (ق): "لمن تأمل هديهم".
(2)
رواه البخاري (956) في (كتاب العيدين): باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، ومسلم (889) في (صلاة العيدين): أوله، من حديث أبي سعيد الخدري.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (1587) في المساقاة: باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا قصة بين عبادة ومعاوية، وفيها إنكار عبادة على معاوية.
(4)
إنكار ابن عمر على الحجاج، أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(رقم 1381) -ومن طرقه ابن أبي الدنيا في "الأمر بالمعروف"(رقم 52) - وإسناده حسن.
وأما الإنكار على عمرو بن سعيد، فظفرتُ أن أبا شريح الخزاعي أنكر عليه، رواه البخاري (104 و 1832 و 4295) ومسلم (1354) وأحمد (4/ 32 و 6/ 385).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
في (ق): "سطوتهم".
(7)
في (ق): "لم تكن له".
(8)
المتأخرون، ومن المحال أن يكون بين ظهرانيهم منكر في فتيا وغيرها ويقرّونه ولا ينكرونه. (س).
(9)
رواه البخاري (466) في (الصلاة): باب الخوخة والممر في المسجد، و (3654) في (فضائل الصحابة): باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سدّوا الأبواب إلا باب أبي بكر"، و (3904) في "مناقب الأنصار": باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم-وأصحابه إلى المدينة، ومسلم (2382) في "فضائل الصحابة": باب من فضائل أبي بكر الصديق.
(10)
في (ق): "فقال".
(11)
في (ق): "لا يبقيّن".
أبي بكر" (1)، و [من](2) المعلوم أن فَوْت الصواب في الفتوى لأعلم الأمة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولجميع الصحابة معه، وظَفَرَ فلان وفلان من المتأخرين بهذا من أمحل المحال (3)، ومن لم يجعل قولَه حجة يُجَوِّزُ ذلك، بل يحكم بوقوعه، واللَّه المستعانُ.
الوجه التاسع والثلاثون: ما رواه زائدة، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عبد اللَّه قال: لما قُبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال (4) الأنصار: منَّا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر، قال: ألستم تعلمون أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يَؤُمَّ الناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم تطيب نفسُهُ أن يتقدم على أبي بكر؟ فقالوا: نعوذ باللَّه أن نتقدم على أبي بكر (5). ونحن نقول لجميع المفتين: أيكم تطيب نفسه أن يتقدَّم على أبي بكر إذا أفتى بفتوى وأفتى من قلَّدتموه بغيرها؟ ولا سيما مَنْ قال من زعمائكم: إنه يجب تقليد من قلّدناه ديننا ولا يجوز تقليد أبي بكر الصديق [رضي الله عنه](6) اللهم إنا نُشهدكَ أن أنفسنا لا تطيب بذلك، ونعوذ بك أن تطيب به نفسًا (7).
الوجه الأربعون (8): ما ثبت في "الصحيح"[من حديث الزهري](6)، [عن حمزة بن عبد اللَّه، عن أبيه عن](9) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أنا نائم إذ أُتيتُ بقدح لبن، فقيل لي: اشرب، فشربت منه، حتى إني أرى الرِّيَّ يجري في أظفاري (10)، ثم أعطيت فضلتي (11) عمر، قالوا: فما أوَّلت ذلك؟ قال: العلم"(12).
(1) هو مذكور مع الحديث السابق بالإسناد نفسه، وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
قال (د): "في نسخة: "به، هذا هو أمحل المحال"".
قلت: وهو المثبت في (ق) و (ك).
(4)
في (ق) و (ك): "قالت".
(5)
رواه أحمد في "مسنده"(1/ 21 و 396 و 405)، وفي "فضائل الصحابة"(رقم 190)، وابن سعد (3/ 179)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(1/ 454)، وابن أبي عاصم في "السنة"(رقم 1159)، والنسائي (2/ 74) في (الإمارة): باب ذكر الإمامة والجماعة، والحاكم (3/ 67)، والبيهقي في "الكبرى"(8/ 152)، وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 188) من طريق زائدة به، وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي عاصم هو ابن أبي النجود كلام.
