الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي سلكت ظاهر الشرع ولم تؤوله (1).
وأنت إذا تأملت ما عرض في الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها من قِبَل التأويل تبيَّنت أن هذا المثال صحيح.
وأول من غير هذا الدواء الأعظم هم الخوارج، ثم المعتزلة بعدهم، ثم الأشعرية، ثم الصوفية، ثم جاء أبو حامد (2) فطمَّ الوادي على القَرِيِّ" (3)، هذا كلامه بلفظه (4).
ولو ذهبنا نستوعب ما جناه التأويل على الدنيا والدين، وما نال الأمم قديمًا وحديثًا بسببه من الفساد لاستدعى ذلك عدَّة أسفار (5)، واللَّه المستعان.
[لا يعمل بالفتوى حتى يطمئن لها قلب المستفتي]
الفائدة السادسة والخمسون: لا يجوز العمل (6) بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله (7)، وتردد فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"استفت نفسك (8)، وإن أفتاك الناس وأفتوك"(9)، فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولًا، ولا تخلِّصه فتوى المفتي من اللَّه إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من قضيت له بشيء من [حق] (10) أخيه، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار"(11) والمفتي والقاضي
= ولحديث عوف شواهد عديدة من حديث أبي هريرة ومعاوية وأنس بن مالك وعبد اللَّه بن عمرو، وقد صححه جمع من الحفاظ؛ كما بيّنتُه في تعليقى على "الاعتصام"(1/ 109، 168 - 169، 3/ 157، 259)، وانظر:"السلسلة الصحيحة"(رقم 203، 204).
(1)
في مطبوع "الكشف" بعدها: "تأويلًا صرحت به للناس"!!.
(2)
"يعني الغزالي، وبهذه الكلمة الصادقة من ابن رشد وضحت حقيقة الغزالي"(و).
(3)
وجدتُ المثالَ المذكور للمتأولين عند ابن رشد في كتاب آخر له، هو "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال"(ص 34).
(4)
"راجعت نقول ابن القيم على مصادرها عند الجويني والغزالي وابن رشد، فوجدت الأمانة التي تخاف اللَّه وتكبر الحق"(و).
(5)
للدكتور محمد أحمد لوح دراسة مفردة مطبوعة، بعنوان:"جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية" وهي جيدة، وفيها تفصيل وتأصيل، فانظرها إن شئت الاستزادة.
(6)
في (ق): "لا يجوز له العمل".
(7)
في (ك): "فتواه".
(8)
في (ق): "قلبك".
(9)
سبق تخريجه.
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
(11)
رواه البخاري (2458) في (المظالم): باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه، =
في هذا سواء، ولا يظنّ المُستفتي أنَّ مجرد فتوى الفقيه تُبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال [في](1) الباطن، أو لشكِّه فيه، أو لجهله به (2)، أو لعلمه جهل المفتي أو محاباته في فتواه (3)، أو عدم تقييده (4) بالكتاب والسنة، [أو](1) لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرُّخص المخالفة للسنة، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه [وسكون](6) النفس إليها، فإن كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي سأل (5) ثانيًا وثالثًا، حتى تحصل له الطمأنينة، [فإن لم](1) يجد، فلا يكلف اللَّه نفسًا إلا وسعها والواجب تقوى اللَّه بحسب الاستطاعة.
فإن كان في البلد مفتيان [أحدهما](1) أعلم من الآخر، فهل يجوز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل؟ فيه قولان للفقهاء، وهما وجهان [لأصحاب](1) الشافعي وأحمد، فمن جوَّز ذلك رأى أنه يقبل قوله إذا كان وحده فوجود من هو أفضل منه لا يمنع [من قبول قوله](1) كالشاهد، ومن منع استفتاءه قال: المقصود حصول ما يغلب على الظن الإصابة [وغلبة الظن بفتوى] الأعلم أقوى فيتعيَّن (6)، والحق التفصيل بأن المفضول إن ترجَّح بديانة أو ورع أو تحرٍّ للصواب، وعدم ذلك الفاضل فاستفتاء المفضول جائز إنْ لم يتعين، وإن استويا فاستفتاء الأعلم أولى، واللَّه أعلم (7).
= و (2680) في (الشهادات): باب من أقام البينة بعد اليمين، و (6967) في (الحيل): باب رقم (10)، و (7169) في (الأحكام): باب موعظة الإمام للخصوم، و (7181) باب من قضي له حق أخيه فلا يأخذه، و (7185) باب القضاء على كثير المال وقليله، ومسلم (1713) في (الأقضية): باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، من حديث أم سلمة.
ووقع في (ق): "من النار".
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (ق): "أو لجهالته به".
(3)
في (ق): "فتاويه".
(4)
في (ق) و (ك): "تقيده".
(5)
في المطبوع و (ت): "يسأل".
(6)
في (ق): "فتتعين"، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
انظر هذه المسألة في: "المحصول"(6/ 82)، و"البرهان"(2/ 1342)، و"المستصفى"(2/ 392)، و"المنخول"(ص 479 و 483)، و"إرشاد الفحول"(ص 271)، و"المسودة"(ص 462 - 464)، و"روضة الناظر"(ص 345) و"القواعد" للعز بن عبد السلام (2/ 159) و"فتح الغفار"(3/ 37) و"صفة الفتوى"(ص 56) و"تيسير التحرير"(4/ 251) و"شرح تنقيح الفصول"(432) و"فواتح الرحموت"(2/ 404) و"الرد على من أخلد إلى الأرض"(ص 154، 156).