الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[على المفتي ألا يُفصِّل إلا حيث يجب التفصيل]
الفائدة التاسعة عشرة (1): إذا سئل عن مسألة من الفرائض لم يجب عليه أن يذكر موانع الإرث، فيقول (2): بشرط ألا يكون كافرًا، ولا رقيقًا، ولا قاتلًا، وإذا سئل عن فريضةٍ (3) فيها أخ، وجب عليه أن يقول: إن كان لأب فله كذا، وإن كان لأم فله كذا، وكذلك (4) إذ سئل عن الأعمام وبنيهم وبني الإخوة وعن الجد والجدة، فلا بد من التفصيل والفرق بين الموضعين [أن السؤال](5) المطلق في الصورة الأولى يدل على الوارث الذي لم يقم به مانع من الميراث، كما لو سئل عن رجل باع أو آجر أو تزوج أو أقرَّ لم يجب عليه أن يذكر موانع (6) الصحة من الجنون والإكراه ونحوهما إلا حيث (7) يكون الاحتمال متساويًا.
ومن تأمَّل أجوبة النبي صلى الله عليه وسلم رآه يستفصل حيث تدعو الحاجة إلى الاستفصال ويتركه حيث لا يحتاج إليه، ويحيل فيه مرة على ما عُلم من شَرعه ودينه من شروط الحكم وتوابعه، بل هذا كثير في القرآن كقوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وقوله: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، وقوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5].
ولا يجب على المتكلِّم [والمفتي](8) أن يستوعب شرائط الحكم وموانعه كلها عند ذكر [حكم](8) المسألة، ولا ينفع السائل [والمتكلم] (9) والمتعلم قوله:"بشرطه وعدم موانعه" ونحو ذلك، فلا بيان أتم من بيان اللَّه ورسوله، ولا هدي أكمل من هدي الصحابة والتابعين، وباللَّه التوفيق.
[هل يجوز للمقلد أن يفتي
؟]
الفائدة العشرون: لا يجوز للمقلد أن يفتي في دين اللَّه بما هو مقلد فيه وليس على بصيرة [فيه](8) سوى أنه قول من قلده دينه، هذا إجماع من السلف كلهم، وصرح به الإِمام أحمد والشافعي [رضي الله عنهما](8)، وغيرهما (10).
(1) في (ك): "التاسعة عشر".
(2)
في (ق): "أن يذكر الموانع فيقول".
(3)
في (ق): "فإذا سئل عن مسألة".
(4)
في (ق): "وكذا".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
(6)
في (ق): "مانع".
(7)
في (ق): "بحيث".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق) و (ك).
(10)
في (ت): "صرح به أصحاب أحمد والشافعي وغيرهم".
قال أبو عمرو بن الصلاح: "قطع [الإمام] (1) أبو عبد اللَّه الحليمي إمام الشافعيين بما وراء النهر والقاضي أبو المحاسن الروياني صاحب "بحر المذهب" (2)، وغيرهما: بأنه لا يجوز للمقلد أن يُفتي بما هو مقلِّدٌ فيه"(3).
وقال: "وذكر [الشيخ] (4) أبو محمد الجويني في "شرحه" لرسالة الشافعي عن شيخه أبي بكر القفَّال المروزي: أنه يجوز لمن حفظ مذهب (5) صاحب مذهب ونصوصه أن يُفتي به، [وإن لم يكن عارفًا بغوامضه وحقائقه](4) وخالفه الشيخ أبو محمد، وقال: لا يجوز [أن يفتي بمذهب غيره إذا لم يكن مُتبحِّرًا فيه عالمًا بغوامضه وحقائقه، كما لا يجوز](4) للعامي الذي جمع فتاوى المفتين أن يفتي بها، [وإذا كان متبحرًا فيه جاز أن يفتي به](6).
وقال أبو عمرو: "من قال: "لا يجوز له أن يفتي بذلك" معناه [أنه] لا يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه، بل يضيفه إلى غيره ويحكيه عن إمامه الذي قلَّده، فعلى هذا مَنْ عددناه في أصناف المفتين [من] المقلدين ليسوا على الحقيقة من المفتين، ولكنهم قاموا مقام المفتين، وادّوا (7) عنهم فعُدّوا معهم، وسبيلهم [في] (8) ذلك أن يقولوا مثلًا: مذهب الشافعي كذا وكذا، ومقتضى مذهبه كذا وكذا، وما أشبه ذلك، ومن ترك منهم إضافة ذلك إلى إمامه فإن كان ذلك اكتفاء منه بالمعلوم عن الصريح (9)، فلا بأس"(10).
قلت: ما ذكره أبو عمرو حسن، إلا أن صاحب هذه المرتبة يحرم عليه أن يقول:"مذهب الشافعي" لما لا يعلم أنه نصه الذي أفتى به، أو يكون شهرته بين
(1) ما بين المعقوفتين من (ك).
(2)
قال ابن كثير في "البداية والنهاية"(12/ 170)"وهو حافل كامل شامل للغرائب وغيرها، وفي المثل: حدّث عن البحر ولا حرج".
(3)
"أدب المفتي والمستفتي"(ص 102).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في (ق): "قول". وفي سائر الأصول: "كلام" والمثبت من (ك) و"آداب المفتي".
(6)
"آداب المفتي والمستفتي"(ص 102).
(7)
كذا في "أدب المفتي"، وفي (ك):"وأدوا عنهم فعدوا منهم"، وفي سائر الأصول:"وادعوا عنه فعدوا منهم".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق).
(9)
كذا في الأصول، وفي "أدب المفتي":"إن كان ذلك منه اكتفاءً بالمعلوم من الحال عن التصريح بالمقال".
(10)
"أدب المفتي والمستفتي"(ص 103).