وفي (ك): "ان نتقدم أبا بكر".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
في (ق): "أنفسنا".
(8)
في (ك): "الوجه الأربعين".
(9)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "عن ابن عمر أن".
(10)
في (ق): "يخرج من أظفاري".
(11)
في (ك) و (ق): "فضلي".
(12)
الحديث في "الصحيحين"، وسبق تخريجه.
ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع من خالفه في فتيا أو حكم لا يُعلم أن أحدًا من الصحابة خالفه فيه، وقد شهد له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بهذه الشهادة.
الوجه الحادي والأربعون: ما ثبت في "الصحيح"[من حديث عبد اللَّه بن أبي زيد](1)، عن ابن عباس [رضي الله عنهما] (1): أنه وُضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءًا، فقال: من وضع هذا؟ قالوا: ابن عباس، فقال:"اللهم فقهه في الدين"(2)، وقال عكرمة: ضمني إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم علمه الحكمة"(2).
ومن المستبعد جدًا بل [من](3) الممتنع أن يُفتي حبر الأمة وترجمان القرآن الذي دعا له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بدعوة مستجابة قطعًا أن يفقِّهه في الدين ويعلّمه الحكمة ولا يخالفه فيها أحد من الصحابة، ويكون فيها على خطأ، ويفتي واحد من المتأخرين بعده بخلاف فتواه، ويكون الصواب معه، فيظفر به هو ومقلدوه (4)، ويحرمه ابن عباس والصحابة رضي الله عنهم.
الوجه الثاني والأربعون (5): أن صورة المسألة ما إذا لم يكن في الواقعة حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا اختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم، وإنما قال بعضهم فيها قولًا وأفتى بفُتيا ولم يعلم أن قوله وفتياه اشتهر (6) في الباقين ولا أنهم خالفوه، وحينئذ فنقول: من تأمَّل المسائل الفقهية، والحوادث الفرعية (7)، وتدَّرب بمسالكها، وتصرَّف في مداركها، وسلك سُبُلها ذللًا، وارتوى من مواردها عللًا (8) ونهلًا (9)، علم قطعًا أن كثيرًا منها قد تشتبه فيها وجوه الرأي بحيث لا يُوثق فيها بظاهر مُراد (10)، أو قياس صحيح ينشرح له الصدر ويثلج له الفؤاد، بل تتعارض فيها
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي (ك):"عبد اللَّه بن يزيد".
(2)
سبق تخريجه.
ووقع في (ق) زيادة: "وعلمه التأويل"، وقال في الهامش:"قوله: "وعلمه التأويل"، قال الحميدي: لم أجد هذه اللفظة في "الصحيحين"، وقد حكاها أبو مسعود، ولم أرها".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(4)
في (ق): "ومقلده".
(5)
وهو استدلال نظري علمي كما هو ظاهر لمن تأمله (س).
(6)
في المطبوع و (ك): "أشهر".
(7)
في (ق): "الفروعية".
(8)
العلل والتعلل: الشرب مرة بعد مرة، ويراد هنا الأخذ من علوم الفقه، والمداومة عليه (س).
(9)
النهل: أول الشرب، أو المرة الأولى (س).
(10)
ليس المراد هاهنا ظاهر النصوص البينة، فهذا خارج عن الصورة المفترضة، ويحتمل أن يكون المراد النصوص المجملة أو المشتركة، أو إشارة النص (س).
