الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيره وبين ألا يشتركا في [شيء من](1) ذلك، فلا تثبت.
وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه وبه تجتمع الأحاديث، وهو اختيار شيخ الإسلام (2)، ومذهب فقهاء البصرة، ولا نختار غيره (3)، وقد روى أحمد عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم حلفوا في الرواية والفتوى، وغيرهما (4) تحقيقًا وتأكيدًا للخبر (5) لا إثباتًا له باليمين، وقد قال تعالى:{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23]، وقال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] الآية (6)، وقال تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]، وكذلك أقسم [بكلامه كقوله] (7) تعالى:{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 1 - 2]، {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1]، {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1]، وأما إقسامه بمخلوقاته التي هي آيات دالة عليه فكثير جدًا.
[من أدب المفتي أن يفتي بلفظ النصوص]
الفائدة التاسعة: ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكنه، فإنه يتضمن الحكم والدليل [مع البيان التام، فهو حكم مضمونٌ له الصواب، متضمن للدليل](8) عليه في أحسن بيان، وقول الفقيه المعيَّن ليس كذلك، وقد كان الصحابة والتابعون والأئمة [الذين سلكوا على منهاجهم](8) يتحرون ذلك غاية التحري حتى خَلَفت من بعدهم خلوف رغبوا عن النصوص [واشتقوا لهم ألفاظأ غير ألفاظ النصوص](8)
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(30/ 383)، وانظر المسألة في "المغني"(5/ 461 - "الشرح الكبير")، و"المبدع"(5/ 206) لابن مفلح.
(3)
انظر ما مضى، و"تهذيب السنن"(2/ 194 و 5/ 167)، ووقع في (ق):"ولا يختار غيره".
(4)
في المطبوع و (ت) و (ك): "وغيرها".
(5)
في (ق): "تحقيقًا للخبر وتأكيدًا". وانظر في حلف الصحابة تحقيقًا وتأكيدًا للخبر: "طبقات ابن سعد"(4/ 266) أثر لعبد اللَّه بن عمرو: "مالي ولصفين. . . واللَّه على أني ما رميت بسهم" و"الجعديات"(1112 - ط الفلاح) و"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 308) و"سنن البيهقي"(7/ 82)، أثر عمر:"واللَّه ما أفاد امرؤ فائدة بعد إيمان باللَّه خير من امرأة حسنة الخلق ودود" وكلاهما إسناده صحيح، وانظر:"المسائل التي حلف عليها الإمام أحمد"(رقم 61 - 62).
(6)
هذه الآية مذكورة في (ق) بعد التي تليها.
(7)
بدل ما بين المعقوفتين في (ت): "بقوله".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
فأوجب ذلك هجر النصوص، [ومعلوم أن تلك الألفاظ لا تفي بما تفي به النصوص](1) من الحكم والدليل وحسن البيان فتولَّد من هجران ألفاظ النصوص والإقبال على الألفاظ الحادثة وتعليق الأحكام بها على الأمة من الفساد ما لا يعلمه إلا اللَّه، فألفاظ النصوص عصمة وحجة بريئة من الخطأ والتناقض والتعقيد والاضطراب، ولما كانت هي عصمة [عهدة](2) الصحابة وأصولهم التي إليها يرجعون كانت علومهم أصح من علوم من بعدهم وخطؤهم فيما اختلفوا فيه أقل من خطأ من بعدهم، ثم التابعون بالنسبة إلى من بعدهم كذلك [وهلم جرًّا](3).
ولما استحكم هجران النصوص عند أكثر أهل الأهواء والبدع كانت علومهم في مسائلهم وأدلتهم في غاية الفساد والاضطراب والتناقض.
وقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا سُئلوا عن مسألة يقولون: قال اللَّه كذا، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كذا، وفعل كذا (4)، ولا يعدلون عن ذلك ما وجدوا إليه سبيلًا قط فمن تأمل أجوبتهم وجدها شفاء لما في الصدور فلما طال العهد وبُعد الناس من نور النبوة صار هذا عيبًا عند المتأخرين أن يذكروا في أصول دينهم وفروعه قال اللَّه (5)، وقال رسول اللَّه (6)، أما أصول دينهم فصرحوا في كتبهم أن قول اللَّه و [قول](7) رسوله لا يفيد اليقين في مسائل أصول الدين، وإنما يحتج بكلام اللَّه ورسوله فيها الحشوية والمجسمة والمشبهة، وأما فروعهم فقنعوا بتقليد من اختصر لهم بعض المختصرات التي لا يذكر فيها نص عن اللَّه تعالى، ولا عن رسول اللَّه (8) صلى الله عليه وسلم، ولا عن الإمام الذي زعموا أنهم قلدوه دينهم، بل عمدتهم فيما يفتون ويقضون به وينقلون به الحقوق ويبيحون به الفروج والدماء والأموال على قول [ذلك](9) المصنِّف، وأجلّهم عند نفسه وزعيمهم عند بني جنسه من يستحضر لفظ [ذلك] (10) الكتاب ويقول: هكذا قال، وهذا لفظه، فالحلال (11) ما أحفَه ذلك الكتاب، والحرام ما حرمه، والواجب ما أوجبه، والباطل ما أبطله، والصحيح ما صححه هذا، وأنَّى لنا بهؤلاء في مثل هذه الأزمان، فقد دفعنا إلى
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، و (ت).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
في المطبوع: "أو فعل رسول اللَّه كذا".
(5)
في (ق): "قال اللَّه تعالى كذا".
(6)
في (ق): "رسوله".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ت)
(8)
في (ك) و (ق): "رسوله".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(11)
في (ق): "والحلال".
أمر تضج منه الحقوق إلى اللَّه ضجيجًا وتعج منه الفروج والأموال والدماء (1) إلى ربها عجيجًا تبدل فيه (2) الأحكام، ويُقلب [فيه](3) الحلال بالحرام، ويُجعل المعروف فيه (4) أعلى مراتب المنكرات، و [المنكر](5) الذي لم يشرعه اللَّه ورسوله من أفضل القُرُبات، الحق فيه غريب، وأغرب منه من يعرفه، وأغرب منهما من يدعو إليه وينصح به نفسه والناس، قد فلق بهم (6) فالقُ الإصباح صُبْحه عن غياهب الظلمات، وأبان [لهم](7) طريقه المستقيم من بين تلك الطرق (8) الجائرات، وأراه بعين قلبه ما كان عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، مع ما عليه أكثر الخلق من البدع المضلات، رفع له علم الهداية فشمَّر إليه (9)، ووضح [له](10) الصراط المستقيم فقام واستقام عليه، وطوبى له من وحيد على كثرة السكان، غريب على كثرة الجيران، بين أقوام رؤيتهم قذى العيون، وشجى الحلوق، وكرب النفوس، وحمَّى الأرواح، وغم الصدور، ومرض القلوب، إن (11) أنصفتهم لم تقبل طبيعتهم الإنصاف (12)، وإن طلبته [منهم](13)، فأين الثريا من يد الملتمس، قد انتكست قلوبهم، وعمي عليهم مطلوبهم، رضوا بالأماني، وابتلوا بالحظوظ، وحصلوا على الحرمان، وخاضوا بحار العلم لكن بالدعاوي الباطلة وشقاشق (14) الهذيان، ولا واللَّه ما ابتلت من وَشَله (15) أقدامهم، ولا زكت به عقولهم وأحلامهم، ولا ابيضت به لياليهم وأشرقت بنوره أيامهم، ولا ضحكت بالهدى، والحق منه وجوه الدفاتر (16) إذ بُلَّتْ بمدادهِ أقلامُهم (17) أَنفقوا في غير
(1) في (ق): "والدماء والأموال".
(2)
قال (د): "في نسخة: "تستبدل فيه الأحكام"، ويغلب. . . إلخ".
(3)
في (ق): "ويغلب فيه"، وما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ك).
(4)
في (ت) و (ك): "ويجعل فيه المعروف في"، وفي (ق):"ويجعل المعروف فيه في".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(6)
في (ت) و (ك): "قد خلق له"، وفي (ق):"قد خلق لهم".
(7)
ما بين المعقوفتين من (ق).
(8)
في (ق): "الطرقات".
(9)
في (ق): "رفع له علم الهدى فسري به".
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(11)
في المطبوع: "وإن".
(12)
في (ق): "لم يقبل طبعهم الإنصاف".
(13)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
(14)
في (ق): "وشقايق".
(15)
"الوشل: الماء القليل"(و).
(16)
في (ق): "ركوة الدفاتر"، وفي (ك):"ربوة الدفاتر".
(17)
في (ق): "إذا بُلت بمداد ما كلامهم"، وفي (ق):"إذ بكت بمداده اقلامهم".