الظواهر والأقيسة على وجه يقف المجتهد في أكثر المواضع حتى لا يبقى للظنِّ رجحان بيِّن، لا سيما إذا اختلف الفقهاء؛ فإن عقولهم من أكمل العقول وأوفرها (1) فإذا تلدَّدوا (2) وتوقفوا ولم يتقدموا ولم يتأخروا لم يكن [ذلك](3) في المسألة طريقة واضحة ولا حجة لائحة، فإذا وجد فيها قول لأصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[ورضي اللَّه عنهم](3) الذين هم سادات الأمة، وقدوة الأئمة، وأعلم الناس بكتاب ربهم [تعالى](3) وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وقد شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل ونسبة من بعدهم في العلم إليهم كنسبتهم إليهم في الفضل والدين كان الظن والحالة هذه بأن الصواب في جهتهم والحق في جانبهم (4) من أقوى الظنون (5) وهو أقوى من [الظن](6) المستفاد من كثير [من](3) الأقيسة، هذا ما لا يمتري فيه عاقل منصف، وكان الرأي الذي يوافق رأيهم هو الرأي السداد [الرأي] الذي لا رأي سواه، وإذا كان المطلوب في الحادثة إنما هو ظن راجح ولو استند إلى استصحاب أو قياس علة أو دلالة أو شبه (7) أو عموم مخصوص أو محفوظ مطلق أو وارد على سبب (8)، فلا شك أن الظن الذي يحصل لنا بقول الصحابي الذي لم يخالف أرجح من كثير من الظنون المستندة إلى هذه الأمور أو أكثرها، وحصول الظن الغالب في القلب ضروري (9) كحصول الأمور الوجدانية، ولا يخفى على العالم أمثلة ذلك.
الوجه الثالث والأربعون: أن الصحابي إذا قال قولًا أو حكم بحكم (10) أو
(1) في (ق): "من أكمل العقول وأوفاها".
(2)
تحيروا وتلفتوا يمينًا وشمالًا بحثًا عن بينة أو دلالة (س).
وقال (و): "تلفت يمينًا وشمالًا أو تحير".
قلت: وانظر: "لسان العرب"(3/ 390) مادة "لدد" - ط دار الفكر).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وما بين المعقوفتين بعدها من (ق) فقط.
(4)
في (ق): "من جانبهم".
(5)
وهو ظن راجح يدخل في معنى العلم المتعبد به (س).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(7)
جاء في النص "أو دلالة أو شبه" وحذف (أو) أليق بما قبلها (س).
(8)
يراد به العام الذي يحتمل التخصيص بسببه ظاهرًا في التخصيص (س).
(9)
أي أن التحقق من وجوه الظن الغالب أمر يعلمه الإنسان من نفسه ويدركه ولا يغيب عن معرفته وإحساسه (س).
(10)
في (ك): "حكمًا".
أفتى بفتيا فله مدارك ينفرد بها عنَّا، ومدارك نشاركه فيها، فأما ما يختص به فيجوز أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم شفاهًا أو من صحابي آخر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (1)، فإن ما انفردوا به من العلم عنا أكثر من أن يُحاط به، فلم يَروِ [كلٌّ منهم كلَّ](2) ما سمع، وأين ما سمعه الصديق [رضي الله عنه](3) والفاروق وغيرهما من كبار الصحابة [رضي الله عنهم](3) إلى ما رووه؟ فلم يرو عنه صدِّيقُ الأمة مئة حديث (4) وهو لم يغب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من مشاهده، بل صحبه من حين بعث [بل قبل البعث](5) إلى أن توفي، وكان أعلم الأمة به صلى الله عليه وسلم بقوله (6) وفعله وهديه وسيرته، وكذلك أجلَّة الصحابة (7) روايتهم قليلة جدًا بالنسبة إلى ما سمعوه من نبيهم صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، وشاهدوه، ولو رووا كل ما سمعوه وشاهدوه لزاد على رواية أبي هريرة رضي الله عنه أضعافًا مضاعفة، فإنه إنما صحبه نحو أربع سنين، وقد روى عنه الكثير، فقول (8) القائل:"لو كان عند الصحابي في هذه الواقعة شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم لذكره" قولُ (9) مَنْ لم يعرف سِيرَ القوم وأحوالهم، فإنهم كانوا يهابون الروايةَ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (10) ويعظِّمونها ويقلِّلونها خوف الزيادة والنقص، ويحدِّثون بالشيء الذي سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا، ولا يصرحون بالسماع، ولا يقولون: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (11).
(1) في (ق): "عن النبي صلى الله عليه وسلم".
(2)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "كلهم".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
قال أبو نعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة"(1/ 36): "روى من المتون سوى الطرق: مئة حديث ونيفًا بمراسيلها".
(5)
ما بين المعقوفتين مضروب عليه في (ق)، وقبلها في (ك):"مبعثه" بدل "بعث".
(6)
في (ق) و (ك): "وبقوله".
(7)
في (ق): "جلة الصحابة".
(8)
في (ق): "فيقول".
(9)
في (ق) و (ك): "وهذا قول".
(10)
في (ق): "عن النبي صلى الله عليه وسلم".
(11)
مثاله:
1 -
عن ابن الديلمي قال: "وقع في نفسي شيء من هذا القدر، خشيت أن يفسد عليَّ ديني وأمري، فأتيت أبيَّ بن كعب، فقلت: أبا المنذر، إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر، فخشيت على ديني وأمري فحدثني بشيء من ذلك، لعل اللَّه أن ينفعني. . . " الحديث حتى قال: ولا عليك أن تأتي أخي عبد اللَّه بن مسعود فتسأله، قال: فأتيت عبد اللَّه، فسألته، فذكر مثل ما قال أبيّ، وقال لي: لا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة، فسألته، فقال مثل ما قالا، وفال: ائت زيد بن ثابت فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت، فسألته، فقال:"سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول، وذكر لي مثل قول أبيّ من حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم" صحيح ابن ماجه (1/ 19). =
فتلك الفتوى التي يفتي بها أحدهم لا تخرج عن ستة وجوه (1):
أحدها: أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم (2).
الثاني: أن يكون سمعها ممن سمعها منه.
الثالث: أن يكون فهمها من آية من كتاب اللَّه فهمًا خفي علينا.
الرابع: أن يكون [قد](3) اتفق عليها ملؤهم، ولم يُنقل إلينا إلا قول المفتي بها وحده.
الخامس: أن يكون لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد (4) به عنا، أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب، أو لمجموع أمور (5) فهموها على طول الزمان من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته، وسماع كلامه والعلم بمقاصده وشهود تنزيل الوحي ومشاهدة تأويله بالفعل، فيكون فَهِم ما لا نفهمه نحن (6)، وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة يجب اتباعها.
= فهؤلاء ثلاثة من فقهاء أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفتون بنص الحديث، ولا يصرحون برفعه، حتى صرح زيد رضي الله عنه برفعه.
2 -
وعند الترمذي أن أبا أمامة رضي الله عنه رأى رؤوسًا منصوبة على درج دمشق فقال: "كلاب النار، شرُّ قتلى تحت أديم السماء، خير الناس من قتلوه، ثم قرأ:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} الآية.
قال أبو غالب: قلت لأبي أمامة: (أنت سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟) قال: (لو لم أسمعه إلا مرة، أو مرتين، أو ثلاثًا أو أربعًا، حتى عد سبعًا: ما حدثتكموه) صحيح الترمذي (3/ 32)[وانظر تخريجه في (5/ 577 - 778)].
وهذا صحابي يخبر بما سمع من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دون تصريح، ولا يصرح بالرواية حتى سئل، وكان سمعه سبع مرات وأكثر (س).
(1)
في المطبوع و (ك): "أوجه".
(2)
ولم يصرح برفعها (س).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(4)
في (ق): "انفردوا".
(5)
في (ق): "أمورها".
(6)
مع العلم أن من المقطوع به أنهم لا يجتمعون على ضلالة صغيرة، فضلًا عن كبيرة، فلا يعدم ناطق بالحق، قائم به، مظهر له بين ظهرانيهم، والهمم على نقل فتاويهم وأقوالهم قوية، والدواعي متوفرة، خلافًا لزمن من بعدهم.
أضف أن أقوالهم في بيان الأحكام، وكشف الشبهات، وما تعلق بالدين، سنة شرعية مكملة لمعاني الذكر ودلالات القرآن والسنة، وداخلة في ضمنه، توعد القرآن على اتباع غيرها، ودل عليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للخروج من الاختلاف الكثير والفتن والضراء، فلا يجوز أن تجتمغ الأمة على تضييعها ونسيانها، يبعث اللَّه لها الطائفة الناجية المنصورة (س).